أخطأ الذين رحَّلوا المبادرة اليمنية بانشاء "اتحاد عربي" الى الدورة القادمة للجامعة العربية، وقد ظهر هذا الخطأ في حجمه الحقيقي عندما التقى العرب مع امريكا اللاتينية في قمة الدوحة. اللاتينيون جاءونا بتلك الموجة العارمة من النهوض والعزة والمعنويات العالية وباتحادهم الوليد، وهو أبعد ما يكون عن الاتحاد الاندماجي، فيما نحن رحَّلنا للتو مبادرة اتحادية مشابهة لا الزام فيها ولا اندماج. مبادرة طوعية تتيح عملا مشتركاً منسقاً مفيداً لمصالح الجميع لاضرر فيه ولا ضرار لأحد. لقد رحلناها دون سبب وجيه ودون ضرورة عاجلة بل ربما بفعل اهمال يثير الدهشة والأسف في الآن معا. لا أدري لماذا نرحل مشروع اتحاد ليس مبنيا على الايديولوجيا وليس محكوماً بالطمع ولا نوايا مبيتة في تضاعيفه بل جاء مدروساً بعناية، حتى لايثير حفيظة أحد وحتى يرعى فيه كل عضو في الجامعة مصالحه ولو لم يكن الامر على هذا النحو لما وافق البرلمان العربي الذي يضم ممثلين لكل الدول العربية على المشروع بالاجماع، ولما تبناه رئيس البرلمان العربي علنْا في كلمته أمام القمة ودافع عنه باسم زملائه النواب العرب مجتمعين. لقد أريد لهذه المبادرة ان تكون نموذجية وأن تمرَّ عبر الأطر المؤسساتية والاَّ تأتي من فوق وأن تُطرح باسم ممثلي كل الدول فاذا بها تُرحَّل الى القمة المقبلة وترحيلها لا يعني الاستغناء عنها بل يعني ان العرب سيبحثون جدواها لاحقا ولا أبالغ بالقول إنهم سيقرونها لأنها تتجاوب مع ظروف العصر ومنطقه و تستفيد من المتغيرات التي طرأت مؤخراً على الساحة الدولية، والتي اتاحت لغيرنا ان يوظفها سريعاً في خدمة مصالحه فيما نحن نتباطأ ونهدر الوقت في التركيز على مسائل في عملنا المشترك ليست كلها في مستوى المبادرة أهمية وتقديراً. لا لم يخسر اليمن الوقت الضائع بين هذه الدورة والدورة المقبلة ذلك أن مبادرة الاتحاد هي للجميع وليس لبلد بعينه، وعليه فالخاسر هو العمل العربي المشترك وكل خسارة في هذا المجال هي خسارة في السباق بيننا وبين غيرنا من الامم التي تتمتع باحساس عال لأهمية الوقت ولدوره الحاسم في التقدم والتخلف. الحل بين ايدينا. يبذل قادة الدولة العبرية جهوداً حثيثة لتسويق حكومة «بنيامين نتنياهو» في اوروبا والولاياتالمتحدةالامريكية. فقد اكد «شيمون بيريس» رئيس الدولة خلال زيارة رسمية ل "تشيخيا" أن الحكومة القادمة ستعمل من أجل السلام وتلتزم بقرارات الحكومات السابقة ومثله فعل «ايهود اولمرت» الذي عبَّر عن اعتقاده بأن خلفه سيعمل ما بوسعه لتحقيق الأمن والسلام للشعب اليهودي ومن المنتظر أن يبذلً ايهود باراك المصنف زعيمَّا لليسار في دولته جهودا مماثلة لتسويق الحكومة الجديدة في الخارج بعد ان انخرط فيها مع خمسة من وزراء حزب العمل. ومن غير المستبعد ان يقدم نفسه لمحاورين غربيين مفترضين على ضفتي الأطلسي كضامن لمواصلة محادثات السلام في الحكومة الجديدة. وتتزامن هذه المساعي مع تصريحات اوروبية واميركية غير مسبوقة في لهجتها التحذيرية للكيان الصهيوني، فقد جاء في بيان صريح لللاتحاد الاوروبي -نهاية الاسبوع المنصرم- ما مفاده ان على «نتنياهو» ان يقبل "حل الدولتين" وان لم يفعل فان اوروبا "ستبني على الرفض مقتضاه". ومن جهته اكد الرئيس باراك اوباما ان "الستاتيكو" القائم لن يعمَّر طويلاً وأنه لا بد من تحقيق تقدم على مسار مشروع الدولتين. من جهة ثانية يبدو ان الموقف العربي من "مبادرة السلام" قد تحرك قليلا في قمة الجامعة العربية الأخيرة التي جاء في بيانها الختامي ان المبادرة تستمر على الطاولة اذا قبلت بها اسرائيل والا فإنها قد لا تبقى طويلا. اضف الى ذلك ان اصواتا اوروبية وغربية مهمة علت للمرة الاولى مطالبة بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الصهاينة اثناء العدوان على غزة..