تخطئ أحزاب اللقاء المشترك إذا ما اعتقدت أنها بمواقفها المتصلِّبة والمتشنجة، التي عبرت عنها من خلال رفضها لدعوة الحوار واندفاعها غير المدروس إلى عرقلة إجراءات إقرار مشروع تعديل قانون الانتخابات، ستصل إلى بعض المصالح والمكاسب الحزبية والانتخابية. وتخطئ أيضا هذه الأحزاب خطأ فادحا إذا ما ظنت أنها وعبر قيامها بتسميم الحياة السياسية بالأزمات المفتعلة ستحقق ما فشلت في تحقيقه من خلال صناديق الاقتراع، وعامل الخطأ هنا يكمن في إصرار أحزاب المشترك على إعادة إنتاج تجارب سابقة لم تجن من ورائها سوى الفشل الذريع. وفي هذه الحالة كان من المؤمل أن تدرك هذه الأحزاب ومن وقتٍ مبكر أن ما كان جائزاً أو مقبولاً في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية من التحالفات وصيغ التراضي التي تقتضيها طبيعة المرحلة لا يمكن إسقاطه بأي حال من الأحوال على مرحلة نضجت فيها الديمقراطية وترسخت مداميكها وبنيتها الفكرية والثقافية، وصار الشعب هو مالك السلطة والموجه لمسارات الديمقراطية وتحولاتها على نحو يصعب معه التراجع إلى الخلف أو العودة إلى نقطة البداية. ولو أن أحزاب المشترك استوعبت مثل هذا التغيير وعملت على بناء نفسها وفق معطياته ومقتضياته لكان وضعها أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، ولما كانت بحاجة في اللحظة الراهنة وبعد ثمانية عشر عاماً من إقرار النهج الديمقراطي التعددي للجوء إلى مثل تلك الممارسات التي تعتمد في منهجيتها على افتعال الأزمات وتعكير الأجواء السياسية بغية التكسب والتمصلح الحزبي واللهث وراء بعض المنافع بطرقٍ ملتوية وغير مشروعة. وما لا يقبل الجدل أن هذه الأحزاب سترتكب جرما بحق نفسها إذا ما استمرت في اجترار صيغ الماضي سواءً لتبرير إخفاقها في تطوير أدائها أو لإخفاء الثغرات التي أصبحت تعاني منها كياناتها والناتجة عن تكرار الأخطاء من قبل قياداتها التي غلب عليها الجمود الذهني والفكري إلى درجة لم تستطع معها التطبع والتكيف مع التحولات الديمقراطية التي شهدها الوطن اليمني الذي أفرز جيلاً جديداً متحرراً من عقد ورواسب الماضي ومتسلحاً بفكرٍ وطنيٍ وديمقراطيٍّ لم تتلوث ثقافته بالأيديولوجيات المنغلقة والأفكار الهدامة والمفاهيم الضيقة، وهذا هو الجيل النقي الذي يشق طريقه نحو العمل السياسي الناضج المعافى من العقد وكل أشكال التكلس. واستناداً إلى كل هذه المعطيات فإن من مصلحة أحزاب المشترك تجاوز حالة العناد التي تحكم مواقفها وتعاملها مع القضايا الوطنية، وأن تعي أنه إذا كان من حقها أن تصوغ توجهاتها وفق ما ترى أنه سيحقق لها حضوراً أفضل في الانتخابات النيابية القادمة فإن هذا الحق يتلاشى ويضمحل ويصبح جناية إذا ما تحول إلى عائق أمام مقتضيات الالتزام باستحقاقات العمل الديمقراطي وانسيابها وإجرائها في مواعيدها الدستورية. إذ ليس من حق أحدٍ حزباً أو أحزاباً فرداً أو أفراداً الجنوح بالحياة السياسية باتجاه ترهات الجدل العبثي كما هو شأن أحزاب اللقاء المشترك التي دأبت في الآونة الأخيرة على وضع العراقيل أمام إقرار مشروع تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات لتنقلب على ما كانت قد قبلت به ووافقت عليه واختارته بإرادتها. ولا نعتقد أن قيادات المشترك قد غاب عنها مدى الأضرار المترتبة عن هذه النزعة الإقصائية التي يتركز فيها الاهتمام على استهداف الشرعية الديمقراطية، والأخطر في هذا الأمر أن يأتي تصرف كهذا من أحزاب تستمد شرعية وجودها من الديمقراطية التي تسعى إلى خلع ردائها وتجريدها من ضوابطها لمجرد إرضاء الذات ورغبة هذه الأحزاب في تفصيل الديمقراطية ونهجها وفق ما تريده هي لا وفق ما تقتضيه الثوابت والمرجعيات والمبادئ التي ترتكز عليها الديمقراطية. والأحرى بأولئك الذين يطلُّون علينا من بعض شاشات الفضائيات متقمِّصين دور الحكماء أن يكون لهم موقف واضح من تلك الممارسات التي لا تميز بين ما يندرج في إطار التكتيك الحزبي وبين ما هو استراتيجي لا يصح التعامل معه بمنطق الربح والخسارة.