من المستغرب أن يعود الحديث عن اتفاق الجزائر بين العراق وايران في هذه الأيام بالذات. وما يثير الحيرة أكثر من أي شيء آخر تلميح الجانب العراقي ألى أن الاتفاق مجحف في حق البلد... وكأن ذلك سر عسكري! من حق العراق المطالبة يوما بتعديل الاتفاق الذي تقاسم بموجبه مع ايران السيادة على شط العرب بطريقة مسيئة لحقوقه فرضتها ظروف معينة في العام 1975. ومن حق ايران التشديد على تمسكها بالاتفاق نظرا الى أنه ذو طابع دولي. في حال كانت كل دولة تريد التراجع عن اتفاقات وقعتها مع دولة أخرى، ستكون هناك فوضى عارمة على صعيد العلاقات بين الدول عموما. حسنا فعل الرئيس العراقي جلال طالباني عندما أوضح أن كلامه عن الاتفاق فسر خطأ وهو لا يعني في أي شكل وجود رغبة عراقية في المس به. لكن كلام طالباني ليس كافيا في ضوء تجارب الماضي وما مرت به العلاقات بين البلدين. ما يفترض أن يظل في البال لدى الجانبين دائما أن الحديث عن اتفاق الجزائر ترافق في كل مرة مع توتر بين طهران وبغداد وحتى صدامات وحروب بينهما. من يريد أن يتذكر أن الاتفاق نفسه وليد حرب غير مباشرة بين العراق وايران، أضطر العراق في نتيجتها تقديم تنازلات الى الجانب الايراني في مقابل وقف دعمه للأكراد؟ في أساس اتفاق الجزائر اضطرار النظام السابق في العراق الى الرضوخ لمطالب ايران بعد أشتداد المعارك بين الجيش والأكراد الذين كانوا يتلقون دعما مباشرا من نظام الشاه. كان خيار النظام العراقي وقتذاك بين السقوط من جهة وتقديم التنازلات المطلوبة من الشاه من جهة أخرى. أختار صدّام حسين الذي كان في موقع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة تقديم التنازلات. ذهب الى الجزائر في الاسبوع الأول من مارس- آذار 1975 ووقع مع الشاه، برعاية الرئيس هواري بومدين، الاتفاق المتعلق بشط العرب الذي سمّي اتفاق الجزائر. كانت النتيجة انهيار الجبهة الكردية وخروج الزعيم التاريخي للشعب الكردي الملاّ مصطفى بارزاني من كردستان. ولكن الأهم من ذلك كلّه، أن النظام العراقي أستطاع ألتقاط أنفاسه وأنتقل الى ممارسة أعمال ذات طابع انتقامي في حق الأكراد الذين أقاموا شبكة تحالفات عجيبة غريبة في تلك المرحلة. عاد الحديث مجددا عن اتفاق الجزائر عشية الحرب العراقية- الايرانية في سبتمبر- أيلول من العام 1980. وقتذاك، ألغى صدّام الاتفاق من جانب واحد في ظل التبريرات التي ساقها من أجل مهاجمة ايران – الخميني. مرة أخرى أساء الرئيس العراقي الراحل في حساباته وجر بلاده الى حرب أستمرت ثماني سنوات أنهكت دول المنطقة بعدما أعتقد أن ايران صارت ضعيفة اثر سقوط نظام الشاه. لم يدرك أنه لعب دورا في تقوية النظام الجديد وتوفير التفاف شعبي حوله بمجرد دخول الجيش العراقي الأراضي الأيرانية. كان ذلك كافيا لتغليب الشعور القومي، الفارسي تحديدا، لدى الايرانيين على كل ما عداه. أستفاق صدّام على اتفاق الجزائر مجددا بعد عشر سنوات من بداية الحرب العراقية – الايرانية بعدما كانت هذه الحرب أنتهت بالطريقة التي أنتهت بها من دون منتصر واضح ولكن بعدما أضطرت ايران الى التخلي عن فكرة تصدير الثورة في اتجاه العراق، أقلّه موقتا. في صيف العام 1990، أقدم صدّام على مغامرته المجنونة عندما أرسل قواته لاحتلال دولة عربية أخرى هي الكويت. حسب أن في أستطاعته رشوة ايران باتفاق الجزائر، فعاد واعترف به غير مدرك أن للايرانيين حسابات خاصة بهم مرتبطة بكيفية قطف ثمرة ناضجة اسمها العراق. كان الطفل يدرك في تلك المرحلة أن النظام العراقي صار في حكم المنتهي بمجرد وضع جندي من جنوده رجله في الأرض الكويتية... من يتمعن جيدا في الظروف التي حملت صدّام على توقيع الاتفاق المجحف في حق العراق في العام 1975، ثم اللجوء الى الغائه في العام 1980 قبل العودة الى الأعتراف به في العام 1990، يرى أنه مرتبط الى حد كبير بأحداث كبيرة، بل مفصلية في المنطقة. ومن هذا المنطلق، قبل أن يكون هناك أي تفكير عراقي في أي بحث من أي نوع كان في مستقبل اتفاق الجزائر، لا بد من طرح أسئلة مرتبطة بما سيؤول اليه العراق. هل يبقى بلدا موحدا أم لا؟ ثم ماذا عن مستقبل العلاقات العراقية – الايرانية وألى أي مدى سيتمكن العراقيون من وضع حد للنفوذ الايراني في بلدهم؟ وما قد يكون أهم من ذلك كله ما هو مستقبل العلاقات الأميركية – الايرانية؟ هل من صفقة في الأفق بين واشنطنوطهران؟ وعلى حساب من ستكون الصفقة في حال تمت؟ في كل الأحوال، أدى الاحتلال الأميركي للعراق الى منتصر وحيد على الصعيد الأقليمي هو ايران، اقله الى هذه اللحظة. هل مطلوب من الطرف المنتصر تقديم تنازلات للعراق، أم العكس صحيح؟ لقد غير الاحتلال الأميركي للعراق التوازنات في المنطقة. الأمر الأكيد أن ذلك لم يكن لمصلحة المنظومة الأمنية العربية عموما وانما لمصلحة كل ما هو غير عربي في المنطقة. هل هذا الوقت المناسب ولو لمجرد التلميح الى اتفاق الجزائر، في وقت تعتبر ايران أن لا مجال لأي بحث في قضية أخرى لا وجود حتى لأي اتفاق من أي نوع في شأنها هي قضية الجزر الاماراتية الثلاث!