يأتي ذلك في مناخ اوروبي واطلسي مثقل بتداعيات أزمة الاسواق العالمية وبمعالجة النتائج الكارثية للسياسة الخارجية الامريكية في عهد الرئيس المنصرف جورج بوش وبالتالي البحث عن انسحاب عسكري امريكي بلا صعوبات من العراق وتدبير استراتيجية خروج "مشرفة" من افغانستان تحفظ ماء الوجه ولعل ذلك يجعل من الصعب على الدول الغربية ان تتحمل نتائج مغامرات اسرائيلية جديدة في الشرق الاوسط توعد بها الثنائي «نتنياهو ليبرمان» خلال الحملة الانتخابية المنصرمة. والواضح ان القابلية الأوروبية لمساعي «بيريس» ليست مضمونة فالتحفظ هو سيد الموقف في المانيا وفرنسا وبريطانيا واسبانيا اما «تشيخيا» فلا تحتاج لمجهود تسويقي باعتبارها الدولة الاوروبية الاكثر التصاقا بالسياسة الخارجية الاسرائيلية وقد تعرضت لضغوط جدية حتى لا تخلط بين رئاستها للاتحاد الاوروبي وبين مواقفها المؤيدة للدولة العبرية بلا شروط. في السياق يبدو أن القابلية الامريكية لمساعي التسويق الاسرائيلية عصية على القياس بدقة جراء تفاوت التصريحات بين الرئاسة والخارجية والامن القومي لكن من غير المنطقي ان تبارك واشنطن سياسة صهيونية متطرفة في الاراضي المحتلة وبخاصة مشاريع استيطان كبيرة وتغيير ملامح القدس ناهيك عن مغامرة عسكرية جديدة في غزة او في جنوب لبنان على غرار حربي 2006 و2008 . ثمة من يعتقد ان الظروف الدولية والاقليمية كانت تحتاج الى حكومة اسرائيلية على النقيض تماما من الحكومة الراهنة والى رئيس وزراء اسرائيلي مختلف عن نتنياهو الذي ينتمي الى عائلة كان الاب فيها سكرتيرا ل" زيف جابوتنسكي" المعروف بدفاعه العنيد عن اسرائيل الكبرى وبدعوته الى" معاملة العرب كمعاملة الجرذان". و سقط الابن الاكبر( يوناتان) في العائلة قتيلا في عملية عنتيبي. وقضى الأصغر (بنيامين) حياته في تأليف كتب ضد ""الارهاب" الفلسطيني وكان الاقرب بين زعماء الكيان للمحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة ناهيك عن رفضه ل "اتفاق أوسلو" وانسحابه من حكومة شارون(2005م) احتجاجا على تفكيك المستوطنات والخروج من القطاع الفلسطيني و أخيراً رفضه لايقاف الحرب على غزة ولحل الدولتين ... الخ وقد اختاره الاسرائيليون لمواقفه تلك تماما كما اختاروا شريكه «ليبرمان» لدعوته الصريحة لطرد عرب فلسطين.ينطوي هذا الاعتقاد على قراءة ساذجة للخريطة السياسية الاسرائيلية ولعلها قراءة مستمدة من الجدال السياسي الاسرائيلي نفسه ذلك ان ما يقوله نتنياهو بصوت مرتفع يفكرفيه القادة الاسرائيليون بصوت منخفض ولو لم يكن الامر على هذا النحو لما بادر بيريس وباراك واولمرت لتغطيته وتسويقه في اللحظة المناسبة أولاً عبر الانضمام "اليساري المزعوم" لحكومته وثانيا عبر حشد التأييد الخارجي له. اما الانسحاب من غزة ومن جنوب لبنان والبحث في مشروع الدولتين فلا ينم عن فارق جوهري في المواقف والثقافة السياسية الاسرائيلية بين القادة الاسرائيليين وإنما عن تقدير متفاوت لكيفية خدمة المشروع الصهيوني في ظرف محدد وفي مواجهة قوى معينة. فقد سبق لرئيس الوزراء الراحل «مناحيم بيغن» وهو ينتمي الى المدرسة الصهيونية التي خرج منها نتنياهو سبق له ان انسحب من سيناء لقاء ثمن باهظ تمثل باخراج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي ومن غير المستبعد ان يسير " بيبي " -كما يسميه انصاره- على الرسم نفسه في ظرف مناسب.خلاصة القول إن تسويق "اليسار" المزعوم لحكومة نتنياهو يهدف الى توسيع هامش المناورة امام هذه الحكومة وبالتالي الحؤول دون تطويقها بجدار دولي عازل كما جرى مع حكومة ارييل شارون وينم ذلك عن تضامن داخلي يصح معه القول إن كل القادة الصهاينة "نتنياهو" وبالتالي لاجدوى من الرهان على تناقضات مزعومة بينهم.بالمقابل يتوجب الا تخدعنا التصريحات الغربية المتحفظة على الحكومة الجديدة فسرعان ما يزول التحفظ اذا ما تبين للغربيين ان المواقف العربية تجاه رئيس الوزراء الجديد القديم واهية واذا ما ترآى ان عزم المقاومة والتصميم على التحرير قد تراجع. في هذه الحالة ينتصر "معسكر نتنياهو" الاسرئيلي بكافة تلاوينه ونخسر مرتين مرة في عدم الاستفادة من الظروف الدولية والاقليمية المواتية لانتزاع حقوقنا ومرة ثانية في توفير انتصار آخر لعدونا. بهذا المعنى يمكن القول دون تردد إن الكرة في ملعبنا وليس في ملعب نتنياهو.