بالإضافة إلى فضائحه ومساوئه العديدة سيلتصق تاريخ الرئيس الأمريكي الذي سيرحل في الأسبوع القادم إلى الأبد إن شاء الله بالمذبحة الإسرائيلية في غزةالفلسطينية. ولعل من المحتمل أنه ومساعدته وزيرة الخارجية كونداليزا رايس قد تآمرا مع إسرائيل على شن الحرب الشاملة تقريباً على غزة في الشهر الأخير من عهده حتى لا يتحمل المسؤولية الأخلاقية عنها كما تدل تصريحات البيت الأبيض والسيدة رايس ذاتها منذ بداية الهجوم الإبادي. ومن الواضح اليوم وحتى ظهور هذا المقال في جريدتنا الغراء أن توقيت المجزرة أو الحل النهائي الذي خططت له إسرائيل وتحدثت عنه رايس كان مدروساً منذ فترة طويلة. وإلا لما طال أمد الهجوم الأشرس في فلسطين منذ زمن طويل ولما استخدمت إسرائيل من السلاح الجوي والبري والبحري ما لم يحصل إلا ضد دول مجاورة. وحتى الآن لم يحدث ذلك لأن سوريا ومصر تحافظان على اتفاقيات سلام مبرمة مع إسرائيل لم تخرقاها منذ عام 1973 كما أن المقاتلين في حزب الله اللبناني كانوا في منأى نسبياً عن الأسلحة الثلاثة بسبب وعورة الجبال والطرقات وتحصنهم الجيد واستعدادهم لهجمات إسرائيلية مهما كانت.في غضون ذلك كتب الأستاذ رشيد خالدي، بروفيسور الدراسات العربية في جامعة لومبيا، نيويورك، مقالاً رائعاً بقدر ما كان هادئاً وموضوعياً، نشرته جريدة "نيويورك تايمس"، عن الوضع في غزة تحت عنوان "ما لا تعرفه عن غزة"، جاء فيه: "معظم سكان غزةالفلسطينيون جاؤوا إليها بالإكراه من مدنهم وقراهم بالقرب منها بعدما طردهم الإسرائيليون عام 1967". وهي كما نعلم حرب الأيام الست التي انهزم فيها العرب سيما مصر وسوريا والأردن واحتلت بعدها إسرائيل أراضي الدول الثلاث وكل فلسطين. بما فيها القدس الشريف ووصلت قواتها ورابطت على ضفاف قناة السويس وأضحت مدافعها تطلق النار نحو أي هدف مصري على الضفة المقابلة حتى دمرت المصافي والمدن العامرة هناك التي نعرفها."بعد إعلانها الانسحاب من غزة أيام رئيس الوزراء أريال شارون عام 2005 ظلت إسرائيل تسيطر على وسائل وطرقات الوصول إلى والخروج من غزة براً وبحراً وجواً، كذلك الصادرات والواردات وتعتدي على اراضيها بقواتها حسب مشيئتها". ويضيف الأستاذ رشيد أن اتفاقية جنيف الرابعة تفرض – طبعاً نظرياً – على إسرائيل رعاية مصالح أهالي غزة. ومع ذلك تظل إسرائيل متنفذة على كل وجوه الحياة هناك."تستمر إسرائيل في محاصرة غزة بدعم من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وتضيق الخناق عليها سيما بعد فوز حماس بأغلبية الأصوات في الانتخابات الأخيرة". وتلك السيطرة التي أرى أنها تفوق حتى أسوأ أنواع الاستعمار الأوروبي للدول الشرقية ومدنها العربية في القرن الماضي، تشمل التحكم في الوقود، والكهرباء، والبضائع القادمة والمغادرة، حركة الأهالي إلى الداخل والخارج مما شدد الخناق عليهم إلى درجة هددت حياتهم رجالاً ونساءً وأطفالاً ودمرت وسائل وخدمات الصحة والنظافة والمياه والمواصلات."كل ذلك سبب للناس الفقراء المزيد من البطالة والعوز وسوء التغذية لأن الأهالي عبروا عن إرادتهم السياسية بحرية. أي حسب رغبات الولاياتالمتحدة التي لم تكن تتوقع أن تصوت الغالبية من السكان لحماس بدلاً من فتح ومنظمة التحرير. وكل ذلك بتأييد من الولاياتالمتحدة"."