يعاب على السياسي تبعثر أفكاره، وافتقارها منطق الحقيقة.. ويعاب عليه أكثر حين يمضي ردحاً طويلاً من عمره يمتهن السياسة من غير أن يستلهم منها منطقاً، فيسقط بمنزلق الدكتور/ ياسين سعيد نعمان حين استهوته كتابة الأعمدة الصحافية، فاستهلها يوم الخامس من إبريل بمقال في صحيفة الشارع بعنوان "الجنوب لا يحتاج إلى دبابة" وصار يتحدث عن تآمر السلطة على "المشروع الوطني الديمقراطي" مؤرخاً لذلك بالعام 1994م. يبدو أن الدكتور نعمان فاته أن يتذكر أن أكبر مؤامرة على المشروع الوطني الديمقراطي بدأت برفض الحزب الاشتراكي اليمني لنتائج إنتخابات 1993م واتخاذه مواقف انفصالية غير معلنة، ما لبث أن طورها إلى حرب انفصال في صيف 1994م فالمؤامرة كثرت أنيابها قبل 1994م وما أعقب ذلك من أحداث لم يكن سوى تداعيات سوء استيعاب مفاصل الحياة الديمقراطية من قبل الحزب الاشتراكي. ونعمان يتحدث عن قمع شراكة الجنوب في الوحدة اليمنية ليبدو كمن لم يسبق له الخوض بالسياسة، بعد أن غاب عنه الإدراك بأن "الشراكة" التي يدعي البعض بحقه فيها لتقاسم السلطة، تتنافى كلياً مع المطالبة بما يسميه "المشروع الوطني الديمقراطي "الذي ترتكز قاعدته بالأساس على ديمقراطية غير مشروطة، ولا يمكن تفصيلها بمقاسات حزب أو تنظيم معين، لأن ذلك يناقض أيضاً الحديث عن أدوار القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية، فتلوين أي مشكلة، أو معضلة في مسيرة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بألوان شطرية هي التي تمثل الخطر الأكبر والمنزلقات والاتجاهات والمواقف النزقة. وحين يتشدق البعض بالحديث عن " عمل سلمي ديمقراطي" ويدعي " الإحساس العميق بالمخاطر" ثم لا يجد ما يصنف تحته إحراق المنشآت الخدمية، والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرق، وتعطيل النشاط الاقتصادي البشري، غير التشدق بعبارة " النضال الوطني الديمقراطي" خاصة عندما يأتي ذلك كله مصحوباً برفض قاطع لتدخل سلطة القانون لردع من يخرب منجزات الشعب الوطنية، ويعطل مسيرة حياته اليومية. أما الحديث عن تجربة المؤتمر الشعبي العام، فإنه قد خاض التجربة التاريخية بوضوح وصفاء تام، وإدراك واقعي وعقلاني بكل الحقائق التي يحاول البعض ألا يخوض في تفاصيلها، لأنه يعرف أن إعلان تلك الحقائق لا يخدم فكر ونهج الحزبية الضيقة، التي ترعرعت أصلاً في أحضان نظرية المؤامرة، والمكايدة، ولا شك أن الغارقين في هذا الجو الممتلئ بكل صنوف الفساد السياسي لا يمكن أن يتحولوا إلى مفكرين ناصحين ومخلصين لأي قضية من القضايا الوطنية طالما والمنهل الذي ترد منه آسن، ولم يسبق له فيما مضى من التاريخ أن عرف الصفاء والنقاء. ولأن السياسة لم تعد عند الدكتور نعمان منطقاً للحقيقة فإنه عاود الانزلاق إلى الحديث بلسان قاموسه القديم الذي لا تفارقه لفظة " التصفيات " وكان الأولى أن يتأني ليستبق الرأي بسؤال: يا ترى من يصفي حساباته مع المشروع الوطني الديمقراطي؟ وهل كان هذا المشروع من قبل منهجاً متأصلاً وثابتاً في علاقات الرفاق مع بعضهم البعض؟ فإذا كان الأمر كذلك لما كان بالإمكان أن نرى تلك الدورات الدموية والمآسي التي شهدتها ساحات عدن، وأبين، وحضرموت، التي شهدت السحل والتنكيل ومداهمات زوار الفجر. نعم.. لقد ظهرت الدبابات ضد الرفاق في مواجهة بعضهم البعض، ولم يجرؤ أحد ولو بالهمس مع نفسه على قول "الجنوب لا يحتاج دبابات" لذلك رأيناها تسحق كل شيء أمامها وتطحن الأخضر واليابس.. ومن غير أن تجد في قاموس أحد من الرفاق عبارة: الجنوب لا يحتاج دبابات" أبهذا تكون الشراكة الحقيقية، وما يدعيه الحزب الاشتراكي بأنه "الجناح الآخر للنهوض الوطني"؟! فأي تزييف للحقيقة والتاريخ هذا الذي نقرأه ونسمعه ممن يدعون بأن لهم حقوقاً تاريخية، ومكاسب ربانية، وهبات سماوية ينبغي أن يحصلوا عليها عن طريق القسمة والمحاصصة والابتزاز – بالجملة والتقسيط – ثم يتحدثون للرأي العام عن " حوار وطني شامل لكل القوى الأحزاب السياسية بدون استثناء " بعد أن ألغوا من أجندة الحوار كل الأحزاب والتنظيمات السياسية ما عداهم!! حقاً إنهم يريدون أن يحولوا الوطن إلى "كعكة".