يعيش اليمن بأرضه وإنسانه وبكل مكوناته السياسية وأطيافه الفكرية وشرائحه الاجتماعية حالة (حراك شعبي) وحضاري منذ قرر هذا الشعب التخلص من نظامي الإمامة الكهنوتي والاستعمار المستبد وظل هذا الحراك الشعبي يأخذ طرقاً. وأساليب مختلفة ويستعين ويوظف أدوات ومخرجات حضارية متعددة ومارس هذا الشعب - الحراك الشعبي - الأصيل وبه توصل إلى الانتصار لثورته وأهدافها وقضى على نظامي الإمامة والاستعمار البغيضين ومن ثم واصل حراكه الشعبي وصولا إلى يوم 22 مايو 1990م - وهو اليوم الذي اكتمل فيه الانتصار الثوري العظيم وتحققت فيه لليمن الأرض والإنسان الأهداف والتطلعات أعظم المنجزات التي شكلت الومضة المشرقة للوطن والأمة ولكل عشاق الحرية، وكانت الوحدة اليمنية هي الظاهرة المشرقة والانجاز الأعظم في قرن المآسي العربية والدولية قرن لم يكن كل ما فيه يسر الإنسانية، وهو عنوان لحربين دوليتين حصدتا ملايين البشر وهو عنوان لصراعات دامية تركت بصماتها على ذاكرة الإنسانية ناهيكم عن أن هذا القرن شهد ميلاد ووفاة أول مشروع وحدوي عربي لم يدم غير ثلاثة أعوام لينتهي بقناعة عنوانها أن: لا وحدة ولا فكراً وحدوياً ولا حقيقة وحدوية بعد تلك الكارثة والتي تبعتها كارثة النكسة العام 1967م ليذهب العرب على إثر هذا - كلاً في طريق بما فيها طريق - الشيطان - لكن اليمن كان لها رأي آخر وموقف آخر - فكان الاستقلال ودحر آخر الجنود المحتلين وكان في المقابل انتصار إدارة الثورة وصمودها والنظام الجمهوري ليرفع أعداء الثورة الراية البيضاء لتنطلق المسيرة الوطنية - بحراك شعبي - بلور خيارات الشعب وقناعة الوطن ليصل إلى يوم 22 مايو 1990م ليسقط هذا الشعب اليمني العظيم خلف قيادته السياسية والوطنية بزعامة فخامة الأخ - علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية -حفظه الله - كل ما قيل عن الوحدة والفكر وليعيد اليمنيون بوحدتهم للأمة الثقة وللمشروع القومي والفكر الوحدوي الأمل بعد أن كانت كل هذه الأماني قد أوشكت على الاندثار، ولم يقف الأمر هنا بل ربطت اليمن الوحدة بفكر إنساني خلاق هو الخيار الديمقراطي بما يحمل هذا الخيار من فكر وقيم ومفاهيم حضارية وإنسانية ليسقط في المقابل اليمنيون وقيادتهم نظرية - بسمارك - وكل من عشق الوحدة، ولكن رهن تحقيقها بخيار القوة وهو مالم يحدث في اليمن التي توحدت بطرق ووسائل حضارية وإنسانية راقية تعكس وتعبر عن الحراك الحضاري الإنساني الذي بلغه الشعب اليمني من خلال قيادته السياسية التي أرفقت كل هذا بسلسلة من المواقف الحضارية والوطنية الحافلة بالقيم والمفاهيم الإنسانية النبيلة عندما عملت دولة الوحدة على رد الاعتبار لكل مناضلي الثورة اليمنية وخاصة المنسيين منهم والعائشين خارج الوطن.. فتمت عودتهم وتم تسوية أوضاع عشرات الآلاف من المناضلين من قدموا أرواحهم وحياتهم فداءً للثورة اليمنية والنظام الجمهورية والوحدة اليمنية، وحين حدثت كارثة 1994م لم تكن الكارثة سوى صنيعة زمرة فاسدة أغواها الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء حاولت أن تفرض خيارات أعداء الوطن بصورة مثيرة تلامس جوهراً أنبل الأهداف الوطنية، وكان من الطبيعي أن يتصدى الشعب لتلك الزمرة التي لم ولن تكون في يوم من الأيام تمثل وجهة أبناء الشعب اليمني ولا تثمل وجهة نظر هذا النطاق الجغرافي من الوطن أو ذاك، وبالتالي يخطئ من يقول أن هذا - الحراك الشعبي - يقف في هذا النطاق الوطني أو ذاك، كما يخطئ من يقول أن من فجر كارثة 1994م كان يحمل مشروعاً وطنياً؟ وكيف لمن يحمل مشروعاً وطنياً أن يقصم ظهر الوطن؟؟ قد يكون على خلفية ما سلف أن من حق أيا كان أن يقول ويعبر ويتحدث كما يشاء وفي أي جانب يشاء فالمناخ الديمقراطي كفل الحرية للجميع ولم يعد هناك مواطن يمني خارج نطاق هذه المعادلة وهذا المناخ بل الكل وعلى مختلف أطيافهم وشرائحهم وطبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية أصبحوا في قلب المعادلة وجزءاً من مكوناتها الحضارية وبالتالي يحق لكل مواطن أن يعبر عن رأيه كما يريد لكن ليس من حق أحد أن يصادر حقائق التاريخ ويجير أحداثة، وبالتالي أنه يقول قائل إن التصدي لمشروع الانفصال كان تصدياً لمشروع سياسي وطني، فهذا الكلام من العيب أن يصدر من شخصية سياسية أياً كان موقفها، لأن من فجّر الحرب لم يكن حاملاً لمشروع سياسي وطني، هذا أولاً، وثانياً من العيب أن يتحدث رمز سياسي أياً كان موقعه ومكانته ويقول إن هناك مشروعاً وطنياً كان في -الجنوب- وآخر كان في -الشمال- ثم حدث العام 4991م تدمير المشروع السياسي الوطني لأبناء -الجنوب-؟؟ إن هذا التوظيف يندرج في سياق -الحراك الشعبي- لدولة الوحدة التي كفلت الحرية والديمقراطية وعملت على رعايتهما وتطويرهما والارتقاء بوسائلهما وبالوعي الوطني العام بما يمكنا من بناء مرحلة حضارية راقية وهذا ما نسعى إليه خلف القيادة والقائد، وعليه ليس من احترام العقل القول أن التصدي للانفصال أفقدنا المشروعاً وطنياً بل دحر الشعب مشروعاً تآمرياً .. أما المشروعان اللذان كانا قبل 22 مايو 0991م كانا مشروعين لنظامين تخلص منهما شعبنا والوطن في مايو 0991م، وبالتالي لم يعد هناك شرعية تذكر لأي من أنظمة التشطير التي اندثرت وحل بديلاً عنهما نظام وحدوي جديد ودستور وتشريعات وحدوية جديدة صاغتها الإرادة الشعبية الوطنية بحرية واختيار وقناعة وإيمان، ولا يصح بعد هذا كله أن يأتي من يلتف على الحقائق ويتحدث عن مشاريع وهمية ويصفها بالوطنية فهذا تزييف للوعي وتضليل لذاكرة المتلقى الوطني خاصة إن كان المتحدث رمزاً سياسياً وطنياً أو هكذا يحسب... ؟ إن -الحراك الشعبي- الراهن هو امتداد لحراك حضاري وطني يمتد للحظات الأولى من انطلاق المسار الحضاري الوطني وما يحدث اليوم عبر عنه فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية -حفظه الله- في الكلمة التي افتتح بها ندوة الثورة اليمنية -معركة السبعين يوماً- وهي الكلمة التي يمكن لأي متابع مراجعتها وتفسير معانيها إن كان هناك من هؤلاء المتحدثين من يعقلون ويدركون أن تطويع حقائق الأحداث والتاريخ هو المستحيل بذاته، خاصة ما يتصل بنوايا وحقيقة من تسبب بحرب 4991م والتي قابلتها القيادة الوحدوية بالعفو والتسامح وبكثير من المكارم وهو ما يستحيل أن يتجاهله مراقب منصف وعادل، وهذا هو -الحراك الشعبي- وحسب بل دعونا نكون أكثر وضوحاً ونقول ليس هناك أي مشروع سياسي وطني غير الوحدة اليمنية. [email protected]