يبدو القرار رقم (1701) الصادر في الحادي عشر من أغسطس- آب الجاري عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خطوة على طريق إنهاء الحرب التي تستهدف لبنان. والأكيد أن المفاوضات التي رافقت صدور القرار ساهمت إلى حدّ كبير في كشف ما لم يكن واضحاً سوى للبعض وهو الا عودة إلى الوضع الذي كان سائداً في جنوب لبنان وحتى في كلّ لبنان قبل الثاني عشر من يوليو- تمّوز الماض حين خطف "حزب الله" جنديين أسرائيليين وشنّت أسرائيل عدوانها على لبنان. هذا العدوان الذي يبدو للأسف مستمرّاً على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الذي يدعو الى وقف العمليات العدائية وذلك في انتظار التوصّل الى وقف لأطلاق النار. في ضوء الظروف الاقليمية والدولية، لم يكن في الامكان التوصلّ الى أفضل من القرار (1701) على الرغم من أنّه يمكن اعتباره غير متوازن، أقلّه في جهة عدم أشارته الى المسؤوليات الاسرائيلية والنتائج التي ترتّبت على العدوان والخسائر التي لحقت بلبنان. وكان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني النائب الأوّل لرئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الذي يحتل بلده حالياً المقعد العربي في مجلس الأمن، في غاية الوضوح عندما تحدث عن ذلك وعن ثغرات أخرى في نصّ القرار بما في ذلك الغموض الذي يكتنف اشارته الى الأسرى والمفقودين اللبنانيين لدى العدو الأسرائيلي. ومن الواضح أنّه لولا الجهود التي بذلها النائب الأوّل لرئيس الوزراء القطري الذي وفر وجوده في نيويورك ثقلاً للوفد العربي، لما كان في الأمكان الذهاب ألى هذا الحدّ في تحسين نصّ القرار الصادر عن مجلس الأمن. والواقع أن الشيخ حمد كان يتحدّث في جلسة مجلس الأمن وفي الاتصالات التي سبقت صدور القرار باسم كل لبناني حريص على لبنان وعلى خروجه سليماً من العدوان الذي تعرّض له، أو لنقل بأقلّ مقدار ممكن من الأضرار. ربما كان النجاح الذي حقّقه النائب الأوّل لرئيس الوزراء القطري وراء الحملة السمجة والسخيفة التي يتعرض لها حالياً في بعض وسائل الاعلام العربية. انّها بكل بساطة وسائل أعلام تحرّكها جهات معينة لا تدرك ألا شيء ينجح مثل النجاح وأنّه لا يمكن محاربة النجاح. على العكس من ذلك يستطيع الذين صاروا فجأة غيارى على لبنان واللبنانين الانضمام الى النجاح الذي تحقق والسعي مستقبلاّ الى البناء على القرار والعمل على تلافي تحويله لغير مصلحة لبنان واللبنانيين. هل هذا الأمر ممكن؟ نعم أنه أكثر من ممكن في حال كان هناك التفاف عربي حول لبنان بكلّ فئاته وحول النقاط السبع التي هناك اجماع عليها والتي تسعى الحكومة اللبنانية الى تطبيقها والحصول على دعم لها. المهمّ في المرحلة المقبلة وفي ظلّ استمرار العدوان الاسرائيلي يستلزم بذل جهود عربية للتوصل الى وقف للنار في أسرع وقت ممكن. كلّما توقفت آلة القتل الاسرائيلية عن العمل باكراً، كلّما كان ذلك في مصلحة لبنان. فمن الضروري في مرحلة ما بعد صدور القرار الدولي الأخير المحافظة على الوحدة الوطنية في لبنان وعدم تمكين المصطادين في الماء العكر من استغلال الثغرات التي في القرار 1701 للايقاع بين اللبنانين، كذلك من الضروري الاستفادة من القرار كي يكون هناك سعي حقيقي لطي صفحة لبنان "الساحة". وبكلام أوضح، يبدو مطلوباً أكثر من أي وقت الانتهاء من مرحلة أدّت بين ما أدّت اليه إلى تمكين اسرائيل من تنفيذ عملية تدمير مدروسة للبنان وتقطيع أوصاله. ولا شكّ أن الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله الأمين العام ل"حزب الله" كان مهماً، على الرغم من ابدائه تحفظات عن القرار (1701) وكأنّ هذا القرار صدر في المجهول وليس تعبيراً عن الواقعين الاقليمي والعالمي اضافة بالطبع الى ما حصل