في مثل هذه الأيّام قبل خمس سنوات كان الجيش الأميركي في طريقه الى بغداد التي دخلها في التاسع من نيسان 2003 مطيحا بنظام صدّام حسين.. لكن المضحك المبكي في أيامنا هذه أن يخرج بعض العرب للحديث عن فشل الخطة الأميركية من منطلق أنها استهدفت اسقاط النظام العراقي السابق، من أجل اقامة نظام ديموقراطي يكون نموذجا يحتذى به في المنطقة. وثمة من يفاخر بأنه من أوائل الذين توقعوا الفشل الأميركي وتحول العراق الى الفوضى، من يتحدث بهذه الطريقة لا يعرف شيئاً لا عن العراق ولا عن نظام صدّام حسين ولا خصوصاً عن الادارة الأميركية الحالية. لدى التطرّق الى الحرب الأميركية على العراق، لا بدّ من العودة الى مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001. في أول اجتماع عقده كبار المسؤولين الأميركيين بعد "غزوة" نيويورك وواشنطن، تحدث بول ولفوويتز، الذي كان نائباً لوزير الدفاع، عن ضرورة الرد على أسامة بن لادن في العراق. تصدّى له وقتذاك كولن باول وزير الخارجية الذي استغرب الربط بين العراق و"القاعدة". اكتفى ولفوويتز، صديق أحمد الجلبي وعرّابه الأميركي في تلك الأيام، بالصمت.. ولما سئل، لماذا ركّز على العراق، في حين يعرف الجميع أن المشكلة في افغانستان حيث نظام "طالبان" الذي وفّر ملاذاً آمناً ل«القاعدة» جاء جواب نائب وزير الدفاع، الذي صار لاحقا رئيسا للبنك الدولي قبل أن يضطر الى الاستقالة، أنه اكتفى هذه المرة ب«زرع البذور» زرع ولفوويتز بذور الحرب المقبلة! كان مطلوبا التخلص من العراق السابق كونه ركيزة من ركائز النظام الأقليمي، لذلك كان التعاون الأميركي مع ايران طوال فترة الإعداد للحرب وفي المرحلة التي تلت الاحتلال مباشرة، كان النظام الايراني وراء تشجيع الادارة الاميركية على غزو العراق نظرا لمعرفته المسبقة بأنه سيكون المنتصر الوحيد في الحرب، كيف لا والقرار الأول الذي اتخده الأميركيون بعد الغزو قضى بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي الذي كرس مبدأ تقسيم العراق على أسس مذهبية؟.. كانت ايران القوة الإقليمية الوحيدة التي أعترفت بالمجلس! لا حاجة إلى أدلة على أن الكلام الأميركي عن العراق الديموقراطي شيء والهدف الآخر من الحرب شيء آخر لا يعرفه سوى أشخاص من نوع ولفوويتز أو بول بريمر الحاكم المدني للعراق الذي اتخذ قرارا بحل الجيش العراقي وأرسال نحو ثلاثمائة ألف عسكري الى منازلهم، إلى الآن لا تزال الأسئلة تدور في شأن هذا القرار الذي تفرّد به بريمر واضعا جورج بوش الابن امام الأمر الواقع.. من يريد التأكد من ذلك، يستطيع قراءة تقرير نشرته قبل أيام صحيفة "نيويورك تايمز" وصدر الاثنين الماضي في "هيرالد تريبيون".. خلاصة التقرير أن بريمر اتخذ قراره بحل الجيش العراقي من دون موافقة كبار العسكريين ووزير الخارجية(باول) أو مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس. كيف يتخذ رجل لم يسمع أحد باسمه قرارا في مثل هذه الخطورة في حين أن الخطة الأصلية التي ابلغت الى كبار المسؤولين كانت تقضي بالمحافظة على ما بين ثلاث وخمس فرق عسكرية لتكون نواة لجيش عراقي جديد لا علاقة له بصدام والبعث من قريب أو بعيد. من قال أن الهدف من الغزو الأميركي للعراق لم يتحقق؟.. كان مطلوبا تفتيت البلد على اسس مذهبية وعرقية وطائفية.. تحقق ذلك بنجاح منقطع النظير.. هناك بكل بساطة جهل أميركي من جهة ومستفيدون من هذا الجهل من جهة أخرى، من يصدق أن شخصا في غباء أيبريل غلاسبي كان سفيرا للولايات المتحدة في بغداد حتى عام 1990، بلغ الجهل بغلاسبي تحميله (في حديث قبل أيام مع الزميلة رندة تقي الدين) مسؤولية القرار العراقي بأحتلال الكويت لطارق عزيز. من يعرف القليل عن العراق يعرف أوّلا أن طارق عزيز لم يستطع التدخل لاخراج نجله زياد من السجن بعدما لفق عبده حمود سكرتير صدّام تهما في حقه. من يقرأ ما يقوله غلاسبي لا يعود يستغرب شيئا. لا يستغرب خصوصا نجاح الذين دفعوا في اتجاه احتلال العراق في تنفيذ أجندتهم، انها أجندة تصب في مصلحة كل ما يخدم تفتيت المنطقة وهي أجندة لا تبدو أسرائيل وأيران بعيدتين عنها في ضوء الأحداث التي شهدناها في السنوات الخمس الأخيرة!