في شهر يونيو من العام الماضي تم الاتفاق على وقف اطلاق النار الذي اشترط إيقاف إطلاق الصواريخ من غزة مع العلم بأنها لم تكن ذات أثر يذكر. وحدث تخفيض حاد في عددها خلال الأشهر الأربعة التالية. ثم مزقت إسرائيل الهدنة بشن هجمات جوية وبرية هوجاء في بداية شهر نوفمبر قتل فيها ستة من حماس". ومنذ ذلك الحين ونحن نرى ما يحدث من منكرات.. ومنذ ذلك الحين وفي غضون الأسبوع الجاري نشرت وكالات الأنباء أن حكومة الولاياتالمتحدة دعت شركات جوية لنقل إمدادات من السلاح والذخيرة إلى إسرائيل لمواصلة تدميرها لغزة وقتل من فيها لأن القوات اليهودية تبدو في حاجة إلى المزيد من القذائف والصواريخ الجوية والبرية والبحرية وقنابل المدفعية بعدما استهلكت أكثر ما كان لديها في مخازنها. قالوا إن إسرائيل امتنعت حتى الآن عن اللجوء إلى الذخيرة النووية التي تمتلك منها كمية كبيرة بالإضافة إلى أكثر من مائتي قذيفة ذرية تكفي الواحدة منها لتدمير مدينة بحجم غزة. حسناً لكنها تستخدم ذخيرة مصنوعة باليورانيوم السام الذي يدخل في صناعة السلاح النووي بالطبع. كما أنها تستخدم بغزارة الفسفور الأبيض كما أعلنت جمعية بارزة معنية بحقوق الإنسان وحذرت من خطورتها على المدنيين. وقالت هيومان رايتس ووتش "إن باحثيها في إسرائيل رصدوا انفجارات متعددة في الهواء لفوسفور أبيض أطلق من مدفعية بالقرب من غزة ومخيم جباليا للاجئين". وقالت الجماعة "إن إسرائيل بدا أنها تستخدم الفوسفور الأبيض لإخفاء عملياتها الحربية وله تأثير قوي يمكن أن يؤدي إلى حروق شديدة عند الناس ويحرق المباني والحرث والمواد المدنية" لكن كل ذلك لا يهم إسرائيل أو أمريكا لأن الهجمات لم تفرق بين المقاتلين والمدنيين "ولا يمكن لها أن تفعل" كما أعلنت وزيرة الخارجية رايس التي تواصل تبرير الوحشية الإسرائيلية وكأنها المسؤولة الأولى عن نجاح الدمار حتى وهي على وشك مغادرة الحكومة الأمريكية خلال الأسبوع القادم لأنها تخشى إغضاب اللوبي اليهودي عند بحثها عن وظيفة جديدة في بلادها. والمعروف أن اللوبي يتمتع بقوة هائلة للتأثير على عملية تعيين وتوظيف كبار الأمريكيين في الجامعات التي تسعى رايس للعودة إليها لتدريس العلوم السياسية كما كانت تفعل مستفيدة من تجاربها العديدة في الاشتراك الوهمي لحل قضية الشرق الأوسط التي رسمها رئيسها جورج بوش قبل عام في مؤتمر أنابوليس وهو يعلم علم اليقين أن المسألة كلها كانت ضحكاً على الذقون العربية ومجاملة واهية للرأي العام الأوروبي خصوصاً بعد فشل مهمة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي تعين مندوباً للأمم المتحدة بعد سقوطه من منصبه السابق بعد الاستفادة من ميزانيته. في هذا الخضم يظل الشعب الفلسطيني منقسماً تحت رايات مختلفة وشعارات أكثرها جوفاء وفصائل تبغض بعضها ربما أكثر مما تكره إسرائيل والصهيونية كما تبين لنا بجلاء خلال المأساة الجارية وكأننا لم نتعلم درساً واحداً نافعاً خلال القرن الماضي والعقد الجاري من القرن الحادي والعشرين.