العالم الحر الذي تبشر دوله بنشر الديمقراطية في اطار ما أسمته بمشروع الشرق الاوسط الكبير لايكفي ان تشهد بنزاهة الانتخابات الفلسطينية وشفافيتها، بل عليها ايضاً ان تحترم ارادة الشعب الفلسطيني في اختيار ممثليه في المجلس التشريعي المعبر عنها في نتائج الانتخابات التي جاءت لصالح حركة حماس وفوزها الذي وضع الدول الغربية أمام المحك كحارسة للديمقراطية، واعادة النظر في تعاطيها مع حركة المقاومة الاسلامية حماس لامن وجهة النظر الاسرائيلية، بل من نتائج الاستحقاق الانتخابي وصناديق الاقتراع. فالتعبير الديمقراطي للشعوب ينبغي ان يؤخذ بماهو كذلك وعلى الجميع في الساحة الفلسطينية وفي مقدمتهم حركة فتح بتاريخها النضالي الطويل في سبيل استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة من منطلق انها ليست انتصاراً لهذا الفصيل أو ذاك بقدر ماهي انتصار للديمقراطية، وتعبير عن قدرة الشعب الفلسطيني بكل تشكيلاته ومكوناته على تعامله الحضاري مع هذا النهج رغم معاناته في ظروف وأوضاع استثنائية تحت الاحتلال. والتسليم من قبل الجميع بنتائج الانتخابات الفلسطينية هو الذي يجب ان يكون، فلا يجب فهم الديمقراطية من منظور المصلحة الحزبية أو الفصائلية الضيقة بل من فضاء أهميتها المجسد للادراك الواعي من قبل كل القوى الفلسطينية لضرورة ترسيخ وتجذير الديمقراطية كالتزام وخيار حضاري على طريق نيل حقوقه المشروعة واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. وعلى حركة حماس اثبات انها جديرة بهذا الاستحقاق وبثقة الشعب الفلسطيني الممنوحة لها عبر صناديق الاقتراع، مبرهنة انها في مستوى تحمل المسؤولية برؤية ناضجة تستوعب معطيات متطلبات المرحلة دون تفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة مع ممثلي الشعب الفلسطيني وبما يؤدي الى إحداث انتقالة في توجهاتها تنسجم مع انخراطها الديمقراطي في العمل السياسي، لتؤكد عبره انها مثلما كانت في مواجهاتها المقاومة للاحتلال ستكون كذلك ومن موقعها الجديد في انهاء الاحتلال عبر العملية السلمية الدائمة والشاملة طبقاً للشرعية الدولية المعبر عنها في قراري مجلس الأمن (242 و338) اللذين تطبيقهما يفضي الى اقامة الدولة المستقلة استقلالاً كاملاً غير منقوص على كل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67م بما فيها القدس الشريف. وبدون شك فان الوضع الجديد والظروف التي استجدت بفعل هذه المفاجأة غير المتوقعة التي شكلت متغيراً ديمقراطياً جديداً مضمونه يمتد أبعد من الداخل الفلسطيني لتتأثر به منطقة الشرق الأوسط، يفترض اعادة الدول المعنية بعملية السلام النظر في سياساتها تجاه حركة حماس والتعامل معها لا على اساس الرؤية الاسرائيلية بل على اساس انها تمثل ديمقراطية الشعب الفلسطيني والكف عن اعتبارها منظمة ارهابية والضغط على اسرائيل واجبارها على تطبيق قرارات الشرعية الدولية وتنفيذ التزاماتها تجاه عملية السلام طبقاً للاتفاقيات الموقعة في المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية والكف عن مواصلة العدوان على الشعب الفلسطيني، قبل مطالبة حركة حماس بتقديم تنازلات يصعب على حركة حماس تقديمها دون تغيير في السياسة الاسرائيلية لصالح السلام وتقديم ضمانات دولية بذلك، بحيث تكون نتائج هذا التغيير ملموس على الأرض ويلبي فعلاً متطلبات السلام وفقاً لخارطة الطريق، وهذا يستدعي من الرباعية الدولية عدم الاستمرار في الأخذ بمعايير مزدوجة تصب في صالح الممارسات العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.. ولصالح توجه حقيقي وجاد في تحقيق السلام في مساره الاسرائيلي- الفلسطيني، والعربي- الاسرائيلي. وفي هذا المنحى فان فوز حماس لايعني فقط دولياً اعادة النظر في السياسات تجاه الفلسطينيين واسرائيل، بل تجاه المنطقة برمتها، وتجاه مشاريع فرض الديمقراطية وفقاً لمبدأ الإملاءات الخارجية التي لاتعبر عن مصالح شعوبها، بل تقود الى نتائج تتعارض مع توجهات تلك الدول، وتعكس ارادة الشعوب ومصالحها، مجسدة ذلك في ممارسة ديمقراطية حقيقية. ومن المهم هنا الإشارة الى ان الانتخابات الفلسطينية أكدت ان الشعوب العربية في مستوى الديمقراطية متى ماكانت تستجيب لمتطلبات مصالحها وتطلعاتها المستقبلية، وعلى حركة فتح وبقية الفصائل الفلسطينية العمل جنباً الى جنب مع حماس مادامت عند مستوى ثقة الشعب الفلسطيني واستحقاقاته في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة فلسطينياً وعربياً ودولياً. صحيفة 26سبتمبر