في المقابلة التلفازية التي أجرتها معه المذيعة المتألقة الإعلامية رحمة حجيرة في برنامجها الذي بثته قناة اليمن اليوم الفضائية مساء الجمعة الماضية تحدث العلامة محمد الحزمي عضو مجلس النواب والعضو القيادي في الإصلاح بأمور كثيرة وعديدة تبعث على الشجون وتستحق المتابعة فكان متوازناً في جوانب من حديثه وغير متوازن في جوانب أخرى من حديثه. وما لفت انتباهي جزئية من حديثه أكد فيها أن السبب الرئيسي في الخروج إلى علي عبدالله صالح على حسب قوله والأصل هو الخروج على علي عبدالله صالح هو قضية التوريث أي عندما فكر علي عبدالله صالح بتوريث الحكم لابنه أحمد ولو لم يفكر علي عبدالله صالح بعملية التوريث فليس هناك ما يمنع من بقاء علي عبدالله صالح في الحكم طوال عمره حسب قوله.. وهنا نقف عند جزئيتين اثنتين: الجزئية الأولى: التلاعب بالألفاظ كقوله »الخروج إلى علي عبدالله صالح« لو كانت هذه المقولة صحيحة وفيها نوع من الصدق والمصداقية لكان علي عبدالله صالح ما زال رئيساً حتى اللحظة لأن الأمر سيتعلق بالنصح والإرشاد ومطالبة علي عبدالله صالح بالعدول عن فكرة التوريث ومطالبته بالمزيد من الإصلاحات والتحسين والتغيير بما ينفع البلاد والعباد ولكن هذا لم يحدث وما حدث يدلل على الخروج على علي عبدالله صالح وليس كما قال العلامة محمد الحزمي. وعموماً هذه الجزئية ليست موضوعنا فموضوعنا الأساسي يتعلق بالجزئية الأخرى وهي قضية التوريث .. والتوريث حكاية تخفت وراءه الكثير من النوايا المبيتة سوداوية اللون ولكي نقف عند ذلك فلنبدأ الحكاية من أولها. من التحالفات السياسية التي تمت بين الأحزاب بعد سنة 0002م ما يسمى باللقاء المشترك والذي تمثله الأحزاب الآتية: الوحدوي الناصري الاشتراكي الإصلاح البعث الذي يقوده الدكتور عبدالوهاب محمود الذي انضم مؤخراً بعد عام 6002م إلى اللقاء المشترك وبعض الأحزاب الأخرى التي لا تهمني فما يهمني هو الأحزاب الأربعة سابقة الذكر فهذه الأحزاب موجوعة إلى حد كبير ومتألمة إلى حد عميق من علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام.. كيف؟ من المعروف أن الحزب الناصري كان قد قاد انقلاباً على الرئيس علي عبدالله صالح في بداية حكمه في نهاية السبعينيات إلا أن الانقلاب فشل فشلاً ذريعاً ونال الحزب الناصري ما ناله آنذاك من مهانة ومذلة وتنكيل وإبعاد عن السلطة فغدت هذه غصة في الحزب الناصري. ورغم أن الناصريين قد تفتتوا في ثلاثة أحزاب بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في ال 22 من مايو 0991م وفي ظل الجمهورية اليمنية والتعددية الحزبية والسياسية إلا أن الحزب الوحدوي الناصري وجد نفسه الوريث الشرعي للحزب الناصري قبل الوحدة وامتداداً له فورث عنه ذلك الوجع وذلك الألم. الحزب الاشتراكي حقق مع نظيره تنظيم المؤتمر الشعبي العام أعظم إنجاز وطني في تاريخ اليمن المعاصر بل على امتداد التاريخ اليمني وشكل حليفاً مهماً مع المؤتمر الشعبي العام إلا أن ملامح الخيانة الوطنية والتراجع عن الوحدة قد بدت واضحة في وجوه بعض قياداته المؤثرة والمسيطرة على الحزب فبدأ بحبك المؤامرات ويفتعل الاشكالات ويختلق القضايا الزائفة وعرض الوطن والوحدة للخطر والشعب للتشتت والتمزق حتى قاد البلاد والعباد إلى حرب صيف 4991م وأعلن أمينه العام آنذاك الانفصال فكانت الحرب وبالاً عليه فتلقى شر هزيمة في حياته فتم دك ترسانته المسلحة التي كان يراهن عليها وتم إبعاده من السلطة ومن الائتلاف الثلاثي فمثل هذا له وجعاً كبيراً وألماً ما بعده ألم. حزب الإصلاح يعد الممثل الشرعي للإخوان المسلمين أو للحركة الإسلامية كما يسميها العلامة محمد الحزمي في اليمن قبل الوحدة وبعدها من يظن أن حزب الإصلاح كان بعيداً عن السلطة أو الحكم فقد أخطأ.. فحزب الإصلاح من خلال الإخوان المسلمين أو الحركة الإسلامية كان في السلطة والحكم منذ اندلاع ثورة سبتمبر 2691م ولكنهم حظيوا بامتيازات غير مسبوقة في عهد علي عبدالله صالح فكانت الحركة الإسلامية حليفة استراتيجية لعلي عبدالله صالح قبل الوحدة وقد تحدث العلامة محمد الحزمي عن هذه العلاقة في تلك المقابلة حتى أن أكثر