أي عاقل كان يمكن له أن يتصور تلك البشاعات والفظائع التي ارتكبتها عناصر التمرد والإرهاب في محافظة صعدة منذ إعلان الدولة لقرار وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية، وهي الفترة الممتدة من يوم 17 يوليو من العام الماضي وحتى اليوم، وأي صاحب ضمير يمكن له أن يقبل أو يصمت إزاء ارتكاب مثل تلك الجرائم المروعة في حق المواطنين الأبرياء، الذين استبيحت دماؤهم وأعراضهم والبقية الباقية من إنسانيتهم حيث وأن ما ورد في التقرير الصادر عن السلطة المحلية، والذي تداولته وسائل الإعلام، من وقائع ومآس وانتهاكات طالت المئات من المواطنين، يفوق الخيال ويشعر معه المرء بالغصة والحسرة حيال ذلك السقوط الأخلاقي والقيمي الذي أحاق بتلك العناصر الحاقدة والضالة، التي تجردت من كل المعاني الإنسانية وتجاوزت بقبحها كل من احترفوا الإجرام، حيث لم تكتف كما هو واضح في تلك البيانات التي وثقتها ودونت وقائعها السلطة المحلية بمحافظة صعدة، بالتصفيات الجسدية التي استهدفت فرق الموت بها حياة العشرات من المواطنين الذين سفكت دماؤهم ظلما وعدوانا بتهمة ما أسمي بعمالتهم للدولة، وكذا ما مارسته تلك العناصر الصديدية من ترويع للقرى الآمنة التي تعرض المئات من أبنائها للخطف والبطش والإذلال، بل أنها تجاوزت كل ذلك إلى اقتراف رذيلة الاغتصاب بحق بعض النساء العفيفات والأطفال الأبرياء في سلوك إجرامي تأباه قيم الإنسان اليمني وقواعد الدين والأخلاق والمبادئ الإنسانية. ولعل أسوأ ما في هذه الجرائم أنها كشفت أننا أمام عصابة تحللت من كل الضوابط ولم يعد هاجسها مقتصرا على أوهام التسلط ونوازع الإرهاب والتطرف ورفع الشعارات المضللة والزائفة، بل أنها قد انحرفت إلى ما هو أمقت وأشد فظاعة بإعلانها الحرب على قيم وأخلاقيات هذا المجتمع لتجعل من هذه الوسيلة واحدة من أدوات الانتقام التي لم تستطع تحقيقها عن طريق العبوات الناسفة وسفك الدماء والنهب والتشريد وتخريب المدارس والمساجد ومشاريع المياه. وكما يقال فإن من عشعشت في داخله نوازع الحقد والانتقام والكراهية، يظل يبحث عن أحط وأقذر الوسائل للتنفيس عن أمراضه وتفاهاته ونفسه العليلة. وعليه فإذا كانت الدولة وأجهزتها معنية اليوم بحماية أبناء محافظة صعدة من تلك الشرذمة وأفعالها الإجرامية، فإن من حق أولئك الذين استبيحت دماؤهم وأعراضهم وكرامتهم، أن يرد إليهم وإلى أسرهم الاعتبار عبر تطبيق الأنظمة والقوانين وشرع الله على كل من تورط في إيذائهم بتلك الأفعال الشنيعة، التي ترفضها كل الضمائر الحية. وفي الوقت نفسه فإننا نسأل أولئك الذين ظلوا يروجون للادعاءات الدفاعية وينكرون حق الدولة في ممارسة صلاحياتها الدستورية والقانونية، والقيام بمسؤولياتها في حماية مواطنيها وينافحون عن أعمال التمرد والعصيان، ويقدمون لعناصرها المبررات، كيف يمكن لهم ان يقنعوا بعد اليوم أحدا من أولئك الذين طالتهم خبائث وبشاعات تلك العصابة بما ظلوا يرددونه من منطق أعوج، خاصة بعد أن أظهرت كل تلك الحقائق التي تدمغ تلك الحفنة المجرمة بأنها لا تستهدف فقط الأمن والاستقرار في محافظة صعدة والوطن عموما بل أن ما تحلم به هو أكبر من ذلك ويتجاوز في مراميه الارتداد عن النظام الجمهوري والانقلاب على أهداف الثورة ومنجزاتها ومكاسبها، وفي الصدارة منها الإنجاز الوحدوي والنهج الديمقراطي، إلى فرض صنوف الاستعباد على هذا الشعب وإخضاعه لأساليب الرق والاستبداد وعلى ذلك النحو الذي كان يمارس إبان الحكم الإمامي الكهنوتي الذي قضى عليه الشعب بانتصار ثورته. وهل بإمكان أولئك الذين ظلوا يغالطون أنفسهم ويسيرون في فلك من يعادي الوطن بعد سقوط كل الأقنعة والمساحيق عن الوجه القبيح للتمرد في صعدة أن ينتصروا لحق الوطن والمجتمع في قطع دابر عناصر ذلك التمرد؟ أم أنهم سيلوذون إلى الصمت ويهربون من الحقيقة إلى دائرة أخرى؟ أم سينطوون على أنفسهم وينكفئون على ذواتهم ويقفون في وضع يكتنفه الغموض؟ وأيا كان الأمر فإن الأشد والأنكى أن يستمر البعض غارقا في خطاياه ومدافعا عن وباء خطير إذا استشرى فإنه سيحرق الجميع وفي مقدمتهم من يتلذذون لاشتعال الحرائق والأزمات بدافع النكاية والمكايدة أو الرغبة في التمصلح والتكسب. ونعتقد أنه قد انقضى زمن المراوحة والتعصب الأعمى وحان الأوان لتحديد المواقف،. ومن لا يكون في صف الوطن لن ينال سوى الخسران شأنه شأن من حلت بهم لعنة التاريخ ليسقط في المستنقعات الآسنة غير مأسوف عليه.