ما يزيد من أهمية الحديث عن أعمال القرصنة التي تنشط هذه الأيام قبالة السواحل الصومالية أنه الذي يأتي مع بلوغ هذه الظاهرة الخطيرة ذروتها مستهدفة سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وبحر العرب بصورة غير مسبوقة تجاوزت حدود القرصنة التقليدية التي تطل بمخالبها بين حين وآخر في المحيط الباسفيكي أو في محاذاة خلجان تايلند أو المناطق القريبة من جزر الفلبين والتي يتمحور فيها نشاط القراصنة هناك على مهاجمة القوارب الصغيرة وممارسة تجارة التهريب، على العكس من ذلك فقد أدت الأوضاع المتدهورة في الصومال وانعدام الأمن والاستقرار في هذا البلد منذ سنوات طويلة إلى تشكل عصابات مسلحة اتجهت إلى البحث عن الغنائم من خلال أعمال السطو والقرصنة على السفن والبواخر في المياه الدولية المحاذية للصومال والقرن الأفريقي وبصورة اتسعت حدتها في الآونة الأخيرة، على إثر نجاح أولئك القراصنة بالحصول على أموال كبيرة كفدية من شركات وبلدان يهمها تأمين إطلاق سفنها التي تم اقتناصها من قبل القراصنة الصوماليين. ولعل ذلك يعيدنا إلى ما سبق وأن حذرت منه الجمهورية اليمنية التي حرصت ومنذ اللحظة الأولى لبروز ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية على دعوة الدول الأوروبية بل وكافة دول العالم التي تقوم بتسيير سفنها وبواخرها التجارية عبر الممرات البحرية في هذه المنطقة إلى التنبه لما قد يترتب عن استشراء ظاهرة القرصنة من مخاطر على سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وبحر العرب. وإدراكاً من اليمن بمسؤولياتها فقد سارعت أيضاً إلى مطالبة الدول المشاطئة للممرات البحرية المستهدفة من قبل القراصنة الصوماليين بضرورة التحرك المشترك والعمل الجماعي لما من شأنه تأمين الأمن الإقليمي والتصدي لظاهرة القرصنة التي صارت تتحرك في منطقة أكبر من أن يتم توفير الحماية لها من خلال جهد أحادي أو فردي. ولكن فإن ما يؤسف له حقاً أن كل تلك الدعوات والتحذيرات اليمنية لم تجد آذاناً صاغية أكان ذلك على المستوى الإقليمي أو الدولي وكأنه «لا حياة لمن تنادي» حيث كشفت تلك الحالة أن الناس قد اعتادوا على أن لا يتحركوا إلا حينما تتفاقم الأشياء والأوضاع ويصبح الضرر محيقاً بالجميع وصارت المواجهة لأية ظاهرة أكثر صعوبة وتعقيداً. وإذا ما وضعنا في الاعتبار العوامل التي أدت إلى تزايد ظاهرة القرصنة في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم سنجد أن العامل الرئىسي يتمثل في إهمال دول العالم للأوضاع المحتدمة في الصومال وغض الطرف عن ما يكتنف هذا البلد من أحوال غير مستقرة وصراعات داخلية تغذيها النعرات المناطقية والقبلية والسلالية والتي أمعنت في تعميق عوامل الأحقاد والضغائن بين الفرقاء في هذا البلد الذي تتقاذفه الفوضى من كل جانب، وكما أغمض العالم عينيه عن النزيف الداخلي الذي أحاق بالصومال وحوله إلى أشلاء ممزقة فإنه وبالمستوى نفسه من الاهمال فها هو المجتمع الدولي يصحو متأخراً حيال ما يتصل بتداعيات ظاهرة القرصنة التي امتد خطرها الداهم إلى أبعد ما كان يتوقعه البعض لتغدو خارج السيطرة، وما لم تعمل كافة الأطراف الإقليمية والدولية على تدارك الأمر وتتحرك بجدية ومسؤولية، فإن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وبحر العرب ستصبح بؤرة لإرهاب من نوع جديد سيتدافع إليه البلاطجة والخارجون على القانون من كل حدب وصوب. فهل تسارع الأطراف الإقليمية والدولية في تحمل مسؤولياتها إزاء هذا الخطر الذي يتهدد سلامة الملاحة الدولية وقواعد الأمن والاستقرار في أهم الممرات المائية التي تربط بين الشرق والغرب؟ أم أن هذه الأطراف ستظل تتعامل مع هذه الحالة بنوع من اللامبالاة وتقابل الأمر «بأذن من طين وأذن من عجين». وأمام ذلك فليس لنا سوى أن نردد المثل القائل «يافصيح لمن تصيح».