تشير أوساط إعلامية وسياسية الى الانتخابات الاسرائيلية بوصفها واحدا من العوامل التي حملت اسرائيل على شن حربها الوحشية على غزة. إذ يقال ان التيارات السياسية في الدولة العبرية تعلو او تنخفض في استطلاعات الرأي وفقا لسياسات " متوحشة" تجاه الفلسطينيين والعرب. مثال أول: تقول وزيرة الخارجية تسيبي ليفني انها لو انتخبت رئيسة للوزراء فهي ستقوم بترحيل مئات الالاف من الفلسطينيين الذين ظلوا في أرضهم التاريخية في العام 1948. على الاثر ترتفع اسهم ليفني في اوساط الناخبين وتتقدم على خصومها.مثال ثان: يقول ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي انه يريد قصم ظهر الفلسطينيين في غزة ويود القضاء على التيار الفلسطيني المقاوم ثم يبدأ بشن حربه الوحشية عبر اغتيال جماعي لرجال الشرطة الفلسطينية. ترتفع اسهمه على الفور ويتقدم مجمل منافسيه في استطلاعات الرأي. مثال ثالث: يقول بنيامين نتانياهو انه يود مواصلة الحفريات تحت المسجد الاقصى من اجل تظهير هيكل سليمان وانه لن يقبل بعودة الجولان لسوريا اذا ما انتخب رئيسا للوزراء وانه سيشن الحرب هنا وهناك فترتقع اسهمه في اوساط الناخبين ويتقدم على منافسيه. في هذا البازار الانتخابي المجنون والذي تسوده الدعوات لسفك دماء الفلسطينيين والعرب وسلبهم ارضهم والتعدي على رموزهم في هذا البازار لا مكان لشخصية اسرائيلية تتحدث عن السلام واعادة الحقوق الى اصحابها واحترام الفلسطينيين والعرب والاستجابة لمبادرة السلام العربية المطروحة منذ سبعة اعوام دون رد او استجابة جديرة بها. وفي هذا البازار الانتخابي المدجج بلغة الحرب والقتل والتعالي لا أمل في الاستجابة لما ينصح به بعض المعلقين العرب من محاولات لارضاء الرأي العام الاسرائيلي ذلك ان كل هذه المحالاوت تتساقط امام اول تصريح ناري بتأديب العرب بواسطة الحديد والنار يطلقه هذا الزعيم الصهيوني او ذاك. ولعل التجارب برهنت بوضوح أن احداً من العرب لم يحصل على حق اغتصبه الصهاينة الا بواسطة القوة والاجبار. لقد استعاد المصريون سيناء بواسطة حرب اكتوبر تشرين الاول عام 3791م ودخل ياسر عرفات الى الاراضي الفلسطينية المحتلة بواسطة الثورة المسلحة واستعاد لبنان اراضيه المحتلة دون قيد او شرط بعد قتال شرس دام لاكثر من عشرين عاما ودمرت اسرائيل مستوطناتها وسحبت مستوطنيها من غزة بعد مقاومة غالية الكلفة على الدولة الصهيونية ومستوطنيها. والثابت ان تل ابيب هي التي تدفع العرب والفلسطينيين الى الاعتقاد بأن «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» ولا يخفي معلقو الصحف العبرية هذا الواقع فهم يشيرون اليه بين الحين والآخر في لحظات المكاشفة النادرة لقرائهم. رغم ثقافتها السياسية الوحشية ورغم اساليبها الدموية تحظى الدولة العبرية بالمديح من طرف أوساط غربية منافقة إذ توصف ب " الديموقراطية الوحيدة في محيطها" أو ب " الموقع المتقدم للحضارة في الشرق الاوسط " الى حد وصفها ب" معجزة القرن العشرين". فهل الوحشية صنو للديموقراطية وهل الديموقراطية تعني الاقتراع بدماء شعب شبه اعزل وسلبه ارضه وحقه؟ وهل" الدولة الحضارية" تنهض على المجازر والحروب الدورية وقتل الاطفال والنساء وتدمير بيوت الفقراء؟ هذه الاسئلة وغيرها لا يبدو انها تشغل اصحاب الاوصاف الجليلة التي تطلق على اسرائيل الامر الذي يحيل تلك الاوصاف الى اكاذيب تختلف عن غيرها بكونها ممهورة بدماء الفلسطينيين. وهنا لا بد من التذكير بأن الديموقراطية تعني حكم الشعب لنفسه بنفسه من اجل نفسه وهي بهذا المعني تلقي المسؤولية التامة على هذا الشعب في اختيار حكامه فاذا كان اختيارهم يتم وفق قاعدة الاكثر قدرة من بينهم على ارتكاب المجازر والاكثر قدرة من بينهم على استخدام الطائرات والدبابات واالبوارج الحربية والمدفعية الثقيلة في تدمير احياء سكنية. اذا كان هذا الاختيار اختياراً شعبياً فإن الشعب الاسرائيلي مشبع بالروح الهمجية وبالتالي فان الذين ينافقونه بالاوصاف الحضارية والديموقراطية يغطون عن قصد او عن غير قصد هذه الهمجية بل يمكن الحديث عن شراكة لما يسمى بالمجتمع الدولي في الجرائم الاسرائيلية لان الاطراف الفاعلين في هذا المجتمع يحولون دون ادانة جرائمها ويغطون همجيتها. إن الهمجية الاسرائيلية التي نشاهد تفاصيلها الدموية في قطاع غزة بواسطة البث المباشر عبر الفضائيات العربية والاجنبية تتساوى في حجمها ومضمونها وعنصريتها مع الوحشية النازية، وبالتالي لا قيمة للفارق الديموقراطي بين النظامين. ذلك ان الاصل الاخلاقي في المفاهيم الديموقراطية لا يكمن في ممارسة حق الاختيار بل في نوعية هذا الاختيار فإن كان على الشاكلة الاسرائيلية فهو همجي دموي وان كان على الطريقة الاسكندنافية فهو الاقرب الى الاخلاق الديموقراطية المرجوة. تبقى الاشارة الى ان ما يجري في غزة هذه الايام يطعن في الصميم ليس المزاعم الديموقراطية الاسرائيلية وانما المنظومة الاخلاقية العالمية والقانون الدولي الذي لا يحمي اطفال غزة من شهوة القتل الاسرائيلية المحمية من كبار هذا العالم اي من منافقيه.