وحدة الصف الفلسطيني وإبقاء دم أبنائه خطاً أحمر لجميع فصائله وفي المقدمة حركتي فتح وحماس كان طوال السنوات الماضية هو الضمانة لمواصلة مواجهة الاحتلال واستمرار النضال لاقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.. وهو اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة بالنظر الى طبيعة التحديات والأخطار التي يجابهونها على نحو لم يسبق من قبل أن جابهوا مثيلاً لها في تعقيداتها وأبعادها الاقليمية والدولية، خاصة وأن ماحدث من مواجهات وقتال فلسطيني- فلسطيني، يصب في صالح الأجندة الاسرائيلية لتبرير التنصل من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني وإظهار الفلسطينيين امام الرأي الدولي انهم ليسوا في مستوى اقامة الدولة الفلسطينية ويضفي على العدوان والقتل والدمار والخراب الذي يمارسه جيش الإحتلال مصوغات تبريرية أمام المجتمع الدولي، ويكسب مواقف الدول الكبرى الداعمة لاسرائيل نوعاً من الالتباس، يخفف التناقض الواضح بين ماترفعه تلك الدول من شعارات حول الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ووقوفها ضد حرية وديمقراطية وحقوق الشعب الفلسطيني ويبهت الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين تجاه القضية الفلسطينية بصفة خاصة والصراع العربي- الاسرائيلي عموماً. ومع ان كل هذا مدرك من كل الاطراف الفلسطينية وجميعهم يتحدث عن الوضع الخطر والاضرار التي يمكن ان يلحقها استمرار المشهد الذي وصلت فيه الخلافات الى حد اشهار السلاح واراقة الدم بين ابناء شعب مازال أمامهم طريق شاق وطويل لبلوغ غاية كفاحهم لإستعادة الحقوق المشروعة واقامة الدولة الفلسطينية والتي ناضلوا من أجلها سنوات وعقود على جبهات الحرب والسلام يهدرونها في مثل هذه الصراعات التي راهنت اسرائيل وعملت بشتى الصور على تحويل المعركة باتجاهات نقلها من صراع عربي- اسرائيلي وفلسطيني- اسرائيلي الى صراع عربي- عربي وفلسطيني- فلسطيني وتصبح ممسكة بخيوط اللعبة محولة مساراتها في الاتجاه الخطأ.. وهذا ماتنذر به الاحداث التي شهدتها غزة ورام الله مطلع هذا الاسبوع.. مع ان كل هذا كان يمكن احتوائه على طاولة الحوار بين حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية.. وبقليل من التنازلات التي يقدمونها لبعضهم البعض كان يمكن انهاء حالة الاحتقان التي شهدتها الساحة الفلسطينية وعملت على تعميقها اسرائيل والولايات المتحدة واطراف عربية ودولية اخرى من خلال العدوان والسكوت عنه وتوفير غطاء له واخيراً فرض حصار سياسي واقتصادي على الحكومة والشعب الفلسطيني يتجاوز مداه دولة الاحتلال ليصبح ذا طابع عربي ودولي لاسيما بعد الانتخابات الفلسطينية التي شهد العالم بديمقراطيتها، والغاية واضحة تغيير مجرى التباينات الفلسطينية الى خلافات تؤدي الى مواجهات يهدر فيها الدم الفلسطيني في معارك عبثية تتصدر المصالح الفصائلية الضيقة على مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. لقد كان اليمن قيادة وشعباً بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح دائماً يقف الى جانب اخوانه في فلسطين وخياراتهم المستقلة والتي تخدم في محصلتها قيام دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف وهو موقف يرتقي الى مستوى المبدأ.. واليمن على استعداد اليوم أكثر من أي وقت مضى للقيام بكل مايستطيع للحيلولة دون الاحداث واتخاذها مساراً أبعد ويرى انه مازال بالامكان احتوائها من خلال استبدال لغة السلاح الذي يفترض ان يوجه في الاتجاه الصحيح، والعودة الى لغة الحوار ولايهم في هذا المنحى حجم التنازلات من كل طرف للآخر لأنها في محصلتها النهائية تحقق وتخدم مصالح الشعب والقضية الفلسطينية وتفوت الفرصة على اعدائه وتسقط كل الدسائس والمؤامرات والرهانات على تحقيق ماعجزت عنه القوة الاسرائيلية التي جيشها يشن حرباً على هذا الشعب الصابر الصامد المقاوم منذ سنوات ولم تحقق نصراً عليه، ولعل الحصار الاقتصادي الظالم هو آخر التخريجات التي هدف من يقف وراءها الى كسر الوحدة الوطنية الفلسطينية وثوابت قواه المقاومة وليس الحل للخروج من الاوضاع الحياتية والمعيشية هو اشهار البندقية في وجه بعضهم البعض ولكن بالبحث عن مخارج من موقع التلاحم ووحدة الصف وادارة الخلافات انطلاقاً من مصلحة الشعب الفلسطيني عبر التفاهم والحوار وادراك الجميع انهم يمارسون السلطة والمعارضة في وضع استثنائي وهم الجميع ينبغي ان ينحصر في عمل كل مامن شأنه تعزيز الصمود الفلسطيني في وضع كهذا والتعاطي مع الظروف التي نعرف انها صعبة الى حد تفوق احتمالات البشر من منظور التخفيف من وطأتها وتجريب كل الخيارات والعمل بها في وقت واحد فلا مجال للاصرار والتمسك بالمواقف من منطلق التمسك بالشرعية الشعبية التي أفرزتها الانتخابات بالرغم من نزاهتها وشفافيتها وديمقراطيتها ولا إستغلال متغيرات الاوضاع العربية والدولية والاستقواء بها لتحقيق اهداف تخدم هذا الفصيل أو ذاك تكتيكياً ولكنها تلحق الضرر بالقضية الفلسطينية استراتيجياً، وبالتالي على الجميع اعادة حساباتهم وفقاً لمقتضيات المصلحة الوطنية الفلسطينية في الحاضر والمستقبل.