منذ سنوات، ونحن نُطلق النداء تلو النداء.. القدس في خطر .. القدس في خطر .. لقد كتبنا غير مرّة، حول الأخطار التي تتهدد القدس، كتبنا حول القدس، المكان والزمان والقضيّة، منبِّهين إلي أن القدس في خطر. وكتبنا عن الفيتو الأمريكي حول القدس، الذي يُعلن الانحياز الفاضح إلي جانب المُعتدي، مرددين أن القدس في خطر. كتبنا حول القدس بين حقائق التاريخ وأوهام الميثولوجيا، وعن مواجهات الأسبوع الأخير من أيلول (سبتمبر) 1996 في القدس وعدد من المدن الفلسطينيّة الأخري بعد فتح إسرائيل للنفق، بما يعنيه من تهديد مباشر للمقدّسات الإسلاميّة في المدينة، وقلنا مرّة أخري ان القدس في خطر. كتبنا نداءً من أجل القدس مردّدين صيحة القدس.. القدس في خطر. ومرّة أخري صرخنا مُحذِّرين بأن القدس والسلام يقعان في دائرة الخطر، ثمّ اجتهدنا لصياغة خطاب عربي من أجل القدس، منطلقين من قناعتنا وتأكيدنا علي أن القدس في خطر. وأطلقنا نداءنا وكرّرنا النداء: القدس في خطر.. القدس في خطر! وها هو النداء نفسه يستعيد الآن حدّته وإلحاحه. يستعيد ضرورة إحيائه.. وضرورة تحويله إلي فعاليّة نضاليّة عربيّة وإسلاميّة، شعبيّة ورسميّة علي السواء، حتّي يعلو صوت احتجاجنا، وتتردد أصداء تحركاتنا، لتوقف أصوات الجرّافات الإسرائيليّة التي تتمادي في سماء القدس وتهزّ جدران الأقصي.. وحتّي يسترجع صوتنا حدّته ووهجه الأوّل، فنواصل الكفاح والعمل من أجل القدس، وكلنا أمل أن لا يضيع صوتنا، هذه المرّة، في بريّة الصّمت المريب تجاه ما يحدث في القدس.. وللقدس. لقد أمعنت إسرائيل، وما تزال، في إجراءاتها التي تتهدّد أساسات المسجد الأقصي المبارك، بل وتتهدد المدينة المقدّسة برمتها، التي أخذت ملامحها العربيّة والإسلاميّة تذوب شيئاً فشيئاً جرّاء عمليات التهويد المتسارعة. فمنذ الأيّام الأولي لاحتلال ما تبقي من مدينة القدس خلال حرب حزيران (يونيو) 1967، شرعت سلطات الإحتلال الإسرائيلي في عمليات تجريف وتهديم كاملين لحيّ باب المغاربة المجاور لحائط البُراق، ومسح بيوته عن وجه الأرض، بهدف تكريس استيلائها علي الحائط. وها هي إسرائيل، مع اقتراب الذكري الأربعين لحرب حزيران (يونيو)، تواصل عملها الذي لم ينقطع في المكان نفسه، وتُمعن في حفرياتها التي تُهدد المسجد الأقصي، فتُعرِّض هذا الصرح الديني والتاريخي المُقدّس لخطر الانهيار، وهي الحفريات التي لم ينتج عنها أيّ دلائل علميّة أو لُقي أثريّة تمنح أوهام الهيكل المزعوم دليلاً واقعياً علي وجوده التاريخي والجغرافي. مثل تلك الادعاءات المزعومة، شكّلت علي امتداد سنوات الإحتلال ذريعة لمواصلة بحث عبثيّ تحت الأرض، لم يُسفر عنه سوي حصاد الوهم. وقد مثّلت تلك الإجراءات جزءاً من مُخطط أشمل يهدف إلي تهويد المدينة المقدّسة كاملة وتكريسها عاصمة للدولة العبريّة، وهو المخطط الذي بدأت ملامحه تتضح بعد أسابيع قليلة من احتلال القسم الشرقي من المدينة عام 1967 بقرار إعلان ضم القدس الشرقيّة إلي إسرائيل، دون الالتفات إلي قرارات الشرعيّة الدوليّة التي طالبتها بالانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة. ثمّ تواصل مشروع الضمّ والتهويد علي امتداد أربعة عقود من الزمان، بهدف تكريس وفرض الأمر الواقع علي المدينة، عبر سلسلة متواصلة من مصادرة مساحات شاسعة من أراضي القدس العربيّة عنوة، والعمل علي زرعها بالمستوطنات اليهوديّة، التي باتت تطوِّق القدس وتحاصر مقدساتها الإسلاميّة والمسيحيّة وفضاءها المفتوح علي السماء. لم يكن الحصار الذي فرضته الكتل الاستيطانيّة علي القدس، هو الحصار الوحيد الذي عانت منه المدينة، إذ أردفت سلطات الإحتلال الإسرائيلي ذلك بمشروع جدار الفصل العنصري الذي أقامته وما زالت ماضية في تمديده واختراقه لمناطق شاسعة من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، ليلتف حول مدينة القدس العربيّة، فيعزلها عن مجالها الحيوي الذي تشكِّله المناطق الأخري من الأراضي الفلسطينيّة، بل ويعزل القدس عن قراها، ويشطر بين أبناء القرية الواحدة، وبين الأخ وأخيه، والمزارع وحقله، والتلميذ ومدرسته. مثلما لم تكشف الحفريات الإسرائيليّة السابقة، طوال سنوات الاحتلال المديدة، عن أي معلم ينتمي إلي التراث العبري القديم، فإن الحفريات المتواصلة الأخيرة، ولا أيّة حفريات أخري لاحقة، لن تسفر عن شيء، ليس لأنها مخالفة لكلّ القوانين والشرائع (إذا ما استثنينا قانون الغاب وشريعته)، ولكن لأنها مخالفة لحقائق التاريخ. هذه الحفريات، التي شرعت في هدم الطريق التاريخي الموصل إلي باب المغاربة، والذي يسير بمحاذاة الجدار الغربي للحرم القدسي الشريف، بهدف العثور علي إرث وهمي مطمور أسفل المسجد، لن تُفضي، مهما أوغلت في الهدم والتنقيب، إلي تزييف حقائق صاغتها الأسطورة، تُناقض حقائق التاريخ الدامغة. بل علي العكس من ذلك، فقد أماط عالم الآثار الإسرائيلي يوفال باروخ، مؤخراً، اللثام عن حقيقة أن السلطات الإسرائيليّة تتستّر علي اكتشاف هام، في المكان الذي تجري فيه الحفريات الحاليّة، يشير إلي وجود معلم أثري إسلامي، هو عبارة عن مصلّي ومحراب يعود إلي عهد صلاح الدين الأيوبي. وقد جاء التستُّر علي ذلك حتّي لا يُطالب المسلمون بإعلان المكان وقفاً إسلامياً يُحاذي حائط البُراق، وهو الأمر الذي استهجنه الباحث الإسرائيلي مئير بن دوف، ووصف سلوك السلطات الإسرائيليّة تجاه هذا الأمر بأنه.. عديم المسؤوليّة ! والحقيقة أن هذا التعبير، علي صحّته، هو وصف مخفف للجريمة الإسرائيليّة الخطيرة تجاه المسجد الأقصي وما حوله، والتي هي فعل تدميري عبثي يهدف إلي إثبات أمور ووقائع لم تحدث أبداً علي مدي قرون من الزمان، وتبحث عن تراث ممالك لم تعرفها وقائع التاريخ. أما انعدام المسؤوليّة في مثل هذا العمل، فهو لا يلغي المسؤوليّة الكبيرة لإسرائيل عن الاحتمالات الكارثيّة التي يمكن أن تنجم عنه، والأضرار الكبيرة التي ستلحق بالمسجد الأقصي، والتي ستقود إلي ردود فعلٍ دينيّة قد تُفضي إلي حروبٍ ومواجهات عقائديّة لم نكن نريدها أو نتطلع إليها، لأن عداءنا للمشروع الصهيوني تاريخياً ظلّ يستثني الدين اليهودي، باعتباره ديناً سماوياً يحظي باحترامنا وتقديرنا. ولقد كنّا، في كلّ حقب تاريخنا الإسلامي الطويل، نحرص، وما زلنا، علي سلامة دور العبادة اليهوديّة، وعلي حريّة أداء أتباع الديانة اليهوديّة شعائرهم الدينيّة دون أيّة تدخلات، وهو الأمر الذي تتجلي