في الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، هناك عودة أميركية إلى أفغانستان. قرر الرئيس بوش الأبن ارسال مزيد من القوات إلى أفغانستان على أمل التخلص أخيراً من حركة «طالبان» التي عادت وسيطرت على قسم من البلد. أنها عودة إلى أصل الداء الذي أتسع ليشمل باكستان التي ليس معروفا الآن، مثلما أنه لم يكن معروفاً منذ البداية هل هي شريك في الحرب على الارهاب أم أنها داعم للارهاب والأرهابيين؟ يبدو طرح السؤال مشروعا ما دامت باكستان هي التي صدّرت «طالبان» إلى أفغانستان بعدما لعبت طويلا بدعم أميركي وغير أميركي دور الحاضنة ل«المجاهدين» عبر المدارس الدينية فيها التي أنتجت ما بات يسمى لاحقا «طالبان». انهم أولئك الذين رعاهم جهاز الأستخبارات العسكرية الباكستاني والأجهزة الأميركية في مرحلة الأحتلال السوفياتي لأفغانستان وفي مرحلة ما بعد الأنتهاء من الأحتلال. هؤلاء أنفسهم تحولوا لاحقاً إلى ارهابيين يتزعمهم من هم على شاكلة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري اللذين كانا إلى ما قبل فترة قصيرة من أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر من رموز العالم الحر الذي تصدى للأحتلال السوفياتي في أفغانستان ... في البداية، كانت «طالبان» بمثابة الابن المدلل لدى الأميركيين كانت بالنسبة اليهم، الوسيلة الوحيدة لضمان الأمن في أفغانستان بغض النظر عن الديمقراطية وحقوق الأنسان، خصوصا حقوق المرأة. كانت هذه الأعتبارات مجرد تفاصيل لا تستحق أي نوع من الاهتمام لدى الادارة الأميركية ما دام التركيز على التخلص من «امراء الحرب» الأفغان الذين راحوا يتقاتلون في ما بينهم من جهة، وضمان تحول الأراضي الأفغانية إلى ممر آمن لأنابيب النفط المستخرج من أراضي الجمهوريات الأسلامية في الأتحاد السوفياتي الراحل من دون المرور في الأراضي الروسية من جهة أخرى. في مرحلة معينة، كانت «طالبان» في أفغانستان مطلباً أميركياً إلى أن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 فأكتشف الأميركيون أن أفغانستان تحولت إلى ملجأ آمن ل«القاعدة» وارهابها كان القرار واضحا بالتخلص من نظام «طالبان» من دون البحث في أساس المشكلة، أي في الوضع الباكستاني أستطاع الرئيس الباكستاني برويز مشرّف، الذي أستقال قبل أيّام، اقناع الأميركيين وقتذاك بأنه شريك في الحرب على الأرهاب.. وما كاد النظام الأفغاني يسقط تحت الضربات الأميركية حتى تحول الاهتمام إلى العراق من منطلق أن المطلوب استكمال الحرب على الارهاب عن طريق اعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط. يدفع الأميركيون حاليا ثمن هذه السياسة التي جعلتهم يتحولون إلى العراق بطريقة مفاجئة ومن دون مبرر باستثناء اختلاق تهم من نوع أمتلاك نظام صدّام حسين اسلحة للدمار الشامل أو أنه على علاقة ما ب«القاعدة».. تبين أن نظام صدّام كان لا بدّ من التخلص منه.. كان مفروضاً التخلص منه لأسباب لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل أو ب«القاعدة. لم يكن هناك ما يبرر الأنتقال من أفغانستان إلى العراق قبل الأنتهاء من تنظيف أفغانستان نهائيا من «طالبان» وقبل معالجة الوضع الباكستاني.. لم يكن طبيعيا انتظار سبع سنوات كاملة كي يعود التركيز على أفغانستان وعلى باكستان بطريقة أو بأخرى. ليس طبيعيا أن تعلن الادارة الأميركية في السنة 2008 أنها تنوي سحب قوات من العراق وتعزيز قواتها في أفغانستان.. ما يحصل حالياً في ذكرى مرور سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 يدفع إلى طرح السؤال البديهي: لماذا العراق بعد أفغانستان وقبل التأكد من الأنتهاء من «القاعدة» و«طالبان» في أفغانستان وقبل التأكد خصوصاً من أن باكستان لم تعد قاعدة خلفية ل«القاعدة» و «طالبان»؟ هل كانت وعود برويز مشرف بالأنضمام إلى الحرب على الأرهاب كافية ليقتنع الأميركيون بأن أفغانستان صارت تحت السيطرة وأن المدارس الدينية في باكستان لم تعد مزارع لتفريخ أرهابيين؟ لا يزال هذا السؤال المحير مطروحا. بل يمكن وصفه بالسؤال- اللغز، خصوصا أن كل ما أدت اليه حرب العراق، أقله إلى أشعار آخر، هو تعزيز الموقع الاقليمي لدول اخرى على كل الصعد وتحولها إلى القوة الأقليمية المهيمنة. كان منطقيا أن تشن الولاياتالمتحدة مع حلفائها حربا على أفغانستان وان تسقط النظام في كابول ردا على «غزوتي واشنطن ونيويورك».. ما ليس مفهوماً إلى الآن، لماذا العراق؟ التفسير الوحيد أن الحرب على الارهاب كانت غطاء لأجندة خفية تستهدف القضاء على النظام الاقليمي واعادة تشكيل الشرق الأوسط استنادا إلى موازين جديدة للقوى. هل صدفة ان ايران صارت قوة يحسب لها ألف حساب بعد شطب العراق من المعادلة الأقليمية؟ هل صدفة أن أسرائيل لم تعد راغبة في تسوية من اي نوع كان مع أي طرف عربي، بما في ذلك الطرف الفلسطيني، منذ بدء الحرب الأميركية على الارهاب التي كان الشهيد ياسر عرفات من ضحاياها؟ انهما مجرد تساؤلين في سياق محاولة للاجابة عن السؤال- اللغز أيّاه وهو لماذا أتجه الأميركي إلى العراق وليس إلى مكان آخر بعد اسقاط نظام «طالبان» في أفغانستان؟ لماذا أنتظر سبع سنوات ليكتشف أن هناك مشكلة حقيقية في باكستان وألا حلّ في أفغانستان ومع «طالبان» ما دامت باكستان تؤوي ارهابيي «القاعدة» و«طالبان»؟ هل علينا أنتظار سبع سنوات أخرى لأكتشاف أن الحرب على الأرهاب كانت حرباً على كل شيء ما عدا الأرهاب؟