التنامي المتزايد لظاهرة القرصنة أمام السواحل الصومالية والمياه الدولية للبحر الأحمر وخليج عدن والتي بلغت ذروتها خلال الأسابيع الأخيرة هي ولا شك انعكاس طبيعي لعمق المشكلة التي تعيشها الصومال منذ سنوات، حيث وبقاء الصومال أشبه بساحة مفتوحة تتجاذبها الصراعات الداخلية وعوامل الاقتتال والاضطراب والفوضى الماحقة أفرز مثل ذلك السلوك من جرائم القرصنة التي باتت تمثل تهديداً مباشراً للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وهو الشريان البحري الذي يربط بين الشرق والغرب عوضاً عن كونه من أهم الممرات الدولية حركة ونشاطاً إذا ما علمنا أن أكثر من عشرين ألف سفينة تستخدمه سنوياً. ولا يخفى على أي متابع للتداعيات التي تموج بها الساحة الصومالية أن اليمن كانت في مقدمة من حذر ونبه لخطورة إغفال المجتمع الدولي لما يجري في هذا البلد وما قد يترتب على ذلك من نتائج وخيمة على الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي والملاحة الدولية. ومثل هذا المنظور الذي أكدت عليه اليمن منذ وقت مبكر كان حصيلة عدة مؤشرات تولدت عن التسلسل الدرامي والمأساوي لتطورات المشكلة الصومالية والتي لم تكن بلادنا بعيدة عن أضرارها وتأثيراتها فقد تدفقت موجات اللاجئين على شواطئها بشكل متصاعد. وعلى الرغم من أن اليمن كانت البلد الوحيد الذي استقبل ما يزيد عن سبعمائة ألف لاجئ صومالي وقام رغم محدودية موارده بتغطية احتياجاتهم من الرعاية الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات المتاحة لمواطنيها فإنها من ظلت تدرك أن تبعات التدهور الحاصل في الصومال لن تتوقف عند مسألة النزوح الجماعي من هذا البلد إلى خارجه أو في حدود الموجات المتدفقة من اللاجئين بل أن تلك الأزمة المستحكمة في الصومال ستأخذ مناحي متعددة وإن إطالة أمدها لا بد وإنه الذي سيفاجئ العالم بين حين وآخر بإفرازات جديدة لم تكن في الحسبان. واستشعاراً من اليمن بواجباتها الأخوية والإنسانية أمام ذلك البلد الشقيق فقد بادرت إلى احتضان العديد من لقاءات الحوار بين الفصائل الصومالية، بغية تقريب وجهات النظر وتحقيق المصالحة بين هذه الأطراف واعادة الأمن والاستقرار والسلام في الصومال. وبالنتيجة فإن ما سبق وأن حذرت منه الجمهورية اليمنية قد حدث وصار من الوقائع المشهودة اقلها اليوم ظاهرة القرصنة أمام السواحل الصومالية والمياه الدولية في البحر الأحمر وهي الظاهرة التي أخذت الطابع المنظم، إن لم يكن العامل المؤسسي وهو ما يمكن الوقوف على ملامحه عبر ما يتناقل من أخبار عن تزايد أعداد القراصنة الذين صاروا يستخدمون في هجماتهم أسلحة متطورة وأنظمة حديثة لتحديد مواقع السفن، ليقوموا باحتجازها واختطافها عنوة وفرض الفديات التي تمكنهم من الحصول على ملايين الدولارات مقابل إطلاق تلك السفن. وأمام تزايد المخاوف من اتساع نطاق ظاهرة القرصنة والقلق الواضح الذي تبديه الأطراف الدولية فإن ما يثير الاستغراب هو أن تعمد تلك الأطراف الدولية عند تعاملها مع هذه القضية الخطيرة إلى بعض المسكنات التي ينتهي مفعولها بمجرد الحديث عنها في وسائل الإعلام فيما يتم تناسي صلب المشكلة والمعالجات والحلول التي ينبغي تكريسها للخروج من ذلك المأزق الذي أصبح يلقي بظلاله على مسألة الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي ويبرز هذا التناقض الصارخ في استمرار أعمال القرصنة على الرغم من كل تلك الأساطيل التي تجوب المياه الدولية ويرسو عدد منها بالقرب من القراصنة والسفن المختطفة من قبلهم. وما دامت تلك الأساطيل لم تستطع أن تمنع جريمة القرصنة قبل وقوعها وأن توقف القراصنة عند حدهم فإن ما يخشى منه أن يؤدي مثل هذا التساهل إلى تحويل الصومال إلى مرتع آمن تأوي إليه الجماعات الإرهابية وتتحرك منه عناصر الإرهاب لتقويض عوامل الأمن والاستقرار ليس في المنطقة وحسب وإنما في جميع أنحاء العالم. فمع أننا لا نشك في وعي الأشقاء العرب وتفهمهم لضرورة بلورة رؤية عربية موحدة بهدف حل المشكلة الصومالية وذلك من خلال دعم ومساندة حكومته الانتقالية وبما يمكنها من إعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة وفي صدارة ذلك بناء مؤسستها الأمنية والعسكرية لتتمكن من ضبط الأوضاع واحلال الاستقرار في بلدها وإنهاء المآسي الكارثية والانتحار الجماعي الذي تتضاعف شراسته في الصومال عاماً بعد آخر إلا أن في مثل هذا التفهم العربي يفقد معناه ويصبح غير ذي جدوى ما لم تصاحبه جدية في المواقف باعتبار أن حل المشكلة لا يتوقف عند حدود الفهم لجسامة مخاطرها بل ان المعضلة الحقيقية هي في تردد العرب حتى هذه اللحظة عن الاضطلاع بدورهم تجاه المشكلة الصومالية مع أن الصومال هو أحد مكونات المنظومة العربية وعضو في الجامعة العربية، وأمنه واستقراره هو أحد المرتكزات الرئيسية للأمن القومي العربي. وفي حالة كهذه فليس من الواقعية أن ينتظر العرب ما سيفعله الآخرون فيما هم معنيون بالتحرك الايجابي لتطويق النزيف الصومالي وحماية أمن البحر الأحمر لارتباط ذلك بأمنهم الجماعي واستقرار منطقتهم ونطاقهم الجغرافي.