شبوة .. توجيهات بإغلاق فروع شركات تجارية كبرى ومنع دخول بضائعها    العالم مع قيام دولة فلسطينية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    جحيم المرحلة الرابعة    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    في خطابه التعبوي المهم قائد الثورة : استبسال المجاهدين في غزة درس لكل الأمة    العلامة مفتاح يحث على تكامل الجهود لاستقرار خدمة الكهرباء    لمناقشة مستوى تنفيذ توصيات المحلس فيما يخص وزارة الدفاع ووزارة الكهرباء..لجنتا الدفاع والأمن والخدمات بمجلس النواب تعقدان اجتماعين مع ممثلي الجانب الحكومي    ألغام في طريق الكرامة    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    أبين.. مقتل شاب بانفجار عبوة ناسفة في لودر    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    عدن.. البنك المركزي يوقف ويسحب تراخيص منشآت وشركات صرافة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    المعتقل السابق مانع سليمان يكشف عن تعذيب وانتهاكات جسيمة تعرض لها في سجون مأرب    أبو عبيدة: مستعدون للتعامل مع الصليب الأحمر لإدخال الطعام للأسرى    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    اجتماع للجنتي الدفاع والأمن والخدمات مع ممثلي الجانب الحكومي    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    العسكرية الثانية بالمكلا تؤكد دعمها للحقوق المشروعة وتتوعد المخربين    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب 12
نشر في 26 سبتمبر يوم 30 - 04 - 2009


الارهاب لا يؤمن بمبدأ الولاء للوطن
ارتبط صعود الصحوة الجديدة للاسلام السياسي في اليمن والسعودية بانتشار ظواهر التشدد في ممارسة التدين السني الحنبلي الوهابي لجهة تعظيم ما يسميه بعض المحللين ( اسلام المظاهر ) أو (الإسلام القشري) مثل: إعفاء اللحية، وتحريم إسبال الثياب ، وتكفير الغناء والموسيقى والفنون والرسوم والتصوير ،
والتحريض على معادة غير المسلمين وكراهيتهم ، حيث درج الصحويون على ربط هذه المسائل بعقيدة ( الولاء والبراء) التي يعترونها ركنا من أركان الدين الاسلامي .
والثابت أن عقيدة الولاء والبراء كانت ولا زالت بمثابة الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الاخواني الصحوي في اليمن والسعودية وسائر البلدان العربية ، قبل أن تتحول الى عقيدة سياسية ودينية للجماعات الجهادية السلفية الارهابية وفي مقدمتها تنظيم ( القاعدة ) على نحو ما أوضحه القائد الثاني والمنظر الايديولوجي لهذا التنظيم الارهابي الدكتور أيمن الظواهري ، في كتابه الشهير ( الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود ) الذي زعم فيه أن الولاء والبراء فريضة الهية لايكون إيمان المسلم إلا بها .
بوسع من يقرأ كتاب الظواهري عن الولاء والبراء أن يلاحظ تطابقا تاما بين أفكاره بهذا الشأن و أفكار شيوخ الحركة الصحوية في اليمن والسعودية وأبرزهم محمد بن عقلاء الشعيبي وربيع بن هادي المدخلي وعلي الخضير وناصر الفهد و محمد سرور بن نايف زين العابدين وعبدالمجيد الزنداني وياسين عبدالعزيز وعبدالله صعتر وعبدالوهاب الديلمي وغالب عبدالكافي القرشي وغيرهم ممن لا يتسع الحيز لذكر أسمائهم .
وبحسب هذه الايديولوجيا التي يسترشد بها الصحويون ، تعد علاقات الصداقة بين الدول والشعوب والمجتمعات الاسلامية مع غير المسلمين كفرا وخروجا صريحا عن الدين ، ويندرج ضمن الكفر والخروج عن أول الدين إكرام غير المسلمين عندما يزورون ديار الاسلام أو يعيشون فيها بدعوى أنهم ضيوف مستأمنون ، كما لا يتجوز المشاركة في أفراحهم والتعزية في أحزانهم سواء في ما يسميه الصحويون ( دار الكفر ) أو ( دار الاسلام ) !!
