{ .. بعض القوى الحزبية مع الأسف الشديد يغلب على مواقفها ورؤيتها وخطابها السياسي والإعلامي التناقض العجيب. فهي في الوقت الذي تلوذ فيه إلى الصمت ، بل وإيجاد التبريرات لبعض الأعمال والممارسات التي تنتهك الدستور والقانون وتعمل عناصرها على إثارة الفتن والتحريض على أعمال العنف والتخريب وقطع الطرق والترويج للدعوات والنعرات المناطقية والشطرية والعنصرية المسيئة للثوابت الوطنية ، نجد هذه القوى الحزبية تتنكر لحق أبناء المجتمع في التعبير عن رفضهم وتنديدهم واستهجانهم لتلك الأفعال الرعناء والسلوكيات المنحرفة التي تسعى إلى بث نوازع الكراهية والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد. وتتسع درجة هذه الحالة من التناقض في ما يصدر عن تلك القوى الحزبية من مواقف تتصادم مع المنطق السليم والمعقول والمتزن ، ومن ذلك وصفها السيئ للمسيرات السلمية التي تخرج طواعية لتعبر عن اعتزاز الجماهير اليمنية ووفائها وإخلاصها لمنجزها الوحدوي العظيم الذي صنعته يوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م ، لتتوج في ذلك اليوم الأغر مسيرة النضال التي خاضتها على دروب التحرر والانعتاق والاستقلال والوحدة والتقدم والنماء. والأغرب من هذا أنه وبدلا من أن تقوم هذه القيادات الحزبية بمراجعة وتصحيح موقفها المتخاذل والمهادن ، الذي طغت عليه السلبية تجاه من عمدوا إلى أعمال التخريب والفوضى وإقلاق الأمن والسكينة العامة والتحريض على الشغب وترديد الشعارات الانفصالية والخروج على الدستور والقانون ، فإذا بها وعلى العكس مما هو مفترض منها وواجب عليها تمعن في تكرار الأخطاء والخطايا من خلال إنكار ما هو وطني وتبرير ما يندرج في إطار الأفعال المشبوهة التي تستهدف الوطن ووحدته وأمنه واستقراره والمصالح العليا لأبنائه. ونسأل هذه القيادات الحزبية التي صارت لا تميز بين تباينها مع الحزب الحاكم واختلافها مع الوطن: هل من الحصافة والرشد السياسي والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير أن تظهر بمثل ذلك الموقف الذي لا ينم سوى عن جهل مركب بحقيقة الدور المناط بالأحزاب والتنظيمات السياسية ومسؤولياتها في الدفاع عن الثوابت الوطنية وصون منجزات ومكاسب الوطن من أية محاولة حاقدة تسعى للمساس بمقدراته ومصالحه العليا وزعزعة سكينته العامة؟. وهل يمكن لتلك القيادات الحزبية أن تُقنع أحدا بصوابية موقفها الذي يقوم على التبرير للتصرفات الخارجة على الدستور والقانون وتوفير الغطاء لبعض العناصر التخريبية التي تورطت في أعمال العنف والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرق وارتكاب جرائم مشهودة ، خاصة وأن هذه القيادات الحزبية ظلت تزايد على الآخرين بادعاء الحرص على رفض كل عمل يتعارض مع روح القانون والدستور؟. ولأن مثل هذه القوى الحزبية لا تمتلك الإجابات المقنعة لأي من تلك التساؤلات ، فإننا نشفق عليها من الظهور بكل تلك الحالة المريبة من التناقض الصارخ الذي لا يستغفل العقل فقط .. بل وينقلب على مجريات التفكير المتزن والمعادلة التي يتمايز فيها الحق على الباطل ، الصواب على الخطأ ، والحسن على القبيح. وبصرف النظر عن الدوافع التي جعلت هذه المعادلة عصيّة على الفهم من قبل بعض القيادات الحزبية ، فإن ما يحكيه الواقع يؤكد أن الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه أصبح - اليوم - أكثر وعيا واصطفافا وتلاحما واقتدارا على حماية وحدته الوطنية ومواصلة مسيرته التنموية وإسقاط كل المؤامرات والدسائس والمحاولات البائسة، ومن يحركونها من العناصر المأجورة والارتدادية التي أدمنت الارتزاق والعمالة والخيانة. كما أن هذا الشعب أصبح اليوم أكثر فهما لمن يعملون بدأب وإخلاص من أجل رفعة الوطن والنهوض بمشروعه الحضاري، ومن يكتفون بترديد الخطب والتنظير في وسائل الإعلام وترديد الشعارات الفارغة من أي مضمون أو محتوى ، بدلا من تقديم أي شيء نافع من أجل هذا الوطن وأبنائه، متمثلا في ذلك قوله سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ). «صدق الله العظيم»