ما من شك أن عناصر التمرد والتخريب التي عمدت إلى الخروج على النظام والقانون وإقلاق السكينة العامة في بعض مديريات محافظة صعدة عبر التقطع في الطرقات والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة والنقاط الأمنية والعسكرية واستباحة دماء الأبرياء من أبناء هذه المحافظة المسالمة لا يمكن توصيفها إلاّ بكونها عناصر شاذة انحرفت عن جادة الحق والصواب وانسلخت عن إطارها الوطني والاجتماعي.. ومثل هذه الحالة من الانحراف سبق وأن عانت منها الكثير من المجتمعات وتحفل سير التاريخ بصور شتى من تلك النقائض والنماذج الشاذة والتي لم يكتب لها البقاء باعتبارها من الظواهر التي تولد ميتة أصلاً. وإذا كان من العبث أن يسعى إنسان إلى تغيير فكره ليصير أكثر سواداً وقبحاً وقتامة فإن من أعبث العبث أن يأمل المرء من عناصر تحللت من كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية أن تعود إلى رشدها خاصة وأنها تستمد فكرها ومنهجيتها من أحشاء العصر الجاهلي، حيث تقوقعت عناصر التمرد والتخريب وراء دعاوى السلالية والمذهبية دون إدراك أن الوطن اليمني قد تتحرر من تلك الأمراض المتخلفة بانتصار ثورته المباركة وإعادة وحدته الوطنية في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م وصارت علاقات أبنائه تستند إلى إطار من المودة والوئام والتلاحم الوطني. ولأن تلك المجاميع الصغيرة من عناصر التمرد والفتنة قد حبست نفسها في دائرة ضيقة تتصادم مع واقع العصر ومبادئه وقيمه المتحضرةالتي تتكفل بضمان الحريات والحقوق الإنسانية في التعبير والممارسة، فهي لا تستطيع أن تتصرف خارج ذلك المنظور الضيق ومفاهيمه المتخلفة التي آلت إلى متحف التاريخ. وكان من الطبيعي وقد اتضحت مرامي تلك الشرذمة التخريبية وتكشفت أهدافها الدنيئة وما تضمره من أحقاد وضغائن أن تقابل أفعالها وما اقترفته من جرائم القتل والنهب والسلب باستهجان واستنكار كافة مكونات المجتمع اليمني وكذا إدانه كافة الدول العربية والإسلامية والرأي العام العالمي بعد أن تعززت لدى الجميع القناعة بخطورة مسلك هذه العصابة التي تضيق بمعاني الحياة والسلام والاستقرار والتعايش. وفي الوقت الذي ما زالت تتوالى فيه هذه الادانات بأوسع ما يكون على المستويين الداخلي والخارجي فإن من المؤسف حقاً، وإن لم يكن من الغريب، أن نجد أحزاب اللقاء المشترك تلزم الصمت حتى هذه اللحظة دون أن تبدي موقفاً واضحاً من تلك العصابة التخربيبة وأعمالها وما ترتكبه من جرائم بحق الوطن والمواطن مع أن هذه المصفوفة الحزبية هي جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع ونظامه السياسي. أو ليس غريباً أن تلجأ أحزاب تدعي حرصها على أمن واستقرار الوطن إلى منطق الصمت و«التطنيش» أمام عصابة أعلنت العصيان على النظام والقانون والدستور وخرجت على الملأ بمعاول الهدم والتخريب ووسائل الدمار والقتل يدفعها إلى ذلك حقد وغل دنىء على كل شيء في هذا البلد. وتطرح علامات الاستفهام نفسها بإلحاح بانتفاء أي مبرر مقنع يفسر الموقف المتخاذل لأحزاب اللقاء المشترك إزاء تلك العصابة الإجرامية، التي تسعى إلى تعطيل خطوات نهوض الوطن وتنميته واستقراره بغية تورثيه مشروعها الظلامي والمتخلف؟.. وكيف يمكن فهم هذه السلبية التي يتجلى في شواهدها أن البعض ممن لا يعجبهم العجب قد رهن مواقفه في نقطة الذاتية الضيقة؟ وليت هؤلاء يتعلمون من معاني الإيثار التي عبر عنها أبناء الشعب اليمني في بياناتهم والتي برزت فيها أسمى دلالات الغيرة والوفاء لهذا الوطن.. حيث وفي ذلك درس بليغ يستحيل تجاهله من كل من بقيت فيه ذرة من ضمير!!