لا يكتفي الصحويون بهذا القدر من تعريف عقيدة الولاء والبراء ، بل أنهم يذهبون الى أبعد من ذلك ، حيث يحرمون الالتزام بتنفيذ أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقوانين المدنية التي تساوي في العقوبات بين المسلمين وغير المسلمين وبين الرجال والنساء . كما يحرم الصحويون التعاملات بين المسلمين وغير المسلمين من خلال مواثيق واتفاقيات دولية لم يتحدث عنها الفقهاء الأسلاف . كما أنهم يحرمون أيضا الاشادة بما وصل اليه غير المسلمين من تقدم تكنولوجي وحضاري ، ويدخلون في فسطاط الكفر كل من يدعو الى الحوار معهم ، ويأخذ من علومهم ونظمهم ن وكل من لا يعلن البراء منهم من خلال إظهار العداوة والبغضاء والكراهية لغير المسلمين ، وتجنب توجيه التحية لهم أو مصافحتهم ، ورفض تقليدهم في اللباس والعيش والسكن !!
وانطلاقا من مفهوم الحركة الصحوية الاخوانية للولاء والبراء بما هي الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي لا يعترف الصحويون السلفيون( بشقيهم المدني السلمي والجهادي الارهابي) بالولاء الوطني ، بل أنهم يستبدلونه بالولاء الديني العقدي الذي يتذرعون به في دعوتهم لخروج الناس إلى الأقطار الأخرى لقتال غير المسلمين تحت مسمى الجهاد في سبيل الله !
ولاريب في ان نشر فكرة الولاء للعقيدة على حساب الولاء الوطني، يفسر لنا تعاطف شريحة كبيرة من المواطنين والشبان اليمنيين والسعوديين مع الحركات الجهادية في شتى أقطار الأرض، حتى وإن كانت الأرض التي يستهدفونها هي الأراضي اليمنية والسعودية ذاتها!
فالصحويون لا يؤمنون بمبدأ الولاء للوطن إنطلاقا من آيديولوجيا الولاء والبراء التي استبعدت القضايا الوطنية من الخطاب الإعلامي الصحوي العربي واليمني والسعودي،حيث يتم تعبئة الناس ضد الدولة الوطنية، وتحريضهم على إضعافها والتمرد عليها في سبيل بناء الدولة الأمة، وإقامة نظام الخلافة الذي يعتبر هدفاً استراتيجياً للاسلام السياسي الذي أنبعث على يد جماعة الاخوان المسلمين منذ تأسيسها كرد فعل على إلغاء نظام الخلافة وإقامة النظام الجمهوري في تركيا بعد قيام الثورة التركية بقيادة كمال اتاتورك والتي كانت بدورها نتيجة طبيعية لتحلل نظام الخلافة وهزيمته في الحرب العالمية الأولى.
تأسيسا على ذلك يرى الشيخ الزنداني بحسب ما قاله في الحوار الذي أجرته معه صحيفة ( الوسط ) ونشرته في عددها رقم 233 الصادر يوم الاربعاء 1 أبريل 2009م ان الكيان الاسلامي لا يعرف الحدود المصطنعة بين البلدان الاسلامية ، حيث يحق للمجاهدين التطوع لقتال العدو الكافر إذا عجزت الجيوش الاسلامية الرسمية من أداء هذا الواجب (الشرعي ) أو امتنعت عن القيام به ، بمعنى عدم الاعتراف بالسيادة الوطنية للدول والحكومات الاسلامية على أراضيها وحدودها .
من جانبه لا يعترف الشيخ سلمان العودة بحقيقة الوطن ، حيث يقول في كتابه ( رسالة من وراء القضبان) ]
( ولست أبغي سوى الإسلام لي وطنا
الشام فيه وباكستان سياني
وحيثما ذكر اسم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني )
ثم يضيف قائلا :
( لا يوجد شيئ اسمه قضية أو قضايا وطنية ..قضيتنا قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان، ينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما كان أو مظلوما كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام ) .
