بانفجار برجيّ التجارة العالميّين في نيويورك صبيحة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، انفجرت في العالم أجمع مشكلة الإرهاب و ما ترتّب عليها من تبعات غيّرت مسار العالم بأسره لا سيّما العالم الإسلاميّ . فتراوحت هذه التبعات من حروب شنّتها أميركا على الدول التي ارتأت أنّها تفرخ الإرهاب و تحتضن الإرهابيّين ، إلى تهديدات مباشرة لدول أخرى في المنطقة على مبدأ (الضربة الوقائيّة) ، إلى محاولة فرض الصبغة الأميركيّة على كلّ الصعد التعليميّة و الدينيّة و الإعلاميّة للدول الإسلاميّة بذريعة اجتثاث الأفكار الإرهابيّة و هي في مهدها . و في خضمّ ما تسمّيه أميركا (الحرب على الإرهاب) ، تصدع أصوات عدّة تمجّد أميركا و تعتبرها حمامة السلام التي سخّرها الله للبشريّة ، في الوقت الذي تتحدّث فيه أطراف أخرى عن حرب أميركيّة تتسربل بلباس مكافحة الإرهاب ، إلاّ أنّها في واقعها حرب دينيّة و اقتصاديّة بحتة لتحقيق مآرب أميركا في المنطقة. في هذه الوقفة سنحاول إيجاد الإجابة الحقيقيّة عن نوع هذه الحرب ، بالرجوع لمصادر تاريخيّة و سياسيّة و دينيّة من مختلف الأطياف . أميركا و الإرهاب جدير بالذكر أنّ المنظمات الدوليّة كانت قد عجزت عن وضع تعريف محدّدّ للإرهاب منذ محاولة عصبة الأمم المتّحدة عم 1937 و حتى يومنا هذا . و يعود السبب في ذلك للازدواجيّة التي يحملها مصطلح الإرهاب من حيث التباين في تعريفه على نطاق الأفراد كما على نطاق الدول . فما يراه البعض إرهاباً يراه آخرون دفاعاً و مقاومة و تحرير و ثورة . و بتعريج على التعريف الأميركيّ للإرهاب في عدّة مصادر أميركيّة نجد أنّه : الاستعمال المحسوب للعنف أو التهديد بالعنف للوصول إلى أهداف ذات طابع سياسي أو ديني أو أيديولوجي . من جهته يؤكّد (عادل ، 47 عاماً) و الذي يقطن أميركا منذ ما يزيد على العشرين عاماً أنّ "أميركا دولة إرهابيّة بامتياز على كافّة الصعد الداخليّة و الخارجيّة". فعلى الصعيد الخارجيّ يجد عادل أنّ مفهوم أميركا "أنت معنا أم مع الإرهاب؟" هو قمّة "الاستبداد و محاولة فرض الرأي الأميركيّ على العالم بأسره" ، موضّحاً أنّ"رفضي للإرهاب لا يعني بالضرورة اقتناعي بمنهج أميركا في محاربته ، فهي دولة تجابه العنف بالعنف ". كما يزيد عادل قائلاً :"من يعرف المجتمع الأميركيّ على حقيقته تملؤه الرغبة في الضحك عندما يستمع لمزاعم أميركا لوأد العنف في جميع العالم " ، معلّلاً ذلك أنّ "المجتمع الأميركيّ يضمّ في طيّاته عنفاً لا يتصوّره عقل ، فهو أبعد ما يكون عن المثاليّة التي يدّعيها" . و نتيجة لذلك يرى عادل أنّ "الأجدر بأميركا أن تحلّ مشاكلها الداخليّة قبل أن تنصّب نفسها شرطي أمن على العالم". المجلّة الأميركيّة المعروفة تؤكّد ما ذكره عادل عن حقيقة المجتمع الأميركي. USA TODAY من حيث أنّه يضم ما يزيد على 41 منظّمة و 22 ميليشيا مسلّحة كميليشيا أريزونا و كولورادو و ميتشجن و فلوريدا ، و جماعات ك (كوكلكس كلان) و (دان كورش) و (القسّ جونز) . و في كتابه (التنكيل بالعراق) أشار الكاتب (جيف سيمونز) لمقدار الإرهاب و العنف الذي تنتهجه أميركا في ما تدّعيه من مكافحة الإرهاب . فقد تلقّى العراق خلال حرب الخليج الثانية 940 ألف قذيفة يورانيوم و 14 ألف قذيفة دبّابّة ، و 50 ألف صاروخ و 88 ألف طنّ من القنابل . كما قد استخدمت قنابل "النابالم "الممنوعة دوليّاً ، و قنابل الوقود و القنابل العنقوديّة . كما كان لها السبق عالميّاً في استخدام اليورانيوم المنضّب ، فقد استخدمت 300 طن منه ، ما أدّى و يؤدّي لوفاة طفل عراقي من بين كلّ ثمانية أطفال قبل بلوغه سنّ الخامسة ، عدا عن التشوّهات التي ألمّت بمعظم الأطفال و النساء الحوامل ، و وفاة مليون و نصف عراقي منذ بداية حرب الخليج و ما تبعها من حصار على العراق ، بمعنى أنّه كان يموت يوميّاً 250 عراقي . من جهتها تشير (آمال ، 33عاماً) الباحثة في الدراسات الأميركيّة إلى كون أميركا "دولة إرهابيّة منذ نشأتها" فهي قد "قامت على دماء الهنود الحمر الذين أبيدوا بحرب جرثوميّة كان لأمريكا قصب السبق فيها عالميّاً" . و تدعّم آمال حديثها بمعلومات تمتلكها عن القائد البريطاني الأصل (جفري أهرست) الذي أمر برمي بطانيّات ، كانت تستخدم في مصحّات علاج الجدري و الحصبة و الإنفلونزا ، على الهنود الحمر بهدف نشر المرض بينهم . فكانت هذه الحادثة هي "أول و أكبر استخدام لأسلحة الدمار الشامل ، حتى أنّ ما خلّفته قنبلتيّ هيروشيما و ناجازاكي لم يتجاوز 5% ممّا لحق بالهنود الحمر من إبادة". هل هي حرب دينيّة أم اقتصاديّة؟ على الرغم من كون الولايات المتّحدة هي دولة علمانيّة يؤكّد دستورها على الفصل التامّ بين الدين و السياسة ، و على الرغم من كونه يجدر بنا التسليم أنّ كثيراً من النخب الأميركيّة المؤثّرة أبعد ما تكون عن الدين و التديّن . إلاّ أنّ ما لا يعلمه المعظم هو انتشار الأصوليّة المسيحيّة في الولايات المتّحدة على نحو لا مثيل له في أيّ مجتمع مسيحي آخر ، و هذه العقيدة الأصوليّة المسيحيّة هي ما تؤمن به الرئاسة الأميركيّة الحاليّة متمثّلة بالرئيس بوش و من حوله من مستشارين و وزراء . هذه العقيدة الأصوليّة المسيحيّة انبثقت من التيّار البروتستانتي ، فهم يؤمنون بالعهد القديم الذي يعتبرونه امتداداً للديانة اليهوديّة . لذلك لا يئلون سبيلاً في دعم اليهود في إقامة Old Testament هيكلهم في القدس على أنقاض المسجد الأقصى ، لأنّهم يؤمنون أنّ المسيح سيعود يوماً و لن تكون عودته قبل تمكّن اليهود في الأرض و إقامتهم هيكلهم ، لذلك يرون أنّه كلّما أسرعوا في إقامة الهيكل و تمكين اليهود كلّما اقتربت ساعة عودة المسيح . تؤكّد هذه الحقيقة الدينيّة عدّة وقائع أشار لها البروفيسور فؤاد شعبان ، الأستاذ في جامعة البتراء الأردنيّة، في كتابه (من أجل صهيون) الذي تحدّث فيه عن الإرث اليهودي في الثقافة المسيحيّة و الأمريكيّة . فيشير لكونه عدا عن تصريح بوش في زلّة لسان أنّ حربه على الإرهاب هي "حرب صليبيّة" ، فإنّه في اجتماع دينيّ أقيم في الكاتدرائيّة الوطنيّة في واشنطن لإحياء ذكرى 11 سبتمبر . قال بوش في ذلك الاجتماع :"نظرت لهذه اللحظة من وجهة نظر دينيّة ، و شعرت أنّ على الأمّة أن تصلّي . فمسؤوليّتنا تّجاه التاريخ قد أصبحت واضحة و هي تخليص العالم من الشر" . و بعدها قام جميع الحاضرين الذين من ضمنهم القسّ الصهيوني المتطرّف (بيلي جراهام) بترديد نشيد (ترتيلة المعركة) الذي يتّصل بالتراث الصهيوني المسيحي اتّصالاً وثيقاً ، حيث يردّدّ فيه المنشدون :يا إخوتي هلاّ لاقيتموني على شواطئ كنعان". كما يرصد بعض المراقبين العديد من المصطلحات التي وردت في خطابات الرئيس الأميركيّ بوش و التي ترمز ل (الصهيوينيّة المسيحيّة) . فمن هذه المصطلحات "قوى الخير و قوى الشرّ، Christian Zionism التخوم الجديدة، معركة مجيدو ، معركة هرّمجدون ، الفاشيّين ، القدر البيّن ، جيش الشيطان ، الحروب الصليبيّة ، طائفة الميسوديت". من جهته كان البابا شنودة قد ردّ على مزاعم اليمينيّين الأميركيّين قائلاً : "مجئ المسيح للأرض مجرّد أفكار يهوديّة لأنّ المسيح كان قد ذكر (مملكتي ليست من هذا العالم) كما كان يدعو لملكوت روحي و