نقائضه في ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيليّة، التي تنتهك يومياً حريّة المسلمين الدينيّة، حيث تواصل منعها المُصلين من التوجه إلي القدس لأداء صلواتهم في مساجدها، وتعمل علي حشد الآلاف من جنودها ورجال شرطتها وفرسانها في محيط المسجد الأقصي وعلي أطراف المدينة المقدّسة ومداخلها، ووضعها في حالة تأهب قصوي للحؤول دون المسلمين والوصول إلي بيوت عبادتهم التي تتهددها الحفريات واحتمالات الانهيار. أمّا الحقيقة الأخري حول هذه الحفريات، فقد كشفتها وثائق إسرائيليّة تتعلّق بالموضوع، أشار إليها تحقيق صحافي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيليّة في السادس عشر من شباط/ فبراير الماضي، تضمّن الإقرار بأن أعمال الحفر الإسرائيليّة بالقرب من باب المغاربة ومحيط المسجد الأقصي تندرج في إطار المسعي الإسرائيلي لنهب ما تبقي من المدينة العربيّة وتهويدها وتغيير طابعها التاريخي والديموغرافي والحضاري، ومواصلة البحث عن بقايا الهيكل الثاني تحت المسجد الأقصي، أو ما يُطلق عليه بيت المقدس الثاني ، ناهيك عن أن بناء الجسر هناك يهدف إلي توفير مكان لبضع مئات من رجال الشرطة الإسرائيليّة، يكونون متأهبين وعلي درجة عالية من الجاهزيّة، قي حال تقرّر اقتحام باحة المسجد عند حدوث أي تحرُّك شعبي قلسطيني في الأقصي. وقد رأي مُعد التحقيق، إعتماداً علي الوثائق الإسرائيليّة، أن المعركة الحقيقيّة ليست علي جسر باب المغاربة، وإنما هي جزء من معركة أشمل تستهدف السيطرة الكاملة علي القدس القديمة بمجملها، وعلي المسجد الأقصي، أو ما تسميه إسرائيل جبل الهيكل ! مع ذلك، يبدو أن الحالة المريضة، علي الصعيدين العربي والإسلامي، باتت تُشجِّع إسرائيل علي المضيّ في مشروعها التهويدي الذي لم يبدأ بالحفريات الأخيرة ولن ينتهي بها. فإسرائيل ماضية، أمام حالة العجز العربي والإسلامي، وأمام عالمٍ فقد السمع والبصر والقدرة علي رؤية الحق والباطل، في مشاريعها التهويديّة متعددة الأذرع، الاستيلائيّة والاستيطانيّة والديموغرافيّة.. وغيرها، للوصول إلي تحقيق مشروع القدس الكبري الموحّدة، كما رسمته وخططت له ومارست كلّ الوسائل غير القانونيّة لإنجازه. وليس من الغريب أن يتجاوز فقهاء الصمت صمتهم، الذي كان من الأشرف لهم لو أن البعض منهم اعتصم به وتمسك بحياديّته. فقد كان من المفجع والمخجل أن تصدر الفتاوي من أطراف من المفترض أن تكون في مقدِّمة المدافعين عن المقدسات الإسلاميّة، والتي تقول بأن مهمّة الدفاع عن القدس وحماية الأقصي والمقدسات ومواجهة الحفريات الإسرائيليّة هي مهمّة فلسطينيّة بامتياز، لا شأن للعرب والمسلمين فيها! نعم، هي مهمّة الشعب الفلسطيني، الذي لم يُقصِّر يوماً ولن يُقصِّر في واجباته الوطنيّة والدينيّة في حماية المقدسات.. فقد شهد التاريخ الفلسطيني خلال القرن الأخير انتفاضات متلاحقة من أجل حماية الأماكن المقدّسة والتصدي لعمليات تهويدها، وهي المواجهات التي ابتدأت منذ نحو ثمانين عاماً، حين اندلعت ثورة البُراق عام 1929 للاحتجاج علي تجاوزات الحركة الصهيونيّة في فلسطين واعتداءاتها علي الأماكن الدينيّة الإسلاميّة، وهي الثورة التي مهّدت لانطلاقة