ولئن كان خطر الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الصحوي يكمن في عدم الاعتراف بفكرة الوطن الذي يستبدله الصحويون بفكرة الكيان الاسلامي، فإن خطورة هذه الايديولوجيا تتسع حين يخرج الصحويون كل المسلمين الذين يخالفونهم الرأي والفكر من دائرة الاسلام ويرمونهم بالكفر والشرك ، حيث لا يسقط عنهم حق الانتماء الى الدين بل وحق المواطنة الاسلامية أيضا . وهو ما يمكن الاستدلال عليه من كتيب للشيخ سفر الحوالي بعنوان ( الأقلية حين تتحكم بالاغلبية ) الذي قال فيه : ( لا نؤمن بالوطنية ولا بالقومية .. بل كلها عصبية جاهلية وضعها الرسول تحت قدميه .. وفي هذه البلاد يولد الشيعي ويموت شيعيا دون أن يحاسبه أحد بحجة أنه مواطن لم يتعدى على قوانين الدولة ولم يقصر في واجب ما يسميها العلمانيون المواطنة.. أما ما يعتقده أهل السنة في الشيعة وغيرهم قاتلهم الله ، وما يجب عليهم من بيان الحق ودعوة الأمة الى العقيدة الصحيحة فهذا واجب ديني تجاه كل من يعيش في دار الاسلام ولا يجوز للحكومة الاسلامية إسقاطه بحجة ما يسمى احترام حقوق المواطنة المتساوية بين أتباع المذاهب الاسلامية المختلفة كما يروق للبعض إطلاقه على الفرق الضالة والمشركة ) .
مما من شك فيه أن إطلالة بسيطة على الحهاز المفاهيمي لعقيدة الولاء والبراء في منظور الصحوة الجديدة للاسلام السياسي سوف تساعد على إعادة اكتشاف مفاعيل البيئة الثقافية التي ساهمت الحركة الصحوية في تشكيلها وتغذيتها بالأفكار التكفيرية التي مهدت الطريق لتأصيل ثقافة العنف والارهاب في اليمن والسعودية على تربة التزاوج بين الفكر الاخواني القطبي والفكر الوهابي السلفي وكلاهما ينطويان على نزعة تكفيرية بامتياز .
وكان المفكر والداعية الاسلامي السعودي الشيخ حسن بن فرحان المالكي قد أصدر كتابا بعنوان ( محمد بن عبدالوهاب داعية وليس نبيا ) وجه فيه نقدا شديدا لجذور الحركات التكفيرية في الفكر الوهابي ، مشيرا الى ان النقاد بالغوا في نقد سيد قطب لأنهم وجدوا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، لكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قام بتوسيع دائرة التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه!
ويشدد الشيخ حسن بن فرحان المالكي على ضرورة ( بيان أخطاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب في جانب التكفير، لأن المجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربوا على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة الذين كانوا يميلون لتكفير المسلمين، ولابد أن يتأثر بعضهم بهذا الجانب، وقد رأينا فتاوى لبعضهم في الحكم بردة بعض الناس الى درجة تبادل التكفير بين علماء الدعوة أنفسهم عندما اختلف أولاد الأمير فيصل بن تركي (عبد الله وسعود) -رحمهم الله- فكان مع كل أمير علماء يكفرون الطائفة الأخرى ) !!!
ويرصد الشيخ المالكي في كتاب (الدرر السنية) مجلدين كبيرين بعنوان (الجهاد)، كليهما في جهاد المسلمين، وليس فيه حرف واحد في جهاد الكفار الأصليين من اليهود والنصارى، مع أن بلاد المسلمين المجاورة في الخليج والعراق والشام كان فيها مستعمرون محتلون غير مسلمين !!!؟؟
ويذهب المالكي الى تعريف (الفوضى التكفيرية) بوصفها (( نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي توسع في التكفير، حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها. بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا والمحيا وغيرها من المدن السعودية ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير )) !!.