على الأرض اللبنانية وليس على أرض أخرى. لقد كانت اشارة السيّد نصرالله الى ضرورة عودة النازحين ألى قراهم وبلداتهم اشارة في مكانها، نظراً لأن هؤلاء يشكلون مشكلة كبيرة للبنان حتى لا نقول قنبلة موقوتة. لكنّ الاعتراف بالمشكلة التي تطال نحو مليون لبناني، أي ربع سكّان لبنان ، ليس كافياً. لا بدّ من خطوة يقدم عليها الحزب الذي قام بحسابات خاطئة لم تأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان، لتسهيل عودة النازحين الى أرضهم اليوم قبل الغد. تتطلّب مثل هذه الخطوة امتلاك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأن القرار (1701) بما فيه من اجحاف وظلم في حقّ لبنان، جاء نتيجة تراكمات ساهم فيها الحزب المدعوم من أيران والذي صار في الفترة الأخيرة بمثابة حليف للنظام السوري بعدما كان في مرحلة ما تحت سيطرته جزئياً. حصل ذلك بعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان في ابريل - نيسان من العام 2005 حين نجح الحزب في ملء الفراغ الذي خلّفه هذا الأنسحاب لمصلحة أيران. لقد ساهم "حزب الله" منذ انسحاب أسرائيل من"الشريط المحتلّ" في جنوب لبنان في مايو - أيّار من العام 2000 في اختراع قضية مزارع شبعا بهدف واحد وحيد هو ابقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة تلبية لرغبة سورية - ايرانية وهو ما جعل لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي. لا يمكن أنكار أن لبنان يستطيع أثبات أن له حقوقاً في مزارع شبعا التي احتلّتها اسرائيل في العام 1967 عندما كانت تحت السيطرة السورية. لكن هذه الحقوق لا يمكن أثباتها ألاّ في حال بعثت دمشق برسالة الى الأمم المتحّدة تؤكد أن المزارع لبنانية وأنّ أصحابها لبنانيون. ليس كافياً أن يقول المسؤولون السوريون أن المزارع لبنانية. عليهم أن يقدموا على خطوة في اتجاه تثبيت لبنانية المزارع لدى المنظمة الدولية. ان المجتمع الدولي الذي اعتبر، ممثّلاً بمجلس الأمن، أن اسرائيل نفّذت القرار (425) عندما انسحبت من الأراضي اللبنانية في العام 2000، لا يمكن ان يقبل استمرار الوضع كما كان عليه في جنوب لبنان قبل شهر. ان ذلك هو الدرس الأوّل الذي يمكن استخلاصه من الأحداث الأخيرة ومن انتظار مجلس الأمن شهراً كاملاً قبل تبنيه قراراً لا يذهب الى الدعوة الى وقف فوري لاطلاق النار. هذا القرار الذي كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير من ذلك الذي أقرّ أخيراً لولا الجهود العربية، جهود النائب الأوّل لرئيس الوزراء القطري تحديداً. نعم، لا بدّ من التفكير منذ الآن في عودة النازحين الى بيوتهم، حتى لوكانت مدمّرة. لكنّ ذلك ليس ممكناً من دون تصرّف عقلاني ل"حزب الله" يأخذ في الاعتبار أن الوضع لا يمكن أن يعود الى ما كان عليه في الجنوب. في حال استطاع القيام بهذه النقلة النوعية، سيكون من السهل أعادة النازحين سريعاً الى حيث يجب أن يعودوا وأن يقيموا. ولكن يبقى السؤال الأساسي هل "حزب الله" يمتلك حرية قراره... أم من الظلم طلب ذلك منه وأن سلاحه في أمرة النظامين في سوريا وأيران وأنّ الثغرة الحقيقية في القرار (1701) تجاهله لدمشق وطهران وللدورين السوري والايراني في لبنان؟ لا يمكن الاّ الاعتراف بأن العرب، على رأسهم دولة قطر، أدّوا دورهم، أو على الأصحّ أقصى ما يستطيعون القيام به في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها في غاية التعقيد. من واجب اللبنانيين أن يتصرّفوا بكثير من العقلانية في حال كانوا يريدون الاستفادة من القرار (1701) على الرغم من كلّ ما فيه من ثغرات. لا سبيل الى ذلك سوى الالتفاف حول حكومتهم والمحافظة على التماسك الداخلي بغية القول بملء الفم: انّ لبنان ليس "ساحة". أنّهم أمام عدوّ لا يرحم.