الاسرة النووية هي حسب تعريف علم الاجتماع من ينفصل عنها كل من يبدأ حياته الزوجية مكونا اسرة صغيرة جديدة وهي من سمات المجتمع الحديث المتطور، اما الاسرة الممتدة فهي من يتزوج ابناؤها الى بيت العائلة ويظل الجميع في بيت العائلة وتحت امرة كبيرها، وهي من سمات المجتمعات الرعوية المتخلفة. ومع ثورة الاتصالات التي يشهدها العالم، يمكن تجاوز التعريف الذي اطلق على العالم في الثلث الاخير من القرن الماضي بأنه قرية صغيرة ونصفه اليوم بيت الاسرة الممتدة أي الاسرة التي يجتمع كل ابنائها في بيت واحد هو بيت العائلة.. ولكم أعجبني تعريف أحد الزملاء الصحافيين لهذا العالم بأنه غرفة نوم، تأكيداً منه على صغر هذا العالم بفضل ثورة الاتصالات ولعله اراد بأنه صار كل شيء فيه مكشوفاً، كون غرفة النوم هي المكان الأول للشفافية والمكاشفة. مالنا لهذا الأمر ولنعد الى بيت القصيد، وهو صغر العالم واختصار المسافات وسقوط الحواجز بين ابنائه، ونقول في هذا البيت أو الغرفة صارت هناك أمور دخلت خانة الحتميات المفروضة من قبل العصر وجديدة مثل العولمة، الحقوق والحريات، المكاشفة والشفافية، حرية التجارة، تثاقف وتداخل الحضارات، حرية السوق، تبادل المعلومات والأفكار والتواصل عبر الانترنت والتخاطب الإليكتروني.. الخ..الخ. كل هذه الامور صارت بحاجة الى تعامل مدرك وذكي ومستوعب لجميع المستجدات، وبلغة العصر، ومفاهيمه لابما يدعو للأسف والحيرة والتساؤل.. كما هو الحال عندما تعاملت الانظمة العربية- أو بعضها- مع تحديات العصر في سبعينات وثمانينات القرن الماضي بالسلاح الذي ارتأت الاستراتيجية الغربية استخدامه في حربها الباردة ضد المعسكر الاشتراكي واليسار عموماً، هو العمل على جعل الصراع بين طرف متدين يحرص على القيم والروحانية، وبين طرف الإلحاد والشيوعية والاشتراكية.. الامر الذي افرز ما أفرز في الجزائر وسوريا ومصر وأفغانستان والصومال، وغير ذلك من الشواهد التي تقول لو كان الغرب بزعامة الولاياتالمتحدةالامريكية قد واجه اليسار والشيوعية بفكره الليبرالي والديمقراطية ومساعدة العالم الثالث على النماء بنصف المليارات التي أنفقت على ذلكم التوجيه هل كانت امريكا والغرب معها يشكون مما يشكون منه اليوم ويحاولون ترميمه من منطلق الحرص على مصالحهم، ولكن بعد فوات الأوان؟ نترك هذا الأمر لحديث آخر، ونعود لنشير الى مستجدات بل حتميات العصر كالعولمة وحرية التجارية وتثاقف الحضارات. هل يتم الاستجابة لتحدياتها بصورة ايجابية وبمفهوم حضاري ام بصورة سلبية وبالهروب الى الذات واستجرار خطاب ومفاهيم ماقبل خمسة قرون من الزمن؟! علينا أن نتعامل معها من منطلق القناعة بحتميات لابد منها كما لابد من المحافظة على الهوية والخصوصية الثقافية، والقيم والمبادئ الدينية القائمة على مكارم الاخلاق، وتنظيم العلاقات بين الفرد ومجتمعه والعالم من حولهم. نقبل تحديها بايجابية متمثلة في عوامل كثيرة منها، النظر في فلسفتنا التعليمية، في المطلوب لتأهيل النشء وتعليمه وتدريبه لدخول عصر له حتمياته ومستجداته المتسارعة، باعداد انفسنا لاستيعاب جديد الحياة والاستفادة والاستخدام الامثل لتقنياه ومخترعاته، في تطوير انظمة الحكم والإدارة للتكيف مع جديد الإدارة فكل شيء صار علماً ومالاً وإدارة. ان مخاوفنا مما يزعجنا من موجة العولمة، وتثاقف الحضارات.. وكذلك مخاوفنا على خصوصياتنا وهويتنا وتحصين مانرغب في تحصينه، لايتم إلاَّ بقبول التحدي بايجابية، اساسها العلم والفكر الذي نملكه، والموضوعية في التعامل مع الحتميات، وواهم من يرى ان تحصينها يتم بالرفض، أو باثارة العواطف الوطنية والدينية والعرقية لمواجهتها.. لأن التفكير بهذا الاسلوب يزيدنا عزلة وضعفاً ويزيد من مشاكلنا فيما بيننا، ويضع العراقيل امام اجيالنا القادمة. علينا ان نفكر ونعمل وامامنا حال العالم ومستجداته بعد خمسين عاماً ومائة عام، ان نكون شجعاناً في نقد انفسنا، في التحرر من رواسبنا الاجتماعية السلبية، في محاربة الافساد قبل الفساد، ان نزيل شيئاً اسمه مراكز قوى، وتوافقية، وما ينتقص وان شعرة واحدة من تساوي الجميع امام سيادة القانون وان نواجه ما هو متطرف او رجعي او متخلف بما يناقضه في التطرف أو الرجعية أو التخلف، بل بفكر مستنير وبمفاهيم مستمدة من روح العصر وجديده ومتطلباته.