في الحلقات السابقة من هذا المقال سبق لي القول أن الاسلام السياسي شهد تحولا خطيرا بعد التزاوج الذي تم بين الاخوان المسلمين والمؤسسة الدينية غير الرسمية في المملكة العربية السعودية على تربة الصدام بين جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو من جهة، وبين التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بعد فرار الاخوان الى السعودية عقب فشل محاولة اغتيال جمال عبدالناصر التي خطط لها الجهاز السري الخاص للاخوان ونفذها في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954م ، ما أدى الى صدور قرار من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو بحل تنظيم الاخوان وهجرة قياداته وكوادره الى السعودية ، الأمر الذي أسفر عن إعادة بناء الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي على تربة تكفير المجتمع العربي والاسلامي والنظام الدولي وتقسيم العالم الواقعي الى فسطاط للامان وآخر للكفار وغير ذلك من الأفكار المتطرفة التي تبلورت في كتاب معالم على الطريق للمفكر الاخواني سيد قطب ، ثم تبلورت في ما تُسمى الصحوة الاسلامية والفكر الصحوي ، خصوصا بعد اختلاط الايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي بمخرجات فقه عصر الانحطاطة والفكر الوهابي التكفيري في بيئة الجهاد الأفغاني التي لا يجب إنكار وتبرئة الإخوان ودور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في صناعة تلك البيئة الجهادية التي ألحقت كوارث خطيرة بالعالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي جعل الأخوان المسلمون من أراضيها ومؤسساتها الخيرية منشأ ً للايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي. ولعل ذلك يفسر المعاني العميقة للتصريح الشهير الذي أصدره الأمير نائف بن عبدالعزيز عام 2004 وتداولته على نطاق واسع الاعلام السعودية والعربية والعالمية ، والذي أتهم فيه الإخوان المسلمين بأنهم أصل المصائب في العالم العربي والإسلامي .
ومن نافل القول أن المملكة العربية السعودية دفعت ثمنا كبيرا من جراء انتشار الفكر الضال والثقافة المتطرفة في المجتمع السعودي من خلال المناهج الدراسية والمدارس الدينية وتكايا المساجد والجمعيات الخيرية والتجمعات والمخيمات الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن ، بالإضافة إلى نمط الحياة المتشددة الذي يحاول المتطرفون تسويقه وفرضه بالقوة تحت واجهة حماية الفضيلة وردع المنكرات، عبر تحريم الغناء والموسيقى والألعاب الرياضية والسينما ومختلف الفنون، وصولاً إلى تكفير المجتمع والدولة وممارسة الإرهاب والعنف ضد مؤسسات الدولة والتجمعات السكنية والمواطنين الأبرياء.
من يتابع المشهد السياسي والثقافي والإعلامي في السعودية سيلاحظ بكل وضوح أن الأفكار المتطرفة تتراجع في بلد المنشأ، وأن الحوار مع تنظيم ( القاعدة ) الذي يدعوا اليه بعض الصحويين في اليمن ليس جديداً أو إختراعا يمنيا ً.. فقد كان شيوخ الحركة الصحوية في السعودية سباقين في ذلك ، بيد أنهم فوجئوا بموقف رافض وحازم من الحكومة السعودية التي رفضت الحوار مع الارهاب واستبدلته بما تسمى بلجان المناصحة التي كانت ولا زالت تتحاور مع أعضاء وأتباع القاعدة من المتورطين في جرائم إرهابية في السجون السعودية على غرار ما كان يفعله الأخ القاضي حمود الهتار مع الموقوفين في سجون الأمن السياسي .
