في اجتماع لوضع اللمسات الأخيرة لفك الارتباط بين جامعة صنعاء وجامعة عمران بوزارة التعليم العالي كان الحديث عن «75» متنافساً لمنصب رئاسة جامعة عمران وبينما كنت أدردش مع أحد الحاضرين حول المثل القائل « من فعل نفسه سمسم خربشته جميع الدجاج» توجهت الأنظار والأفواه والآذان نحو الداخل علينا وهو الأخ وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور صالح باصرة الذي أعلن بصراحة كما هي عادته والتي يحمد عليها أن عدد المرشحين لرئاسة جامعة عمران قد قُلَّص إلى اثنين وهما من تتوافر فيهما الشروط القانونية وحدد اسميهما، فقلت مداعباً لمن بجواري : خرج السمسم.. فقال من هم؟ فأجبته لا أقصد الأستاذ الجامعي الذي يحترم العلم بالسلوك إنما أقصد من حجم نفسه ليتسلق السلم الاجتماعي للحصول على السلطة دون التأكد ما إذا كان حجمه يتناسب مع السلم الذي يرتكز عليه، فقال الزميل: أتمنى أن يكون اختيار نواب رئيس جامعة عمران كذلك من الكفاءات العلمية وأن لايكونوا من أولئك المشهور عنهم بالطمع ولاستئثار بأغلب السفريات للخارج أو الداخل وبعمل كل شيء وإن لم يكونوا متخصصين.. المهم عندهم الحصول على أكبر قدر من المال. وقال الزميل العزيز: الخطر ليس في التحايل على المال فالمال يهون وإنما الخطر في نتائج تفكيرهم الذي سيصل بالضرورة حتماً إلى إسداء أمر قيادات الكليات والشئون المالية إلى شخصيات هزيلة، وقال: لقد عرفت نواباً لرؤساء الجامعات وقفوا حجر عثرة أمام علماء وقادة للكليات حتى قدموا استقالاتهم واستبدلوا بشخصيات هزيلة من اليمنيين وإن لم يجدوا فالإخوة العرب جاهزون لأنهم سيتركون السفر وبدل الجلسات والتكاليف بالمهام لسيادة النائب دون اعتراض ولايهم بعد ذلك أن تتحول الجامعات إلى مدارس، انتهى الاجتماع فتوجهت إلى تعز الثقافة والعلم وفي قاع جهران اشتد البرد فاشتد معه جسمي وعقلي فتذكرت حال بعض الجامعات اليمنية وكتبت همي وقلت: أصبحت جامعاتنا عاجزة عن مايجري حولها في ميدان المنافسة الأكاديمية، وبعض قادتها لا هم لهم إلا الحصول على المال والحفاظ على المنصب أو الحصول على منصب أعلى وبأي طريق كان، ونقف هنا لنؤكد أن عملية اختيار القيادات في مواقع المسئولية يعد قراراً استراتيجياً، ويتطلب الاختيار مواصفات معينة من أجل تحقق مستوى أفضل من الكفاءة والفاعلية، لأن وجود القيادات الواعية ذات الكفاءة والمؤهلات العلمية العالية والنزاهة والصفات القيادية في قمة الهرم الجامعي يكفل بالتأكيد إرساء الثقافة الجامعية السليمة بين أعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين في الجامعة، وتحقيق الفهم المتبادل بينهم وحشد جهودهم وتوفير المناخ السليم للعمل الجماعي الذي يحقق الأهداف المشتركة، وأهمية اختيار شاغلي قمة الهرم الجامعي عملية مهمة للغاية حيث تتوقف على نوعية هؤلاء القادة تحقيق الأداء الأفضل للجامعات بشكل عام، فعن طريقهم يتم اختيار قيادات الكليات والمراكز، وعن طريقهم يكون التطوير أو الإحباط، لذلك وفي ضوء هذه الأهمية التي تكتسبها عملية الاختيار فإننا نشد على أيدي متخذي القرار للتأني والتثبت وأن يكونوا على يقين من أن المتولي لهذه العملية في مستوى عالٍ من الكفاءة القيادية، ليكن السلوك الظاهر، والسيرة النقية، والحياة الملتزمة، هي أوجب الوجائب للقائد الجامعي وأية شائبة في سلوكه تعني انعدام صلاحيته للقيادة، وإن القيادي الشريف النظيف قولاً وعملاً هو الذي يترجم مبادئ الوظيفة الجامعية ترجمة أمنية ودقيقة، فالأساتذة والموظفون غير مستعدين لتنفيذ قرارات رجل من رجال الفساد الإداري أو المالي أو الأخلاقي «إلا إذا كانوا على شاكلته» فالعفة فضيلة كبرى من الفضائل التي يحرص عليها العمل الجامعي، والقيادي الذي يتحلى بأخلاقيات المروءة الإنسانية يدرك أبعاد العلم والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. إن المسألة الإدارية في الجامعة جوهرها مسألة إنسانية لأنها مسألة شرائح العلماء، ولايمكن أن نتعامل معهم إلا وفق فضيلة المروءة الأخلاقية ووفق مبدأ المساواة التامة التي تنمي الأحاسيس والأفكار التي تخلق التفكير الإبداعي، وإن لجوء المسؤول الإداري في الجامعة إلى استخدام معايير متباينة بتباين الأفراد إلى شعوبية وقبلية ومناطقية يؤدي إلى انحلال قيادته الإدارية وفقدان قدرته على تحقيق الأهداف المرسومة للجامعة، ولأهمية هذا الأمر نقول: اختيار رؤساء الجامعات ونوابهم ينبغي أن يتم وفق جملة من الخطوات العلمية المدروسة التي يتم من خلالها التوصل إلى اختيار القائد الأكثر كفاءة وفقاً لما هو محدد مسبقاً من وصف وظيفي ومواصفات مطلوبة للوظيفة من حيث الكفاءة والخبرة العلمية والمهارات الواجب توافرها من الواقع، ففي واقعنا الحالي كانت السيطرة للأهواء الشخصية للقائمين على الترشيح واضحة، والدليل عليه أن المعايير القائمة في بعض قيادات الجامعات ليست ذات صلة بالمتطلبات الأساسية لوظيفة قائد جامعي لأن الجامعات ليست مجرد أرقام ووثائق حسابية ومعدات، بل تتكون من مجموعة رجال وعلماء لهم حسناتهم وسيئاتهم وحوافزهم وأهدافهم ولايمكن أن تدار بأساليب تقليدية أو أدوات روتينية عادية، لذلك تحتاج الجامعات بصفة مستمرة ودورية لمراجعة أطرها التعليمية وسلوكيات قياداتها حتى تُزال معوقاتها، ولتحديد المعوقات سنكون أكثر صراحة في الحلقة القادمة وغايتنا مكافحة الفساد كتوجه عام للدولة وإرادة سياسية للرئيس الصالح حفظه الله.. - أستاذ القانون العام والإدارة المشارك كلية الحقوق جامعة تعز