يتساءل الكثير، العامة قبل الخاصة، هل من الحكمة في شيء أن يكرر الإنسان أخطاءه وخطاياه وأن يظل يمارس مثل هذا السلوك العبثي على الرغم من كل ما أحيط به من خيبات وفشل وما مني به من نكسات، كان من الطبيعي أن تشكل بالنسبة لمثل هذه النوعية من الناس دروساً تدفع بهم إلى مراجعة النفس وتصويب أخطائهم ومواقفهم، والعودة إلى جادة الصواب واستيعاب حقائق الواقع، بعيداً عن المكابرة والإمعان في الباطل والتمترس خلف أغطية سميكة تحول دون رؤيتهم للأشياء كما تفرضها معطيات حركة الزمن، لا كما يتصورونها في خيالاتهم وأوهامهم وتفكيرهم الذي تخلى كلياً عن أبسط معاني الحكمة، والحدود الدنيا من الإحساس بالمسئولية الوطنية. وينطبق هذا الحال بملامحه الكاملة على بعض أطراف المعارضة في بلادنا، التي دخلت على خط الديمقراطية والتعددية السياسية من منظور التمصلح والتكسب والنهم على السلطة، دون أن تضع في اعتبارها أن مقتضيات الديمقراطية تتطلب منها التطبع والتكيف مع تقاليد هذه العملية والتي تستلزم ممن يريد الوصول إلى السلطة الحصول على ثقة الشعب في صناديق الاقتراع والاحتكام لإرادة الناخبين باعتبار الشعب في ظل الديمقراطية هو مالك السلطة وهو من يختار من يمثله في أجهزة الدولة ويقوم بتسيير شئون وأمور حياته وليس لأحد أن ينازعه هذا الحق. وتحت تأثير ذلك الهوس الذي سيطر على تلك الأطراف الحزبية استنفدت هذه العناصر كل جهودها في إعادة إنتاج نفسها وشخوصها التي لا يهمها سوى تأمين مصالحها الذاتية والأنانية مما أفقد الكيانات الحزبية التي تسيطر على مواقعها القيادية عطاءات الدماء الشابة التي تمثل المحرك الرئيسي للتطوير والرقي الديمقراطي للحياة السياسية والتنظيمية داخل تلك الكيانات. وبفعل كل هذه العوامل فشلت هذه القوى فشلاً ذريعاً في إعداد نفسها كمعادل سياسي عملي وموضوعي على الساحة الوطنية بعد أن انصرفت إجمالاً إلى البحث عن دور لها من خلال التشجيع على الممارسات الفوضوية التي تتصادم مع النظام والقانون والدستور، بل انها انساقت لتحرض على بعض المشاريع الصغيرة والدعوات المتخلفة التي تظهر هنا أو هناك رغم إدراكها أن الوطن اليمني قد تجاوز بوحدته المباركة ورديفها الديمقراطي تلك الموروثات البالية، التي يستحيل على أبناء شعبنا السماح بإعادة إنتاجها بعد أن تخلص من أغلالها وموروثاتها المتخلفة بوعيه الوطني ومنهجه الحضاري وإنجازاته الكبرى التي أزالت رواسب الماضي بكل مآسيها وآلامها ومثالبها، لينتقل الوطن إلى واقع جديد يشع بنور الحاضر وطموحات المستقبل. والشيء المؤسف أنه وبدلاً من أن تنحو تلك الأطراف الحزبية نحو الاتجاه الذي يمكنها من تصويب أخطائها وخطاياها، وتنشيط آليات أداء أطرافها ووقف سرطان التشقق الذي يتكاثر كالفطر داخل كياناتها، لجأت إلى الهروب من الأزمات المستفحلة في مفاصلها إلى المكايدات السياسية وتشويه الحقائق وافتعال الأزمات وانتحال الأعذار والمبررات الواهية ومحاولة تغييب وعي الناس، وجعل نفسها غطاءً لبعض التصرفات الرعناء الضارة التي تنهش في جسد الوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي، معتقدة أنها بهذا العقم والخواء السياسي ستتمكن من تحقيق بعض المصالح والمكاسب الحزبية والذاتية وأن ذلك سيؤمن لها فرصة الالتفاف على ما تفضي إليه إرادة الناخبين في صناديق الاقتراع. ولذلك فقد أهدرت هذه العناصر والأطراف الحزبية الكثير من الوقت والجهد في محاولاتها العبثية وألاعيبها المكشوفة وأوهامها وتصوراتها المشوشة، لتكرر الأخطاء تلو الأخطاء التي أوصلتها اليوم إلى درجة صارت فيها تعاني من حالة الاحتضار، بفعل تضخم النرجسية المفرطة إلى الحد الذي أصبح كل فرد فيها غارقاً في عقده ومغترباً عن واقعه ومحنطاً في فعله وزائغاً في فكره، في تخبط يعكس افتقاد هؤلاء لأية رؤية سياسية عملية تحترم قيم الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية، وهي أزمة لا تقل سوءاً وخطراً عن أزمة أولئك الغوغاء الواهمين بأن بوسعهم إعادة عقارب الزمن إلى الوراء واسترجاع أزمنة التسلط والوصاية على هذا الشعب أو بعض مناطقه دون وعي أن ذلك أبعد عليهم من عين الشمس، إن لم يكن المستحيل بعينه.