بصرف النظر عن القضايا التي ستكون موضوع الحوار بين الأحزاب السياسية الموقعة على اتفاق 17 يوليو، فإن تغليب منطق الحوار بحد ذاته يمثل سلوكاً حضارياً وأسلوباً راقياً للمقاربة بين أية تباينات في وجهات النظر وخلق حالة من التوافق إزاء ما يتصل بالحلول والمعالجات للقضايا التي تهم الوطن، وما دامت هذه القناعة صارت تمثل القاسم المشترك بين طرفي الحوار: المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في البرلمان، فإن الطريق إلى الحوار أضحت ممهدة ولم يعد هناك ما يحول دون التئام هذا الحوار في أقرب وقت ممكن، و«خير البر عاجله»، فاستثمار الوقت أمر في غاية الأهمية، خاصة وأن الوطن مُقبل على استحقاق ديمقراطي حاسم هو الانتخابات النيابية التي لا سبيل لتأجيلها أو تأخيرها عن الموعد المحدد في ال27 أبريل من العام القادم. وما يتطلع إليه جميع اليمنيين الذين أشاع لديهم "اتفاق 17 يوليو" قدراً كبيراً من الارتياح والتفاؤل، هو أن يتجاوز طرفا الحوار الأمور الشكلية والتفرعات الثانوية، وأن ينصب تركيزهما على المسائل الحيوية والجوهرية والأهداف الأساسية للحوار، بعيداً عن الانغماس في التفاصيل والجزئيات الهامشية والتي قد تؤدي إلى استنزاف المزيد من الوقت الذي بات يداهم الجميع، وليس من مصلحة طرفي الحوار اعتماد نفس الأساليب والآليات السابقة التي كانت سبباً مباشراً في تعثر الحوار طوال الفترة التي أعقبت "اتفاق فبراير 2009م" سيما وأن الاتفاق الأخير قد حدد الكيفية التي سيجرى بها الحوار والأطراف المتحاورة والقضايا التي سيتناولها النقاش، بل أن هذا الاتفاق قد ترك لكل طرف الحق في إشراك حلفائه في جلسات الحوار، مُنهياً بهذه المرونة أهم نقطة خلافية ظلت تشكل عائقاً أمام التئام الحوار خلال الفترة الماضية. والأكثر من ذلك، أن دعوة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية عشية العيد الوطني العشرين لقيام الجمهورية اليمنية إلى الحوار لم تبد أي تحفظ على أي كان طالما وأن الحوار سيجري تحت سقف الالتزام بالنظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية، مما جسد حرص القيادة السياسية على تكريس مبدأ الحوار وجعله خياراً وطنياً وديمقراطياً ومرتكزاً من مرتكزات الحياة السياسية. وهذا الانفتاح يوحي بأن الحوار قد تهيأت له كل الظروف الملائمة والسبل الكفيلة بإنجاحه واستيعابه متطلبات كل طرف، الأمر الذي لا يسمح بتسلل أية ثغرة يمكن أن تقود إلى تعثره أو عرقلته. ومع ذلك، فإن ما ينتظره المواطن هو أن يفضي هذا الحوار إلى توافق وطني خلاق يؤسس لشراكة حقيقية بين أطراف المصفوفة السياسية والحزبية، ويعمق جسور الثقة والمحبة والتلاحم ووحدة الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الماثلة واضطلاع كل طرف بمسئولياته وواجباته في عملية بناء الوطن والنهوض به، باعتبار أن مهمة كهذه تقع على عاتق الجميع في السلطة والمعارضة وكافة أبناء المجتمع سواء بسواء فالوطن ملك للجميع ونماؤه وازدهاره مسؤولية الجميع دون استثناء.. وكما يقال "على قدر أهل العزم تأتي العزائم". ويَحْسُن بنا في هذا المقام أن نتنافس في ميدان البناء وإعلاء شأن الوطن، وأن نسخر كل جهودنا من أجل رفعة هذا الوطن وأمنه واستقراره ورخائه، وأن نتنازل من أجله ومصالحه العليا، لأنه لا عزة لنا إلا بعزة هذا الوطن، وبإكبار الوطن نكبر ونزداد شموخاً ورفعة بين الأمم، فالله سبحانه وتعالى خلق هذا الوطن ثم خلقنا من بعده ليستخلفنا فيه لنبنيه ونعِّمره، وعلينا أن نؤدي هذه الأمانة بصدق وإخلاص لأننا سوف نُساءل عنها.