لا أريد أن أعلق على نتائج حوارات الهتار التي يرى كثيرون أنها لم تمنع استمرار الجرائم الإرهابية ، ناهيك عن الأسرار الخطيرة التي كشفها ناصر البحري سائق أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في حوار مهم جدا نشره موقع ( نيوز يمن ) بتاريخ 8 يوليو 2007 وأعادت نشره صحيفة ( الوسط ) آنذاك ، كشف فيه النقاط عن اسرار مثيرة تتعلق بكيفية تعاطي أعضاء وأتباع تنظيم ((القاعدة)) مع حوارات الهتار!!، لكنني سأتحدث حول نتائج عمل لجان المناصحة في السعودية والتي لم يكن لها أي تأثير على وقف انتشار الجرائم الإرهابية في السعودية . مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة مواجهة جادة للإرهاب في السعودية تتمحور بدرجة رئيسية حول تجفيف وسد منابع الثقافة المتشددة والأفكار المتطرفة في مناهج التعليم والمساجد والجمعيات الخيرية والخطاب الديني والمناشط الدعوية بأشكال ووسائل مختلفة .. ولعل من يقرأ الصحف السعودية اليومية ملاحظة أنها أكثر جرأة وجدية في مواجهة هذه الثقافة في بلد المنشأ قياسا إلينا في اليمن. وكانت الصحف السعودية قد نشرت في العام الماضي أراء كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمفكرين بشأن حال الفكر المتطرف في السعودية وحال لجان المناصحة التي أعاد القاضي الهتار إنتاجها في اليمن !!
وبوسعي القول استنادا الى معطيات نشرتها الصحف السعودية ، أن حملة ( المناصحة ) ظلت مقصورة على الموقوفين في السجون بتهمة اعتناق الفكر المتشدد. وهدفها تغيير قناعاتهم الناشئة عن بعض التأويلات لبعض النصوص الدينية التي يسوغون بها الأفكار التي يعتقدون بها والجرائم الارهابية التي ينفذونها. وقد لفت هذا التزايد في أعداد معتنقي هذا الفكر أنظار المسؤولين السعوديين في الجامعات والصحافة وأجهزة الأمن ، مما جعلهم يدركون حقيقة أن وقف انتشار هذا الفكر الضال لا يتطلب " مناصحة " مَن وقع في الشَّرَك فقط أو الحوار معه على طريقة القاضي حمود الهتار ، بل لابد من تجفيف المنابع الحاضنة التي تغذيه وتنميه وتنشره بين صغار السن خاصة. وقد أشار كثير من الكتّاب والباحثين السعوديين منذ سنوات إلى بعض تلك المنابع وفي مقدمتها المدارس وبعض النشاطات التي تقام في المساجد وبعض النشاطات في “المخيمات الصيفية”، واستغلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية .
وكما هو معروف فقد تعرض بعض هؤلاء الكتاب والباحثين لكثير من اللوم والتشنيع والتهديد من قبل الذين يدافعون بحسن نية أو بسوئها عن الممارسات الخطرة التي كانت تنشط في البيئة الثقافية والاجتماعية السعودية ، شانهم في ذلك شأن نظرائهم الذين لا يزالون يواجهون معاناة مماثلة في اليمن ، خصوصا في ظل تزايد النشاط المحموم لنشر الأفكار التكفيرية التي تعتبر الغناء والموسيقى حراما وكفرا بواحا ، وتصف الذين يطالبون بتعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة ، وتمنع مساواة دية المرأة القتيلة بدية الرجل القتيل وتجيز زواج القاصرات والأطفال الاناث ، بأنهم ينفذون مخططا يهوديا وعلمانيا معاديا للاسلام ، حيث بدأ المتشددون يطالبون قيادة الدولة جهارا نهارا بتمكينهم من التحول الى رجال اكليروس في الدولة والمجتمع ، وانشاء محاكم تفتيش دفاعا عن الفضيلة وتكوين شرطة دينية لهدم البيوت وتنفيذ الحدود بالشبهات ، وملاحقة وإيذاء الناس والعائلات في المصانع والجامعات وأماكن العمل و المنازل والشوارع والشواطئ تحت غطاء الولاء والبراء ، وحماية الفضيلة و النهي عن المنكرات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.