كانت هناك اسباب كثيرة تحول دون نجاح القمة الثلاثين لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الكويت. من بين الأسباب مسائل اقليمية تبدأ باليمن وتنتهي بأيران والعراق اضافة بالطبع الى حساسيات معينة بين بعض الدول الأعضاء، خصوصاً بسبب اسم الأمين العام الجديد للمجلس. ليس سراً ان هناك وجهات نظر مختلفة داخل المجلس في شأن اليمن وايران والعراق. وكانت هناك مسائل داخلية عالقة بعضها مرتبط بأختيار الأمين العام الجديد للمجلس وبعضها الآخر بالعملة الخليجية التي لا تزال مشروعاً مهماً في حاجة الى الكثير من الأخذ والرد والدراسات وأخذ بالأعتبار للتوازنات والحساسيات بين الدول الأعضاء. كانت مسألة تسمية الأمين العام الجديد موضع سجالات حامية، من الأفضل للمسؤولين الخليجيين ادخالها طي النسيان. لكن الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت حال دون أي فشل او تراجع من أي نوع كان في الظروف الدقيقة التي تمر بها منطقة الخليج. فعل ذلك عندما مكّن القمة من تجاوز السياسة بالمفهوم الضيق للكلمة. انتشل الشيخ صباح الأحمد الصباح القمة من السياسة أوّلا عندما رسم في خطاب الأفتتاح الخطوط العريضة للتوجهات الخليجية. في مقدم هذه التوجهات الوقوف مع المملكة العربية السعودية وادانة ما تتعرض له من "عدوان سافر يستهدف سيادتها وأمنها من قبل متسللين لأراضيها". كان أمير دولة الكويت حازماً في موقفه الذي عبر عن استيعاب خليجي لخطورة ما يدور على ارض اليمن وانطلاقا منها فأكد ان "أي مساس بأمن المملكة العربية السعودية واستقرارها يمثل مساساً بالأمن الجماعي لدول المجلس". لم يكتف الشيخ صباح بذلك. ذهب الى أبعد. للمرة الأولى، بدا ان هناك ادراكاً لأهمية التطورات اليمنية ولضرورة مساعدة اليمن الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة ترافقها محاولات خارجية من طرف اقليمي معروف للنيل من امنه. كان المقطع المخصص في الخطاب لليمن متميزاً نظراً الى اشارته الى الرئيس علي عبدالله صالح بالأسم من جهة والى اشارته الى اهمية ان "يسود الأمن والأستقرار.. لتسخير كل الجهود والامكانات نحو متطلبات التنمية بما يحقق للشعب اليمني الشقيق المزيد من التقدم والأزدهار وبما يحفظ لليمن وحدته وسيادته على أراضيه". ثمة وعي حقيقي في العمق لخطورة الوضع اليمني وللانعكاسات السلبية التي يمكن ان تترتب على التعرض للوحدة اليمنية، خصوصاً على الصعيد الأقليمي. بين اليمن وايران، كان يمكن لقمة دول المجلس ان تضيع في متاهات، أقل ما يمكن قوله: ان الدول الست في غنى عنها. ولذلك، جاء الشيخ صباح بالعبارة السحرية التي تتضمن دعوة الى "حل أزمة الملف النووي الأيراني بالحوار والطرق السلمية والى الألتزام بمبادئ الشرعية الدولية بما يحقق التوصل الى تسوية سلمية لهذا الملف ويوفر الأطمئنان والثقة ويساهم في الحفاظ على الأمن والأستقرار في المنطقة". اظهر أمير دولة الكويت ان هناك حرصاً اقليمياً على أمن ايران وضرورة تفادي أي توتر في المنطقة. لكنه أكد في الوقت ذاته ان دول مجلس التعاون حريصة على التزام مبادئ الشرعية الدولية. في النهاية ان الشرعية الدولية هي التي اعادت الكويت الى أهلها وحمتها من ظلم النظام العراقي البائد. لم يكتف امير الكويت بانتشال القمة من السياسة بمفهومها الضيق، بل انتشلها مرة اخرى عندما نقلها الى رحاب اوسع مرتبطة بالمواطن الخليجي والاستثمار فيه كانسان ينتمي الى العالم المتحضر. انه العالم الذي تضع فيه الدولة امكاناتها في خدمة مواطنيها وليس العكس. اراد ان يقول لمواطني دول المجلس الخليجي الست ان عليهم ان يراهنوا على تجربة المجلس وان في استطاعتهم فعل ذلك. لم تنجح هذه التجربة، تجربة مجلس التعاون، في حماية الدول الست في الظروف الحالكة فقط، اكان ذلك طوال سنوات الحرب العراقية- الايرانية في الثمانينات او لدى ارتكاب صدام حسين مغامرته المجنونة عندما غزا الكويت في العام 1990م. نجحت ايضا عندما بدأت تقول للمواطن الخليجي ان عليه ان يتوقع اشياء ملموسة تهمه مباشرة وتهم مستقبل اطفاله. انها اشياء تساعده في حياته اليومية وحياة عائلته وتجعله يتمسك بتجربة المجلس، كان مشروع الربط الكهربائي الذي احتفل به المشاركون في القمة كان خطوة أولى في هذا الأتجاه، كذلك المباشرة في مشروع ضخم يستهدف ربط دول المجلس بخطوط السكة الحديد، في النهاية، ان السكة الحديد هي التي وحدت الولاياتالمتحدة المترابطة الأطرف. انها السكة التي ربطت بين الولايات الأميركية المتباعدة، من نيويورك الى كاليفورنيا مروراً بتكساس، وحولت الولاياتالمتحدة الى قوة عظمى واقتصاد ضخم وسوق شاسعة تضم ملايين المستهلكين... الأهم من ذلك كله، كان الرهان على الانسان نفسه. كان اعلان الكويت في بداية الجلسة الختامية للقمة، والذي تلاه الأمين لمجلس التعاون السيد عبد الرحمن العطية، فعل ايمان بالانسان. تضمن الاعلان المقتضب ثلاث نقاط. التعليم، الأمن الغذائي والمائي، الأوبئة. لا مستقبل لدول المنطقة او لأي دولة في العالم من دون برامج تعليمية متطورة. البرامج التعليمية المتطورة التي لها علاقة بالعصر وبما يدور في العالم تحول دون التطرف والارهاب. البرامج التعليمية تصنع ثروة حقيقية اهم من كل الثروات الأخرى. اما الأمن الغذائي والمائي فهو المستقبل في منطقة تعاني من الصحارى وشحة المياه. ولا مستقبل آمنا من دون بيئة آمنة وحرب على الأوبئة كما في الدول المتحضرة... أقلّ ما يمكن قوله، ان أمير دولة الكويت قفز بمجلس التعاون في اتجاه المستقبل. اخرجه من السياسات الضيقة، بل انتشله منها لا أكثر ولا أقل. كل ما اراد قوله ان المجلس قابل للتطور والتطوير وان ذلك لا يكون ألا من خلال المواقف السياسية الشجاعة الحازمة متى تطلب الأمر ذلك ومن خلال الاهتمام بالانسان الخليجي قبل اي شيء آخر. الشعارات لا تطعم خبزاً.. الحاجة دائمة الى مشاريع حقيقية تؤكد للمواطن ان مجلس التعاون وجد منذ البداية لحمايته وانه صار الآن وسيلة لتحقيق طموحاته وخدمته بطريقة أفضل..