ثورة القسّام عام 1935، والتي مهدت للثورة الفسطينيّة عام 1936. ولم تكن انتفاضة النفق، في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 1996، احتجاجاً علي قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نتنياهو فتح نفق حائط البراق دون التنسيق مع السلطة الفلسطينيّة، إلاّ جزءاً وامتداداً لتلك التحركات التاريخيّة لمواجهة إجراءات إسرائيل التي استهدفت تهويد القدس. كما لم تكن انتفاضة الأقصي التي اشتعلت عام 2000 احتجاجاً علي زيارة زعيم اليمين الإسرائيلي في حينه، آرييل شارون، ودخوله باحة المسجد الأقصي وانتهاك حرمته، إلاّ حلقة في سلسلة لم ولن تنقطع من الثورات والانتفاضات الفلسطينيّة لمواجهة المشاريع الإسرائيليّة الكارثيّة التي تستهدف مقدساتنا، في القدس والمسجد الأقصي، أو أيّة بقعة من الأرض التي بارك الله حولها. وإن الشعب الذي أطلق ثورة البُراق، يبقي قادراً علي أن يُطلقها من جديد في المكان نفسه، ومثلما أشعل شعبنا الفلسطيني انتفاضته الأولي والثانيّة، يظلّ قادراً علي أن يُشعل انتفاضته الثالثة، والرابعة، دون كلل، حتّي تحقيق الحريّة والاستقلال، إذ لم يبق له ما يخسره سوي القهر وأغلال الاحتلال. مهمّة حماية القدس وكلّ ذرّة تراب فيها، وكلّ مكان يحيط بها، هي مهمّة فلسطينيّة، لكنها في الوقت نفسه، تبقي أيضاً مهمّة عربيّة.. وإسلاميّة. فحماية المقدّسات العربيّة والإسلاميّة ليست فرض كفاية! ليس المطلوب أن يُعلن العرب والمسلمون مواقف الشجب والإدانة اللفظيّة، والتعبير عن القلق والمخاوف من خطورة ما يجري، وترديد عبارات التنديد والإدانه المجرّدة من الفعل. فقد علمتنا التجارب السابقة أن إسرائيل لا تتوقّف عند الإدانات والتهديدات اللفظيّة، إذ دأبت علي أن تستخف بمثل هذا النوع من المواقف الرجراجة، مثلما أنها لا تعير بالاً للنداءات الدوليّة المائعة التي تدعوها، بتردد وخجل، للتحلي بالحكمة. فهي تواصل رغم ذلك مشاريعها التهويديّة، ضاربة عرض الحائط بكل شيء. وقد لاحظنا كيف أن إسرائيل تعاملت مع الاحتجاجات العربيّة والإسلاميّة الرسميّة وحتي الدوليّة الأخيرة بعدم اكتراث. أمّا المطلوب، فوراً ودون تردُّد، فهو العمل السريع والحاسم لمواجهة الأخطار الداهمة التي تُشكِّل خرقاً صارخاً لحقوقنا الوطنيّة والعقائديّة وللقانون الدولي علي السواء. وفي هذا الصدد نقترح ما يلي: 1 القيام بتحرّك عربي وإسلامي واسع علي الصعيد الدولي، لشرح الأخطار التي تنطوي عليها عمليات الحفر والتنقيب الإسرائيليّة قرب المسجد الأقصي، أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والتي تتهدّده وتنذره بمصيرٍ مُظلم. 2 تشكيل لجنة دوليّة، تضمّ رموزاً سياسيّة ودينيّة تمارس دورها السياسي والإعلامي والثقافي في الكشف عن خطورة الممارسات الإسرائيليّة، والسعي لوقفها فوراً قبل استفحال أخطارها الجسيمة. 