من عجيب الأمور ما يظهره اليمنيون في هذه الأيام من اهتمام و توحد تجاه فيروس الخنازير على الرغم من ان ما يمكن ان يحدثه لهم من أضرار محدود للغاية مقارنة بالأضرار الناتجة من فتنة الحوثي. فمن المفترض ان يكون ذعرهم و خوفهم من الفيروس الذي تسبب فتنة الحوثي على الأقل بنفس خوفهم من فيروس الخنازير. و مما يزيد من العجب ان الأضرار التي يمكن ان تلحق باليمنيين بسبب الإصابة بفيروس الخنزير لا زالت حتى الآن احتمالية في حين ان أضرار فيروس فتنة الحوثي واضحة و ثابتة. فقد عان اليمن و اليمنيون من هذا الفيروس الخبيث لفترة طويلة امتدت لأكثر من ألف عام. فحدوث فتنة الحوثي بعد كل هذا الوقت و تعامل بعض اليمنيين معها على هذا النحو يدل بشكل قاطع بان هذا الفيروس قد انتصر علي اليمنيين. ان هذه الحقيقة تحتم على اليمنيين إعادة النظر بطريقة تعاملهم مع هذا الفيروس من جديد مستفيدين من دروس الماضي. و لا شك ان من أهمها قدرة هذا الفيروس على السبات لفترة طويلة قبل ان يعيد نشاطه من جديد عندما يشعر ان الظروف مناسبة له. و لذلك فان التخلص منه يحتم تعقيم محاضنه بشكل كامل. و من الواضح ان عملية مثل هذه لن تنجح الا تحمل الجميع كامل مسئوليتهم في ذلك. المقصود بفيروس فتنة الحوثي الاستكبار الذي هو التَّعظّم. المتكبرون هم الذين يَرَوْنَ أَنهم أَفضل الخلق وأَن لهم من الحق ما ليس لغيرهم، وهذه الصفة لا تكون إِلا لله خاصة لأَن الله، سبحانه وتعالى، هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأَحد مثله ولذلك فهو الذي يستحق أَن يقال له المُتَكَبِّر، وليس لأَحد غيره أَن يتكبر لأَن الناس في الحقوق سواء، فليس لأَحد ما ليس لغيره فالله المتكبر. أما محاضن الاستكبار فهي الثقافة التي تبرره و تنشره و تدافع عنه. و لا يجدل حد بان الثقافة اليمنية لا زالت تحتوي مكونات تمجد و تنشر و تحمي و تجاهر و تتبنى العديد من دعاوي الاستكبار. لا يقتصر الامر على الدعاوي الاستكبارية لدى بعض إخواننا الهاشميين بل تشمل دعاوي فئات اجتماعية و دينية أخرى. فتصديق و تمسك بعض إخواننا الهاشميين لخرافة ان الله فضلهم على غيرهم و بالتالي فهم سفينة نوح و ان الله قد أعطاهم الحق بحكم اليمن هما اهم محضنيين من محاضن الاستكبار و بالتالي فانهما اهم سببين لفتنة الحوثي. فما يظهره الحوثي من كبر و عدم اكتراث بدماء اليمنيين لا يمكن فهمه الا في طار ثقافة الاستكبار هذه. و نتيجة لهذه لثقافة فلم يدرك انه هو سيكون اول ضحاياها. فالتاريخ يشهد ان الهشميين انفسهم قد اكتوا بنارها قبل غيرهم. فقد استكبر بعض الهاشميين على بعضهم البعض مما ترتب عليه ظلمهم و قتلهم لبعضهم البعض. بالاضافة الى ذلك فان تكبر بعض الهاشميين على اليمنيين قد خلق بينهما الشك و الريبة مما ترتب عليه توتر العلاقة بين الجانبين. و من باب العدل فان اليمنيين قد سهاموا تغذية محاضن الاستكبار. فقبول بعضهم بهذه الدعاوي و الدفاع عنها قد عمق من قوتها. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فانه و على الرغم من إنكار بعض اليمنيين على الهاشميين دعاويهم هذه فإنهم قد سمحوا لأنفسهم بتبني دعاوي مماثلة. و من أمثلة ذلك ترفع المشائخ و ابنائهم على غيرهم من فراد القبيلة (الرعية) و ترفع ابناء القبائل على فئات الاخدام و المزائنة و كذلك تفاخر بعض القبائل على بعضها البعض و سخرية ابناء بعض المناطق من ابناء المناطق الاخرى. انها كلها محاضن لدعاوي استكبارية. و قد تسربت الدعاوي الاستكبارية الى بعض المتدينين و المتعلمين و المثقفين. الا ترى ان الحركات الإسلامية تسخر من بعضها البعض و ان إتباع المذاهب الإسلامية تسفه بعضها البعض. و لا يتورع بعض المثقفين من نشر هذه الدعاوي. و من يشك في ذلك فما عليه الا ان يرجع الى كتابات العديد ممن ينسبون أنفسهم الى المتعلمين و المثقفين و سيجد ذلك في العديد من أعمالهم. أو ليس من ذلك تصوير البعض للشمال بأنه متخلف مقارنة بالجنوب؟ ان أول خطوة في تعقيم محاضن الاستكبار كلها من وجهة نظري تمكن في توضيح سفاهة هذه الدعاوي و الأضرار التي تلحق بسببها لمتبنيها قبل غيرهم. فقد بين الله في كتابه العزيز ذلك أوضح بيان. فالاستكبار يؤدي الى خداع النفس أولا ثم خداع الآخرين من البشر ثانيا. و لا شك ان ذلك يصيب قلوب المتكبرين بالمرض و المجتمع بالفتن. ذلك لإنهم لا يستطيعون ان يدركوا الفرق بين الإفساد و الإصلاح فيترتب على ذلك إشعال الفتن. فإذا ما أنكر عليهم غيرهم فإنهم لا يستجيبون على اعتبار غيرهم سفهاء. فالكبر يجعلهم يعتقدون ان كل ما يقومون به حق و صلاح و كل ما يقوم به غيرهم فسادا و سفها على الرغم من ان الواقع يخالف معتقداتهم هذه شكلا و مضمونا. و من مظاهر سفههم أنهم يفضلون ما فيه خسرانهم على ما فيه فلاحهم. فإذا تكرم الله عليه بالنور ليمشوا فيه قعدوا و عندما يذهب الله به يمشون. لا يستطيع احد ان يمشي في الظلمات لأنه لا يبصر و من يحول ذلك فإنه حتما سيقع في الحفر و الهاوية و الوديان السحيقة و خصوصا اذا ما قام بسد أذانه و تكميم فاهم لأنه سوف لن يسمع صراخ و تحذيرات الاخرين له. فالمتكبرون يهون في الهاوية تابعا كما تحترق الفراشات حول النار تباعا. و من مظاهر سفههم عدم مقارنة معتقداتهم مع الواقع و مع المعتقدات الاخرى بهدف التعرف على طبيعة الأشياء كما هي لا كما يرغبون ان تكون. لو فعلوا ذلك لتمكنوا من تجنب العديد من الأضرار التي تصيبهم و الاستفادة من المنافع التي سخرها الله لهم. و الدليل على ذلك تعاملهم مع المطر فبدلا من ان يستفيدوا منه في الشرب و النظافة و الزراعة و تربية الحيوانات فإنهم يحرصون على المشي فيه حتى و لو كان يوجد ظلام دامس وقت نزوله. فبدلا من ان يهرعوا الى بيوتهم عند نزول المطر فإنهم يخرجون منها للمشي بهدف الاستفادة من لمعان البرق.و النتيجة أنهم لا يستطيعون القيام حتى بخطوة واحدة. فقط عرضوا أنفسهم لمعانات البرد و الخوف الشديد من أصوات الرعود. و من أمثلة سفههم أنهم ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به ان يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون. الاستكبار يولد التعصب الذي يؤدي الى الضلال. فالتعصب يمتد الى داخل الدين الواحد او المذهب الواحد او الأمة الواحدة او الثقافة الوحدة يؤدي الى تدميرها كلها. و من اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه و سعى في خربها أولئك ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين. و