قيادات وأعضاء المؤتمر الشعبي العام كانوا من الحركة السلامية. بعد قيام الوحدة انبثق عن الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية في اليمن حزب الإصلاح الذي كان حليفاً استراتيجياً للمؤتمر الشعبي العام فكان في حكومة الائتلاف الثلاثي بعد الانتخابات النيابية في عام 3991م ثم حكومة الائتلاف الثنائي بعد حرب 4991م ورغم خروجه من السلطة بعد الانتخابات النيابية عام 7991م إثر حصول المؤتمر على الأغلبية فانفرد بالحكم إلا أن ذلك لم يؤثر فيه أو أنه أثر فيه ولكنه بلعها، فناور مناورة سياسية تحسب له عندما أعلن أن مرشحه في الانتخابات الرئاسية في عام 1999م هو علي عبدالله صالح إلا أن الضربة القوية التي وقعت عليه وقصمت ظهر البعير عندما تم اتخاذ قرار توحيد التعليم بعد سنة 2000م فعلى إثر ذلك القرار تم إلغاء ما يسمى بالمعاهد العلمية التابعة له والتي كانت تمثل له الثروة والقوة وهنا كان الوجع الأكبر. حزب البعث الذي يقوده الدكتور عبدالوهاب محمود فقد كان الدكتور عبدالوهاب مقرباً من الرئيس علي عبدالله صالح ومن المؤتمر، وكانت دائرته الانتخابية في صبر مغلقة له بالنسبة للمؤتمر وكان المؤتمر يسانده في الانتخابات وقد كرمه الرئيس بأن يكون عضو هيئة رئاسة مجلس النواب وبعد أن توفى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمة الله تغشاه تم انتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب فتم اسبتعاد الدكتور عبدالوهاب منها، فانزعج الدكتور عبدالوهاب وانضم إلى اللقاء المشترك. إذاً هذه الأحزاب موجوعة ومتألمة من علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام، وزاد من وجعها وألمها وهي ترى نفسها تتقهقر وعلي عبدالله صالح والمؤتمر يتقدمان ومن ورائهما الجماهير الغفيرة الوفية والمخلصة لهما. وعندما عجزت هذه الأحزاب منفردة عن أن تنافس أو تنال من علي عبدالله صالح والمؤتمر وجدت في تحالفها أنها ستشكل قوة غير مسبوقة ولا تقهر فتبين لها عكس ذلك عندما حصل المؤتمر على الأغلبية المريحة في الانتخابات النيابية عام 2003م، وعندما تم سحقها في الانتخابات الرئاسية والمجالس المحلية في عام 2006م. بعد عام 2006م تحول وجعها إلى أنين، والأنين إلى كراهية والكراهية إلى حقد والحقد إلى انتقام والانتقام إلى ظلم والظلم إلى عدوان ولكنها تتحين الفرصة حتى تنقض على الفريسة فعملت على تغيير سياستها واستراتيجيتها فبدأت تظهر روائح كريهة تزكم الأنوف، فنهجت طريقاً غير وطني ولا انساني ولا ديمقراطي من خلال فبركة الأمور وتزييف الوعي وتضليل الشعب وبث الاشاعات الكاذبة والمغرضة وأخذت تظهر بعض القضايا التي تخفى وراءها أغراضها الدنيئة وحقدها الدفين ومن هذه القضايا بدأت تتحدث وبالتدريج عن قضية التوريث، حتى جاء عام 2011م فهبت بكل قواها وبمساعدة خارجية للاستيلاء على السلطة والانقضاض على الديمقراطية والشرعية الدستورية ولكن تحت أي مسمى أو حجة؟ لم يكن أمامها إلا قضية التوريث، فغدا التوريث السبب الرئيسي لهذا الخروج كما قال العلامة محمد الحزمي. إذاً لم يكن التوريث إلا ورقة يلعب بها اللقاء المشترك كيفما يشاء ويحقق أغراضه اللعينة من ورائها. وللأسف هناك من صدق هذه اللعبة الخبيثة ونسي أو تناسى أن نظامنا هو نظام جمهوري لا يوجد فيه توريث وأن أحمد علي عبدالله صالح مواطن يمني يحق له الانتخاب والترشيح بقوة الدستور، وأن المؤتمر الشعبي العام حر في اختيار مرشحه للرئاسة وأن هناك صندوق اقتراع يمكن إسقاطه عن طريق الانتخابات وفوق هذا فان الزعيم علي عبدالله صالح قد صرح أكثر من مرة ومنذ وقت مبكر أنه لا يوجد توريث وأنه لا يريد لابنه أن يخوض هذا المعترك الذي ذاق مرارته على مدى ثلاث وثلاثين عاماً. وبهذا التصريح فقد أسقط علي عبدالله صالح هذه الحجة التافهة للمشترك إلا أن المشترك في رأسه شيء ظل وراءه وحجته التوريث الذي تمسك به كشماعة وهو مدرك كل الإدراك أنه ليس هناك توريث وقد صرح أحد قادة المشترك أن من حق أحمد علي عبدالله صالح أن يترشح للرئاسة وهذا أيضاً يسقط قضية التوريث فالتوريث ليس قضية بقدرما هو شماعة ليس إلا. نقلاً عن صحيفة تعز