في كل بلدان العالم صغيرها وكبيرها، بما فيها أعرق الديمقراطيات هناك ثوابت يشكل الخروج عليها وتجاوزها جريمة يعاقب عليها القانون باعتبار أن مثل هذا التصرف اجتراء على بديهيات ومسلمات تحفظ المصالح العليا للمجتمع وكذا أمنه واستقراره وسكينته العامة. وليس هناك بلد أو دولة تسمح لأي كان بالتطاول على ثوابتها مهما كان سقف الحرية فيها، بل نجد أن جميع دول العالم تعتبر هذه الثوابت بمثابة خطوط حمراء لا ينبغي ولا يمكن لأحد الاقتراب أو النيل منها تحت أي ظرف من الظروف. وبالتالي فإن ممارسة الديمقراطية محكومة بقواعد المسؤولية التي لا مجال فيها لتبرير أي مسلك شيطاني يحاول النفاذ من خلال الديمقراطية للتحريض على العنف وإقلاق أمن المجتمع وتشجيع الفيروسات المرضية على التغلغل لنفث سمومها وأحقادها من خلال إثارة الأزمات والصراعات الداخلية التي لا ينتج عنها سوى الويلات والكوارث والمحن. وبكل تأكيد فإن هذه السمات، صارت من المسائل المفروغ منها ولم تعد مثار جدال أو نقاش، لدى السياسيين والمثقفين والأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب العربية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، فالجميع يتفق على أن من يفرط في ثوابته يفرط في وطنه ومقدساته وهويته بل وأصله ووجوده. وآخر الشواهد على ذلك ما خرج به مؤتمر قادة الأحزاب العربية المنعقد في العاصمة السورية دمشق من تأكيدات على أن ثوابت الأمة، ومنها ثابت الوحدة اليمنية، هي من الأمور غير القابلة للمساس بها أو النيل منها، وفي ذلك رسالة واضحة على أن الحزبية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير لا تمنح الحق لأي كان في التمادي والخروج على الثوابت واستخدام الديمقراطية نافذة لنشر الفوضى وخلط الأوراق والتحلل من الضوابط الناظمة لحياة المجتمع، حيث وأن الأحزاب قد وجدت للبناء وليس الهدم وللإصلاح وليس للتخريب وكذا لتقديم الحلول والمعالجات والبرامج التي تساعد الحكومات على ترميم الاختلالات ولم توجد المعارضة لخلق المثبطات والعراقيل أو تعطيل مسارات الحياة. ونعتقد أن ما جاء في رسالة قادة الأحزاب العربية فيه من المعاني والدلالات التي ينبغي أن تستوعب وتفهم من قبل القيادات الحزبية على الساحة اليمنية، وبالذات منها تلك التي تتربع على رأس هرم أحزاب اللقاء المشترك خاصة وقد برهنت بمواقفها النزقة وشطحاتها في وسائل الإعلام أنها مصابة بعمى الألوان إلى درجة افتقدت معها التوازن والرؤية الصائبة، بحيث لم تعد قادرة على التمييز بين معارضتها للحزب الحاكم ومعارضتها للوطن، ناهيك عن التفريق بين بديهيات الحوار التي تصب في تعزيز التلاحم الوطني وإعلاء المصلحة الوطنية وصيانة مرتكزات الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي والنهوض بالوطن، وبين حوار الطرشان الذي يغلب عليه الكيد والمناكفة وتصفية الحسابات السياسية والنزق والأهواء والمساومة والابتزاز والتدليس السياسي الذي انزلق بهؤلاء في الفترة الأخيرة، إلى التماهي مع العناصر الخارجة على النظام والقانون التي أشعلت فتنة التخريب والإرهاب في بعض مديريات محافظة صعدة، فضلاً عن تناغمهم مع خطاب الشرذمة الانفصالية التي تسعى إلى إعادة تمزيق الوطن والإضرار بوحدته واستقراره. والمؤسف حقاً أن تنجر مثل هذه الأحزاب إلى مواقف كهذه وهي التي لا تجهل حقيقة أنها بهذا النزوع غير المسؤول إنما تعمل على تكريس استثنائية التقاطع بدلاً عن إرادة التوافق والتلاقي تحت سقف القواسم المشتركة وأساسها الثوابت الوطنية التي تتصدرها قضية الحفاظ على مكاسب الثورة اليمنية 26 سبتمبر - 14 أكتوبر والنظام الجمهوري والوحدة والأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، إن لم تكن بهذا الاندفاع المتهور تؤكد تحللها بالفعل من تلك الثوابت التي تستمد منها مشروعية نشاطها السياسي والحزبي. ومن الواقعية أن تدرك هذه الأحزاب وقياداتها مخاطر الخلط بين الفوضى والديمقراطية، وأن تعي أن تعبيرات الديمقراطية لا تجيز القفز على الثوابت الوطنية والمصالح العليا لليمن وأبنائه، وأن الاختلاف مع الآخر لا يمنحها الحق في الانقلاب على ثوابت الشعب والتمترس إلى جانب أعدائه من الخارجين على النظام والقانون والدستور والحالمين بإعادة هذا الوطن إلى عهود الكهنوت الإمامي وأزمنة التشظي والتمزق والتجزئة والصراعات الدامية، والأحرى بهذه الأحزاب أن تستفيد من تجارب الآخرين، وتتعلم منهم بدلاً من أن تظل متشبثة بمكابرتها وعنادها ومواقفها الخاطئة التي صارت مستهجنة من قبل أبناء شعبها وأمتها فليس عيباً أن تتعلم أحزاب المشترك من الأحزاب العربية التي أعلنت بصوت شجاع وقوفها إلى جانب اليمن ووحدته وأمنه واستقراره، معتبرة أن الوحدة اليمنية مكسب مهم لا يخص اليمنيين وحسب بل كافة أبناء الأمة على كامل جغرافيتها من المحيط إلى الخليج. ويستحيل التفريط بهذا الإنجاز الذي يفخر به كل عربي، فهل يفهم أولئك الذين أعمى الله بصرهم وبصيرتهم مغزى ودلالات هذه الرسالة ويتعلمون منها؟ أم أنهم سيظلون في غيهم يعمهون؟!!