لا يمكن لتيارات المعارضة الشرعية في اليمن ان تبقى طويلا في قاعة الانتظار. ولايمكنها ان تتجاهل دعوات الحوار من اجل حل المشاكل اليمنية الى اجل غير مسمى. فالانتظار ليس استراتيجية صالحة للعمل السياسي في بلد يعيش تجربة ديموقراطية. قد يصلح كخطوة تكتيكية لأمد قصير لكن الانتظار يهدد بتهميش المعنيين به على المدى البعيد وذلك للاسباب التالية: اولاً: لأن المشاكل التي تستدعي المعالجة هي مشاكل يمنية وليست حكومية حصراً وبالتالي فإن الامتناع عن الاستجابة للحوار الوطني للنظر في حل هذه المشاكل هو في احد وجوهه امتناع عن المشاركة في معالجة قضايا الوطن من طرف تيارات تقدم نفسها للرأي العام اليمني بوصفها تيارات وطنية.وإذ يعتقد بعض القادة في المعارضة أن قضية الوحدة والانفصال بشقيه الجهوي والمذهبي قضية حكومية فهو ينضم دون أن يدري الى دعاوى وحجج الانفصاليين وبالتالي يفقد المسافة التي تفصله عنهم. والمثير للدهشة في هذا المجال ان الانفصالي يرد على السياسة الحكومية بطلب تقسيم الوطن فيما المعارض الوحدوي الشرعي يمتنع عن المشاركة في الحوار حول هذه المشكلة بحجة ان التقصير الحكومي هو المسؤول عن معزوفة الانفصال.بكلام آخر يطلق المعارض الوحدوي الشرعي النار على انتمائه الوطني وفي ظنه أنه يضغط على الحكومة وهو في هذه الحال يضعف حجته الوطنية مع الحكومة ويخسر وطنيته مع الانفصال الذي يطال الوطن الباقي ابدا فيما الحكومة يصنعها الرجال وهي ليست ابدية. ثانيا: لان امتناع المعارضة عن الحوار في القضايا الوطنية يتناقض مع موقعها كطرف يدعي انه الوجه الاخر للحكومة او حكومة الظل وقد يكون مفهوماً ان يمتنع المعارض عن اعانة الحكومة على تنفيذ بعض سياساتها الداخلية التي لا تتناسب مع برنامجه ومفاهيمه واهدافه. لكن عندما يمتنع عن التعاون مع الحكومة في التصدي للمخاطر التي تهدد الوطن فانه يتصرف كمن يطيح بسبب وجوده. فالمعارض يشترك مبدئيا وموضوعياً مع الحكومة في العمل الوطني وعليه فإن كل خسارة وطنية هي خسارة مشتركة للمعارض وللموالي في آنٍ معا اي للمسرح الذي يشترك الطرفان في ادارته. ثالثاً: لأن عقد الديموقراطية الذي ينظم عمل السلطة والمعارضة ينطوي على اعتراف متبادل لكل طرف بالطرف الآخر فعندما تعترف السلطة بالمعارضة كشريك وطني جدير بالشراكة وبالحوار الوطني وترد المعارضة بالامتناع عن الاعتراف بهذه الشراكة عبر الامتناع عن المشاركة بالحوار الوطني فإنها تتسبب بأذى كبير لشروط التعاقد الديموقراطي. رابعا: لأن بعض اطراف المعارضة تعتقد ان الديموقراطية شرط لتوليها السلطة غداً صباحاً وإن لم يتوفر هذا الشرط فمعنى ذلك ان الديموقراطية هي "ديكور" للسلطة القائمة. تعاني هذه النظرة من عطب قاتل، لأنها تفترض ان الديموقراطية هي السلطة ولا شيء غير السلطة في حين ان الديموقراطية عندنا وعند غيرنا هي عملية تراكمية تنهض على مشروع استراتيجي لمعالجة المشاكل والقضايا الوطنية بالوسائل السلمية والحوار والتشاور والتراضي والمشاركة الوطنية لكل مكونات البلاد التي ارتضت التعاقد الديموقراطي اما تولي السلطة فهو نتيجة من نتائج المشروع الوطني وليس سبباً من اسبابه او السبب الوحيد لتبنيه. خامساً: لأن بعض المعارضة بات اسير سياسة تعبوية خاطئة فهو لم يكف منذ سنوات عن وضع مناصريه في مواجهة دائمة وحادة مع السلطة بوصفها سلطة وليس بوصفها راعية لمشروع وطني وبالتالي يمكن ان تخطيء وان تنجح في ادارة هذا المشروع. ولعل الموضوعيين في صفوف المعارضة يدركون في سرهم على الاقل ان المسرح السياسي اليمني كان خلال العقد ونصف العقد الأخير حافلاً بالمشاهد المشرفة على اصعدة مختلفة وان ظواهر الفساد ونهب الاراضي والحقوق المنتهكة لاتختصر المشهد السياسي اليمني ولا تختصر اداء السلطة ولعل الاصرار على حصر نتائج ممارسة السلطة بالسلبيات المذكورة ينطوي على سؤ نية وبالتالي يساهم في توسيع المسافة التي تفصل بين السلطة والمعارضة ويعيق حل المشاكل الوطنية بالحوار والمشاركة. سادساً: لأن مطالبة السلطة باجراء اصلاحات جذرية كشرط للحوار في وقت تجابه فيه البلاد فتنة انفصالية مزدوجة ومشروعاً ارهابياً يسعى لأفغنة اليمن هذه المطالبة لا تتناسب مع الاولويات السياسية المطروحة في اليمن من جهة وتنطوي من جهة اخرى على إخفاق كبير في تشيخص المشاكل المطروحة ووسائل حلها.فعندما يشب حريق في منزلك تسعى لاطفاء النار اولا وتبحث من بعد عن اسباب الحريق وعن كيفية تفاديها لكي لا تتكرر ثانية . لهذه الاسباب مجتمعة يمكن القول ان الامتناع عن المشاركة في حوار وطني يتصدى للمشاكل والمخاطر اليمنية من شأنه أن يتسبب بأذى كبير للمعارضة وان يؤدي الى تهميشها فالذي يجلس في قاعة الانتظار قد يبقى فيها طويلاً اذا ما قيض للحكومة أن تتصدى بنجاح للمخاطر الوطنية وقد ينتقل الى قارعة الطريق اذا ما اختارت الحكومة ان تعالج تلك المشاكل بوسائل غير تلك التي اعتمدتها حتى اليوم. لا. الانتظار ليس خياراً استراتيجياً موفقاً في بلد يعرف فيه الجميع الجميع. والرهان على تراجع السلطة تكتيك لن يحالفه الحظ.ذلك ان المواجهات الوطنية في هذا البلد تهمش المنتظرين .هيا اذن الى الحوار الوطني فاليمن يستحق التراجع عن استراتيجية اخفقت خلال العقد الاخير على كل صعيد.