لم يكن مفاجئا أن تعاود العناصر المأجورة والعميلة مؤامراتها الدنيئة ضد الوطن ووحدته وإنجازات ثورته بعد أن فشلت هذه العناصر الخيانية في صيف عام 1994م في تنفيذ مخططها الإجرامي الذي أرادت من خلاله إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر محاولتها الخائبة والبائسة للنيل من المنجز الوحدوي والعودة بالوطن إلى ما قبل يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م وهي المحاولة التي تصدى لها شعبنا وأحبط مراميها في ملحمة نادرة جسد فيها أبناء اليمن من أقصى الوطن إلى أقصاه أسمى معاني الوفاء لمبادئ ثورتهم «ال26 من سبتمبر وال14 من أكتوبر» مقترنا بالاستعداد الدائم لردع كل من تسول له نفسه التطاول على الثوابت الوطنية للشعب اليمني. حيث وأن من يعرف ماضي أولئك الخونة وتاريخهم الأسود لم يكن ليستغرب أن يطل هؤلاء المرتزقة - من جديد - في بعض وسائل الإعلام بذات الوجوه والأقنعة وذات الانحطاط ، وذات الخطاب التآمري ليؤكدوا بالدليل القاطع أن من أدمنوا العمالة والارتزاق يصعب عليهم العيش بشرف وكرامة بعيدا عن الأوحال ، وذلك أمر مألوف فمن يخن وطنه ومجتمعه وأمته وينسق وراء شهوته ونزواته يتجرد في كل حال من كل القيم ويصبح كل ما يهمه هو كيف يشبع نهمه من المال الحرام. ولأن شعبنا صار يعرف حقيقة هذه الخفافيش الظلامية فإنه لم يعد يأبه لنعيقها في وسائل الإعلام أو ما تطلقه من تصريحات وفقاقيع صابونية كونها لا تمثل بالنسبة له أي رقم يذكر. وانطلاقا من هذه الحقيقة فإن ما يهمنا - اليوم - وما نضع له الاعتبار الأول هو المضي في عملية التنمية والبناء ، ومواصلة جهود التطور والنهوض، والعمل على تعزيز وحدة الصف وترسيخ قيم المحبة والتلاحم وتحصين شبابنا من ثقافة العنف والكراهية وإيجاد الحلول الجذرية لكافة المشكلات والقضايا من خلال رؤية جمعية تتبلور فيها كل الأفكار خاصة وأن الفرصة باتت مواتية للخروج بمثل هذه التصورات بانعقاد المؤتمرات الفرعية الموسعة للمجالس المحلية، التي من المقرر أن تبدأ مطلع الشهر المقبل ، ويعول عليها إثراء الاستراتيجية الوطنية للحكم المحلي بالنقاشات الهادفة وتبني المعالجات الجادة للقضايا المطروحة على مستوى كل محافظة ومديرية، وصولا إلى سد الثغرات وتجاوز المعوقات والخروج بمنهجية وطنية تنتقل باليمن إلى المستقبل الأفضل. تلك هي الأولويات التي ينبغي لها أن تتصدر اهتمامات كل الشرائح الوطنية وعلى رأسها .. الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة وكذا قطاعات المثقفين والمفكرين والإعلاميين والأكاديميين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني ، وبما يوسع من دائرة الشراكة في بناء اليمن الجديد. ومثل هذه المهام تتطلب السعي الدؤوب وصدق النوايا وجهاد النفس الأمارة بالسوء والابتعاد عن الأهواء وتقديم العام على الخاص .. وبما يؤدي إلى تجاوز أية اختلالات وردم هوة الفقر والتغلب على مصاعب البطالة وترسيخ مداميك الدولة الحديثة. لقد انتصر اليمن بمنجزه الوحدوي في ال22 من مايو عام 1990م على عوامل الشتات والتمزق والتشظي وأعاد لحمته الوطنية في وقت كانت فيه الكثير من الدول تنتحر على مقصلة التفتت والصراعات الداخلية ، وانتصر اليمن - أيضا - بتلاحمه الوطني على من تآمروا على منجزه الوحدوي العظيم ورد كيدهم في نحورهم لتترسخ وحدة الوطن وتمتلك سبل المناعة والاقتدار على النحو يجعل منها اليوم عصية على مخططات تآمرية داخلية أو خارجية ، وبحيث صارت الوحدة اليمنية مصدر فخر واعتزاز ليس لليمنيين فقط وإنما لجميع أبناء الأمتين العربية والإسلامية وشرفاء وأحرار العالم أجمع. ومن أجل مواصلة تحقيق الانتصارات فإنه ينبغي على كل أبناء الوطن التحلي بروح الإيثار والبذل وإنكار الذات حتى يتسنى لهم خوض معركتهم القادمة بحيوية أكبر ونضج أشمل وعزيمة أصلب قادرة على اختصار المسافات وتخطي التحديات ولجم كل المؤامرات والدسائس ، والمشاريع الصغيرة، وكيد المأجورين والخونة والمتربصين. تلك هي معركتنا القادمة ، وعلينا أن نحرص جميعا على أن نحقق فيها الانتصار الساحق .. وذلك هو ماعهدناه دائما بأبناء بلد الحكمة والإيمان.