من حق كل دولة أن تطلق على نفسها الاسم الذي تريده. الاسم ملزم للدولة المعنية وليس للدول الاخرى والمجتمع الدولي. على سبيل المثال وليس الحصر، تسمي الجزائر نفسها "جمهورية الجزائر الديموقراطية الشعبية"، فيما تعتبر ليبيا نفسها "جماهيرية" و"عظمى"، لكن الناس لا يريدون السماع سوى بليبيا. اما الشطر الجنوبي من اليمن، فكان يسمي نفسه قبل الوحدة التي تحققت في ايار- مايو من العام 1990 "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية"، علما انه لم يكن هناك اي نوع من الديموقراطية في ذلك البلد الذي تحكم به طويلا حزب واحد لا يمتلك اي نوع من الشعبية. وقد جاء يوم تبين فيه ان الحزب الحاكم لم يكن سوى تجمع فاشل يضم ممثلين لقبائل وعشائر ومناطق. وعندما وقع الخلاف بين هؤلاء، عاد كل منهم الى قبيلته او عشيرته او منطقته. والبقية الباقية من القصة معروفة لا حاجة الى تكرارها. يطرح هذا الموضوع نفسه مجدداً بعدما حولته اسرائيل الى جزء لا يتجزأ من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. تريد اسرائيل، التي يتحكم بها حاليا بنيامين نتانياهو بحكومته اليمينية، ان يعترف بها العالم والعرب والفلسطين يون بصفة كونها "دولة يهودية". من قال ان اسرائيل ليست دولة يهودية. من شك يوما في ذلك؟ من شك يوما في ان الرابط الديني هو الاهم في اسرائيل وان هذا الرابط هو الذي يجمع بين الاسرائيليين الذين استعمروا ارض فلسطين بعد مجيئهم اليها من مختلف اصقاع العالم. من شك يوما بان هذا الرابط الديني هو الذي يجعل من العرب في اسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية، علما انهم موجودون على تلك الارض منذ مئات السنين وهم اصحابها الاصليون؟ المشكلة لا تكمن في ان اسرائيل تسعى الى الحصول على اعتراف بها ك"دولة يهودية". المشكلة في مكان آخر. لماذا هذا الاصرار وماذا تخفي تلك الرغبة في هذا الوقت بالذات، اي مع العودة الى المفاوضات المباشرة بحثا عن تسوية نهائية للنزاع الذي بات عمره مئة عام واكثر؟ قبل كل شيء، ان اسرائيل حرة في ان تسمي نفسها ما تشاء. ولكن لا يحق لها استخدام تلك التسمية من اجل تهجير ما بقي من الفلسطينيين من ارضهم التاريخية. هؤلاء الذين بقوا في بيوتهم ابطال حقيقيون صمدوا في وجه كل المحاولات لاقتلاعهم من ارضهم في العام 1948 وتحملوا الذل والهوان ولكن بقوا مرفوعي الرأس يحتفلون كل سنة ب"يوم الارض" لتاكيد ان ظلما تاريخيا لحق بالشعب الفلسطيني. هؤلاء الذين يسميهم العرب "عرب اسرائيل" استفادوا من تجربة الذين هجرهم الاسرائيليون من ارضهم وحولوهم لاجئين. هؤلاء يريدون البقاء في فلسطين يتحدون الظلم بالافعال وليس بمجرد الشعارات كما يفعل كثيرون في هذه المنطقة، في ايران وغير ايران، لا هم لهم سوى المتاجرة بالشعب الفلسطيني واستخدامه وقودا في معارك لا علاقة له بها من قريب او بعيد. يرفض المفاوض الفلسطيني "الدولة اليهودية" في حال كانت اسرائيل ستستخدم التسمية من اجل التخلص من فلسطينيي الداخل. هذا هو الهم الحقيقي لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس الذي يخوض حاليا معركة قاسية على جبهات عدة من اجل تحقيق حلم الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، على حد تعبير ياسر عرفات، رحمه الله، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني. ان منع اسرائيل من تهجير فلسطينيي الداخل تحت شعار "الدولة اليهودية" جزء لا يتجزأ من المعركة التي يخوضها "ابو مازن" الذي عليه في الوقت ذاته حماية ظهره من الحملات التي يشنها المزايدون من كل حدب وصوب، خصوصا من طهران حيث يتبارى كبار المسؤولين في اطلاق الشعارات التي تصب في خدمة اسرائيل وسياستها التوسعية. مرة اخرى، تستطيع اسرائيل ان تسمي نفسها ما تشاء. ما ليس مقبولا ان تسعى الى تحوير طبيعة النقاش القائم. في صلب النقاش كلمة وحيدة هي "الاحتلال". هل تريد اسرائيل انهاء الاحتلال ام لا؟ كل ما يطالب به الفلسطينيون هو التخلص من الاحتلال الذي بدأ في العام 1967 واقامة دولتهم على ارض فلسطين وليس في اي مكان آخر. المؤسف ان الطرح الاسرائيلي الذي يركز على تسمية "الدولة اليهودية" يندرج في سياق اعادة رسم خريطة المنطقة كلها بما يتلاءم مع طموح بيبي نتانياهو الساعي الى تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية والانتقال في مرحلة لاحقة الى تهجير فلسطينيي الداخل الذين باتوا يشكلون نحو عشرين في المئة من مجموع سكان اسرائيل. يبدو رئيس الوزراء الاسرائيلي مقتنعا بان ذلك ممكن وان كل ما عليه عمله هو كسب الوقت عن طريق التفاوض من اجل التفاوض. من حسن حظ الجانب الفلسطيني ان ثمة وعيا لدى فريقه المفاوض لهذا الخطر بعيدا عن اي نوع من الاوهام، بما في ذلك وهم حق العودة في المطلق الذي لا وجود له الا في ذهن اولئك الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الذين لا يريدون حلا معقولا او اي تسوية من اي نوع كان. للمرة الاولى في تاريخ النزاع يعتمد الفلسطيني الواقعية. الواقعية تفرض عدم الهرب من المفاوضات المباشرة، خصوصا ان الادارة الاميركية مصرة عليها بقوة. لكن الواقعية لاتعني في اي شكل الاستسلام للإحتلال والرضوخ له ولا تعني خصوصا تجاهل الخطر الذي يمكن ان تنطوي عليه تسمية "الدولة اليهودية". لتسم اسرائيل نفسها "دولة الشيطان" اذا كان ذلك ينهي الاحتلال ويؤمن قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة من دون المساس بالوضع القانوني لعرب الداخل... والباقي تفاصيل لا قيمة تذكر لها!