3 تشكيل لجنة عالميّة متخصصة من العلماء والخبراء العرب والعالميين في علوم الآثار، ترفد بدراساتها وأبحاثها، التحرُّك السياسي بالحقائق التاريخيّة والأركيولوجيّة العلميّة. 4 تشكيل لجنة قانونيّة تنشط في العالم لإثبات أن ما يجري في القدس من حفريات هو خرق فاضح للقانون الدولي والمعاهدات الخاصّة بتعامل القوّة المحتلة مع الأرض الخاضعة للاحتلال. مع العمل من أجل تطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة المتعلقة بالقدس، والتي أدانت مثل تلك الأعمال العدوانيّة التي مارستها إسرائيل وما زالت. 5 التأكيد علي حقيقة أن القدس هي واحدة من القضايا الخاضعة للتفاوض في مفاوضات الوضع النهائي، التي تهربت إسرائيل من الالتزام بها، وفق الاتفاقيات التي وقعت عليها في أوسلو وغيرها. 6 مواصلة التحرُّك علي صعيد جامعة الدول العربيّة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات والأحزاب الوطنيّة والإسلاميّة والقوي والهيئات المسيحيّة، ونبذ الدعوات والفتاوي التي تروِّج لفكرة ترك الفلسطينيين لمصيرهم ومسؤولياتهم تجاه المقدسات في فلسطين. فالأخطار التي تحيق بالأقصي الآن، هي انتهاك صارخ للتراث والثقافة الإسلاميين، وهي تستخف بصُلب العقيدة التي تجمع بين العرب والمسلمين في أرجاء الكون. أن تجري عمليات الحفر والتنقيب الإسرائيليّة بالقرب من مُصلّي يعود إلي عصر صلاح الدين الأيوبي، حاولت إسرائيل إخفاء حقيقة وجوده منذ ثلاث سنوات، هي مسألة تنطوي علي دلالة رمزيّة، إذ أنها تستعيد، في هذه اللحظة الحالكة من تاريخنا، اسم مُحرِّر مدينة القدس والأراضي المقدسة من أيدي الغزاة الصليبيين، وتؤكِّد مجدداً علي أن الإرادة تظلّ قادرة علي تحقيق المعجزات. بغضب عارم، ندعو إلي إيلاء القدس ما تستحق من اهتمام جديّ، يتجاوز اهتماماتنا بالتكتيكات الداخليّة والحرتقات التنظيميّة، ويتسامي عن معارك الحصص، والهيمنة علي هذا الملف أو ذاك، والصراع علي احتلال المواقع.. فتتراجع قضيّة القدس علي حساب سيادة القضايا الهامشيّة. فلماذا لا نبادر إلي تشكيل اللجان المُقترحة التي تتصدّي للجرائم الإسرائيليّة المُعلنة التي تستهدف قدسنا، عاصمة الدولة الفلسطينيّة المستقلة المأمولة؟ لماذا لا نسارع إلي دعوة الأممالمتحدة ومنظماتها الثقافيّة والعلميّة للاضطلاع بدورها من أجل الوقف الفوري لما يحدث في القدس من اعتداء سافرٍ علي التراث الإسلامي الذي هو جزء لا يتجزأ من تراث العالم وملكيّة جماعيّة للثقافة العالميّة؟ لماذا لا ندعو منظمة المؤتمر الإسلامي للاجتماع فوراً واتخاذ موقف حاسم تجاه ما يحدث للمقدسات الإسلاميّة؟ لماذا لا ندعو حركة عدم الانحياز إلي ممارسة دورها في هذا المجال؟ لماذا لا ندعو إلي تكريس أيام شاملة للاحتجاج، تعمّ المدن العربيّة والإسلاميّة، وتُعبِّر عن التوق لإنقاذ القدس وعن الأشواق العارمة إلي تحريرها؟ لماذا لا نعمل علي تنظيم أكثر من مؤتمرٍ، وعلي غير صعيد، حتّي يشعر العالم أننا غاضبون لانتهاك مقدساتنا، وأننا لا ولن نرضي بعمليات التدمير والتذويب والقضم التي تقوم بها إسرائيل تجاه القدس؟ وبغضب، نعيد الآن ترديد الصرخة وإطلاق النداء.. القدس في خطر .. القدس في خطر .. القدس في خطر .. فهل تبلغ صرختنا آفاقاً رحبة، تحوِّلها إلي فعلٍ وعملٍ ينقذان المدينة ومقدساتها من الأخطار التي تتهدّد وجودها، ووجودنا، عرباً ومسلمين، علي السواء؟! رئيس الوزراء السابق عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح *صحيفة القدس العربي