ليس أرضي ". كما ذكر البابا شنودة أنّ المسيحيّة لم تتحدّث عن عودة اليهود لبيت المقدس ، بل إنّ السيّد المسيح قد قال لهم (هو ذا بيتكم يُترك لكم خراباً ) ، فتفرّق اليهود بعدها في جهات العالم كلّها من سنة 70 ميلاديّة . و يذهب الإعلامي و المحلّلّ السياسي الأردني (الأستاذ جميل النمري) إلى كون تعبير "الحرب الصليبيّة" كان قد ورد على لسان بوش مرّة واحدة فقط ، و هو "تعبير شائع في الغرب كقولنا حملة شعواء على سبيل المثال". و يعتبر النمري أنّ السياسة و الصراعات و الحروب "لا تقوم على أساس دينيّ و إن كان العنصر الدينيّ موجوداً". و يضرب مثالاً على ذلك بحرب العراق التي كانت لها دوافع جمّة منها "هاجس بوش في إنهاء ملفّ القضيّة العراقيّة التي لم ينهها والده ، عدا عن أسباب أخرى كثيرة منها الاقتصاديّة". و يزيد قائلاً : " من ينظر للحرب من زاوية دينيّة بحتة يحمل ضيق أفق ، فالإسلام السياسيّ لم يشهد صراعاً مع الغرب المسيحيّ بل كان معه في حلف واحد ضدّ الاتّحاد السوفيتي ، إلاّ أنّه مع طفو مشكلة الإرهاب على الساحة الدوليّة و انتهاء الحرب الباردة و غياب العدوّ السوفييتي ظهر العدوّ التالي و هو الإرهاب ما شكّل لدى فئة المحافظين الجدد عقيدة دوليّة في معالجته و ليس دينيّة بحتة كما يرى البعض". ذات الأمر يشير إليه أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنيّة الدكتور أحمد نوفل قائلاً : الرئيس بوش و سياسته التي يقودها هي سياسة رأسماليّة مغلّفة بغطاء ديني " . و يشير لكوننا نحن المسلمين لم نحاسب يوماً ذلك الأستراليّ الذي أحرق المسجد الأقصى و الذي أُخفيت ديانته التي نعتقد أنّها صهيونيّة مسيحيّة ، عندها "لم نحاسب المسيحيّين و لا اليهود و لا الأستراليّين . فلماذا يحاسبون شعوباً بأكملها على تصرّف إسلامي متطرّف بدر من قلّة من المسلمين؟". و يزيد قائلاً :" و حتّى هذه القلّة فهم مسؤولون عنها لأنّها صناعتهم بامتياز . فهي نتيجة حتميّة لما يختزنه الوعي الجمعي من ممارسات أميركا و إسرائيل ضدّ المسلمين". * كاتبة صحفية في جريدة الغد الأردنية و جريدة الوطن و جدير بالذكر أنّ العامل الاقتصاديّ كان حاضراً بقوّة في الحرب الأميركيّة على الإرهاب لاسيّما في كلتا الجبهتين العراقيّة و الأفغانيّة . ففي كتابه (لماذا يكرهوننا؟) أشار الكاتب محمد بن ناصر الزمل إلى عدّة حقائق اقتصاديّة قبل أن يعرّج على ما قاله وزير الطاقة الأميركيّ السابق (جون هارنجتون) بأنّ : " العراق يعوم على بحر من النفط!!" ، ف"احتياطي العراق هو الثاني بعد السعوديّة " كما أنّ " نفط أفغانستان المتواجد في منطقة بحر قزوين تقدّر أرباحه بأكثر من 5 تريليون دولار ، عدا عن موقعها المهمّ لخطوط أنابيب النفط و الغاز الطبيعي". و يشير لكون الحرب على العراق و أفغانستان كانت قد تزامنت مع أزمة الاقتصاد الأميركيّ : "تشهد على الأزمة الاقتصاديّة عدّة دلائل منها التردّي المستمرّ في مؤشرات البورصة الأميركيّة ، الركود المتواصل بسبب عدم وجود رأس مال استثماريّ ، ارتفاع نسبة البطالة ، انهيار عدّة شركات أميركيّة قادت الازدهار في العقد الماضي ، تزايد الدَين الخارجي الأميركي بصورة هائلة ، ارتفاع عجز الميزان التجاري ، و العجز المالي الذي يتجاوز 106 مليار دولار". يبقى في الختام أن نستذكر ما كتبه (هنري كسينجر) في إحدى دراساته قبل تولّيه وزارة الخارجيّة الأميركيّة من أنّه" ما من دولة كبرى يجوز أن تكون بلا هدف مصلحي ، و غير معقول أن تتحرّك هذه الدولة الكبرى بسبب الآخرين ، و إلاّ أصبحت أشبه بسفينة هائمة لا تعرف أيّ مرفأ تقصد".