تشيرالانباء الوافدة من اسرائيل الى أن تنحية رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت عن منصبه باتت اليوم اكثر جدية من ذي قبل. يراد من اولمرت الاستقالة ليس بسبب هزيمته في جنوب للبنان عام 2006 وانما بسبب ما يقال عن رشوة تلقاها من رجل اعمال يهودي من اصل امريكي خلال اكثر من عقد ونصف العقد من السنين. ويقال أيضا أن رجل الاعمال المذكور ينتمي الى التيار اليهودي المتطرف وانه فعل ما فعل بسبب تقدم المفاوضات بين سوريا والدولة العبرية الامر الذي سيفضي الى التخلي عن هضبة الجولان المحتلة منذ العام 1967 .وقيل ايضا ان الرجل المرشي يطالب بارض اسرائيل الكبرى اي باحتلال كامل بلاد الشام التاريخية وجزء من بلاد الرافدين. والملاحظ ان قضية الرشوة كان يمكن ان تظل سرية لو ان اولمرت لم يدخل المفاوضات مع دمشق. لا يمكن للمرء ان يحزن على مصير اولمرت الذي اشعل حربا في لبنان عام 2006 ودمر بنيته التحتية ورفض التنازل عن الاراضي العربية والفلسطينية المحتلة ووعد الفلسطينيين في غزة بمحرقة فعلية على لسان احد اهم وزراء حكومته وحزبه كاديما. ولا يمكن للمرء ان يحزن على المصير السياسي السيء لاي من الشخصيات الصهيونية لكن بالمقابل يوحي توقيت الحديث عن فساد اولمرت ان الصهاينة يلجأون الى استخدام الفساد ذريعة لطرد زعمائهم كلما بادر احدهم الى ابداء رغبته باعادة اراضي العرب المحتلة او السير خطوات في هذا الاتجاه وان لم تنفع قضية الفساد فالقتل ولعل الوسيلتين طبقت مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين. في العام 1977 عبر رابين عن رغبته في تحقيق السلام مع العرب وبعث برسائل سرية جدية بهذا المعنى. ما كاد حبر تصريحاته يجف حتى اندلعت بوجهه قضية فساد شهيرة مفادها ان زوجته تحتفظ بحساب شخصي يحوي على 75 الف دولار وان الحساب ليس مسجلا في مصلحة الضرائب فكان ان خسر رابين الانتخابات وصعد الى الحكم التيار الاكثر تطرفا في اسرائيل ممثلا برئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن الذي اجتاح بيروت و احتلت قواته جنوب لبنان حتى الخامس والعشرين من ايار مايو عام 2000 سيعود رابين الى الحكم مجددا في مطالع التسعينيات وسيعمل على رعاية مفاوضات سرية مع ياسر عرفات وبالتالي توقيع اتفاقية اوسلو وستكون السنوات التالية حتى اغتياله مترافقة مع تنازلات جدية امام الفلسطينين ناهيك عن وعده المشهور للسوريين بالانسحاب الشامل من هضبة الجولان المحتل. كان رابين يفاوض ليس لاسباب اخلاقية وليس انطلاقا من عشقه للسلام وانما لانه ادرك كما يقول في احد تصريحاته ان اسرائيل كانت تخيف بجيشها العرب والفلسطينيين الذين كانوا يخشون الموت في القتال مع هذا الجيش في حين ان الجيل الجديد من المقاومين لايخشى الموت بل هو يطلب الموت من اجل تحرير ارضه ما يعني ان قوة اسرائيل العسكرية لم تعد قادرة على ردع المعنيين وتخويفهم وبالتالي فقدت قدرتها الردعية وهي علة وجودها ومع فقدان هذ ه القدرة تكون اسرائيل تغامر بوجودها نفسه طالما ان القوة العسكرية هي وحتى اشعار اخر الحامي الاوحد للدولة