لن يحدث ذلك الا بسبب التعصب للموضوعات الجزئية و تغليبها على القواسم المشتركة. فلا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم. و من أمثلة خداعهم للآخرين أنهم غير صدفين في مشاركتهم ما هم عليه. فلا هم تركوهم وحالهم و لا هم قبلوا بالمساواة معهم. و لذلك فإنهم لا يقبلون بحقيقة ان الله هو الذي تفضل على من يشاء على عباده اذا كانوا غيرهم. الاستكبار يولد الأنانية التي تؤدي الى الضلال. أم لهم نصيب من المملك فلن يؤتوا الناس نقيرا. أنهم يفرقون بين تعاملهم مع بعضهم البعض و تعاملهم الآخرين. فيحضون على الأمانة فيما بينهم و لا يكترثون في خيانة الآخرين. أنهم يقولون ليس علينا في الأمين سبيل. لكنهم ما يلبثون ان يخنون أنفسهم. و نتيجة لذلك فإنهم جميعا لا خلاق لهم في الدنيا و لا في الاخرى و لا يزكيهم و لا ينظر إليهم. الاستكبار يولد التنطع الذي يؤدي الى الضلال. المقصود بالتنطع هو المبالغة في تحريم ما رزق الله عباده من الرزق و كذلك عدم اخذ الظروف بعين الاعتبار عند المنع او الإباحة و تفسير النصوص بشكل متعسف لتبرير ذلك. الاستكبار يولد الكذب الذي يؤدي الى الضلال. إنهم يحرفون ما انزل الله من كتاب و يشترون بذلك ثمنا قليلا. إنهم بذلك قد اشتروا الضلالة بالهدى. إنهم يلون ألسنتهم لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب. و لذلك فإنهم يسعون الى اختلاف و بدون أي سبب بهدف التضليل على الناس على اعتبار ان ما يقترفونه من الكذب على الله يمكن قبوله كنوع من التنوع و التباين. فهذا النوع من الاختلاف يحدث فتنا و يتسبب في العديد من الأضرار. انه يوقعهم في شقاق بعيد. الاستكبار يولد تزكية النفس الذي يؤدي الى الضلال. إنهم يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا. و نتيجة لذلك فقد تجرؤ على افتراء الكذب على الله بادعائهم أنهم ابناء الله و أحبائه بعض النظر عما يقون به من أعمال فأغراهم ذلك في اقتراف السيئات. ان غرورهم هذا قد تسبب في طمس وجوهم في ردها على أعقابها. يستخفون من الناس و لا يستخلفون من الله. إنهم يتناسون ان من يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه. و كذلك ان من يكسب خطيئة او إثما ثم يرمي به بريئا قد احتمل بهتانا و إثما مبينا. الاستكبار يدعو الى الطاغوت الذي يولد لضلال. إنهم لا يقبلون بالإقناع و إنما يفهمون القوت فقط. إنهم يؤمنون بالجبت و الطاغوت. انهم لا يحكمون بين الناس بالعدل. . و من اجل تعقيم هذه المحاضن فانه لا بد من العمل بوصية الله لعباده المسلمين ان يسألوه ان يهديهم طريق الذين انعم عليهم و ان يجنبهم طريق الضالين في كل صلاة يصلونها سوأ كانت فريضة او نافلة. و لا شك ان ذلك يعني التخلص من كل مظاهر الاستكبار سواء تلك التي تكون في الشخص نفسه او في محيطه. ففيروس الاستكبار اشد انتشارا من فيروس الخنازير. ان ذلك يجعل من التخلص منه مسئولية جماعية لان أضراره جماعية ايضا.
بعد ذلك فانه لا بد من الحوار بين الجميع على أساس من المساواة و التخلص من كل دعاوي الاستكبار. في هذه الحالة سيتمكن اليمنيون من تعقيم محاضن الاستكبار و بالتالي سيتمكنون من العيش بسلام في ظل وطن واحد للجميع.