في مجلس قات اشتد الحوار والكل ينشد مكافحة الفساد والمفسدين وأثناء الحديث دخل علينا رجل مسئول يشهد له الجميع بالأمانة ولإخلاص والجدية في العمل فلم يلقي له أحد بال، ودخل علينا آخر -مهندم تظهر عليه آثار النعم- وقف الجميع له وبجل رغم أن الكل يعرف مصدر ثرائه والكل يتحدث همسا عن انحرافاته وفساده، وبينما أنا أفكر في موقفنا ومن كان الأحري بالاحترام سألني أحد الحاضرين كيف نعالج قضية الفساد؟ فكان لابد أن أبين مواطن الفساد الإداري الذي لا يقتصر على الرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام وإنما يشمل الفساد تجنب المسئولية خوفا من الوقوع في حبائلها، ومنها كذالك الإغراق في التعقيد والشكليات التي لا لزوم لها، و تركيز السلطة في الإدارات والفوضى في توزيع الاختصاص، وشيوع السلطة وعدم تحديد المسئولية والتنصل منها. وتبادر ألي ذهني موقف الحاضرين من الداخلين علينا، فقلت في نفسي يا سبحان الله نشجع الفاسدين ونبجلهم ثم ننتقدالفساد اما مثل هذا الموقف يدفع آخرين إلي الفساد؟ الخطوة الهامة يا سادة يا كرام للإصلاح تغير ما بأنفسنا وتصحيح مفاهيمنا وتحديد المعايير التي نقيم بها البشر, من نحترم؟ ومن لا نحترم؟، معايير التقييم اليوم تقول أن المرتشي والمختلس والسارق والمنافق والمرائي... هو الشاطر والحاذق والذكي والمبجل وتصرفاتنا نحوهم توحي بذالك، أما وقفنا له جميعا بينما ذالك الرجل الصادق الأمين المخلص في عملة الجاد في أداءه المكتفي بدخلة المشروع لم نعطه حقه من الأحترام، تصرفنا نحوه يوحي أننا ننعته بالسذاجة والضعف، ونقول لغيره (إذا لم تكن ذئب أكلتك الذئاب) منطوق الغابة يصبح منطوقا بشريا. فكيف نصحح المفاهيم المعكوسه؟ لا بد من حملة إعلامية قوية، تبين منازل البشر ومعايير الكرامه، وتصحح المفاهيم المغلوطة، وتبين القيم الثابتة، والتي لا تصلح أحوال معيشتنا إلا بالتمسك بها، ولكي نكافح الفساد لابد أن يشعر كل فاسد أن أبنا المجتمع ينضر إليه بدونية واستحقار حتى ولو أمتلك مال قارون وكثرت عطاياه، وتحويل أنظار المجتمع إلى احترام وتقدير كل من ثبت نظافة يديه وقلبه وكان كسبة من الحلال. وهذا المفهوم لن يرسخ بالأعلام وحده وإنما بإحالة من ظهر فسادة إلي القضاء ليحاكم علنا وتعلن الأحكام الصادرة ضده، وفي هذه الحالة لن يقول الناس ما قاله أصحاب قارون "يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون" بل سيحمدون الله على ما هم فيه ويقولون "لولا أن من الله علينا لخسف بنا" . إن الأمراض الاجتماعية والإدارية وليدة المجتمع الفاسد وتحرير الإنسان منها إستكمل صيرورته وهي الخطوة الصحيحة للإدارة نحو تحقيق أهداف المنظمة. وإن السلوك الظاهر والسيرة النقية والحياة الملتزمة هي أوجب الوجائب للموظف الذي يحب أن يحترم، وأية شائبة في سلوكه تعني انعدام صلاحيتة للعمل. إن القيادي الشريف النظيف قولاً وعملاً هو الذي يترجم مباديء الوظيفة العامة والأخلاقيات الاجتماعية ترجمة أمينة ودقيقة، فالموظفون غير مستعدين لتنفيذ قرارات رجل من رجال الفساد الإداري أو المالي أو الأخلاقي(إلاّ إذا كانوا على شاكلته) فالعفة فضيلة كبرى من الفضائل التي يحرص عليها أي تنظيم إداري يهدف إلى الخدمة العامة وإشباع حاجات الصالح العام. القيادي الذي يتحلى بأخلاقيات المروءة الإنسانية قيادي بمعنى الكلمة، أي أنه يدرك إبعاد القضية التي يدافع عنها والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. إن المسألة الإدارية في جوهرها مسألة إنسانية لأنها مسألة شرائح المجتمع المستفيد من خدمات المرافق العامة، ولا يمكن أن نتعامل مع المسائل الإنسانية إلا وفق فضيلة المروءة الأخلاقية. وأن التعامل كذالك مع أعضاء الإدارة في المجموعة وفق مبدأ المعايير الثابته تنمي الأحاسيس والأفكار التي تخلق السعادة الشخصية للفرد. وإن لجوء المسئول الإداري إلى استخدام معايير غير واضحة يؤدي إلى انحلال قيادته الإدارية وفقدان قدرتها على تحقيق الأهداف المرسومة لها. وكثيرمن القادة لايعاملون مرئووسيهم بالمعايير الصحيحة، لأن فاقد الشيء لايعطيه، فمن القادة من وصل إلى منصبه كمنحة أو لأنه من المقربين، وهو ما أدى إلى ابتلاء الإدارة اليمنية بكثير من القادة الإداريين يديرون الوظيفة العامة لحسابهم ، ولا يهمهم إلا الكسب السريع وتحقيق المآرب الشخصية وهو ما أدى في بعض القطاعات إلى تخريب كامل ، وكل هذا ناتج عن سوء اختيار القادة الإداريين .(قالت إحداهما يأبت استئجره إن خير من أستئجرت القوي الأمين)صدق الله العظيم. * عميد كلية لحقوق أستاذ الإدارة العامة بجامعة تعز