العبرية. لكن العين التي كان يرى فيها رابين لم تكن مشابهة لزملائه الذين عارضوه وعيروه بالهروب امام العرب ومارسوا حملة تحريض كبيرة عليه الى ان اقدم شاب صهيوني من اصل يمني على اغتياله في العام 1995 . هنا ايضا لا يمكن للمرء ان يحزن على زعيم صهيوني الحق بالعرب عشرات ان لم يكن مئات الضحايا بيد ان اغتياله قد تم بسبب اكتشافه عدم جدوى القتال ضد الفلسطيين والعرب ما يعني ان الصهاينة لايرغبون بالتخلي عن اراضي العرب طوعا وان سعى احد زعمائهم لذلك مدفوعا باقتناع حول لا جدوى للقتال دفاعا عن الاحتلال يبادر اصحابه الى التنصل منه او تهميشه بمزاعم الرشوة والفساد والمجيء بمتطرفين الى الحكم لخلافته او باغتياله. والحق ان هذا الامر ليس حكرا على الدولة العبرية ذلك ان زعماء في الولاياتالمتحدة بخاصة والغرب عموما يدفعون من منصابهم ثمنا لمواقفهم المؤيدة للانسحاب من الاراضي العربية المحتلة واحيانا لاتخاذهم مواقف متوازنة في الصراع العربي الاسرائيلي لذا تراهم يعترفون بعدالة قضيتنا خارج الحكم وليس اثناء ممارسة وظائفهم الرسمية. هكذا نستمع هذه الايام الى تصريحات للرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر يتهم فيها اسرائيل بامتلاك 150 قنبلة نووية وقد سبق لكارتر نفسه ان تحدث في كتابه الاخير عن عنصرية الدولة العبرية ووصفها بدولة «الابارتيد» بيد ان كارتر كان خلال رئساته في البيت الابيض من اعظم مؤيدي اسرائيل. لايعني هذا الكلام ان نرفض مواقف كارتر وغيره ممن يفصحون عن تعاطفهم مع قضايانا رغم ان هذه المواقف تحمل دعما معنويا فقط ولا تؤثر في جوهر الصراع وما نريد قوله على هذا الصعيد هو اننا نضيع وقتنا في الرهان على غيرنا من اجل استعادة حقوقنا.وضياع الوقت ناجم عن الانتظار حتى يتسلم الرئيس الامريكي مهام منصبه والانتظار حتى نهاية ولايته للتحرك في الشرق الاوسط فاذا بنا ننتظر وننتظر من رئيس لرئيس دون جدوى. والواضح ان الانتظار لم ينطوي وهو لا ينطوي اليوم على ضؤ في نهاية النفق فالحقوق العربية لاتحصل الا بقوة سواعدنا ومن خلال اجراءات حازمة نبادر الى اتخاذها غير عابئين بمصير ولاية هذا الرئيس الامريكي او ذاك وبمصير هذا الزعيم الاسرائيلي او ذاك. لقد بادر اللبنانيون الى تحرير ارضهم بسواعدهم وحرر الفلسطينيون غزة بسواعدهم ايضا والراجح ان الضفة الغربية لن تتحرر الى بسواعد الفلسطيين اما سوريا التي تخوض مفاوضات مع اسرائيل فانها ما كانت ستامل بتتويج هذه المفاوضات بانسحاب من الجولان لولا الموقع القوي الذي تحتله في محيطها. قصارى القول ان الحقوق العربية لا تعود بالشعارات ولا تعود عبر انتظار زعماء العالم وحكامه حتى يكونوا اكثر راحة واطمئنانا في مناصبهم الحكومية وانما عبر الارادة الذاتية التي تفرض على المعنيين اعادة الحقوق إلى اصحابها في اول ولاياتهم او حتى اللحظة التي تسبق افول نجمها. هذه الحقيقة ساطعة سطوع الشمس لكن بالنسبة للمبصرين اما الذين لا يبصرون فنطلب لهم من المولى عز وجل البصيرة التامة دون ان نعول عليهم في رؤية الحق بكامل حجمه وعدله والتعطش لنيله.