لا أحد على الإطلاق سواء في الحزب الحاكم ولا في غيره يرغب في ألاَّ تشارك أحزاب "اللقاء المشترك" في الانتخابات النيابية القادمة، وهذا ما أكد عليه فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية مجدداً يوم أمس بدعوته هذه الأحزاب إلى المشاركة في هذا الاستحقاق الدستوري والديمقراطي بكل فاعلية حاثاً الجميع على الترفع عن الصغائر والابتعاد عن المكايدات وعن المكابرة والعناد والتمترس العقيم وراء المواقف المتصلبة لبعض القيادات التي شاخت ولم تعد تقدم شيئاً لهذا الوطن عدا بضاعة الكلام التي سئمها أبناء الشعب اليمني لأنهم لم يجنوا منها سوى الخداع والتضليل وخيبات الأمل وتجرع مرارة الإحباط واليأس وتبعات الاحتقانات والصراعات التي ظلت تغذيها الشعارات الجوفاء التي لم تشيد - مع الأسف الشديد- لا مدرسة ولا جامعة ولا مستوصفاً ولا مستشفى ولا كهرباء ولا اتصالات ولا طريقاً، ولا أي شيء نافع يعود بالخير على الناس. وبقدر حرص الجميع على مشاركة أحزاب "اللقاء المشترك" في الاستحقاق الديمقراطي القادم، بقدر قناعتهم بأن مسيرة الديمقراطية ستظل ماضية في طريقها سواء شاركت هذه الأحزاب أو لم تشارك في إطار الحق الديمقراطي المتاح للجميع، لأن الشعب اليمني هو من صنع هذه التجربة وهو من سيحافظ على مساراتها ويعمل على تطويرها عاماً بعد آخر بانتظام استحقاقاتها وتراكم خبراته في ميادينها، وكما أن الديمقراطية رأي ورأي آخر فإنها "لا" و"نعم" ومشاركة ومقاطعة، فمن يشارك يمارس حقه السياسي والديمقراطي ومن يقاطع فإنه أيضاً يمارس حقاً سياسياً كفلته له الديمقراطية. ومع ذلك دعونا نتفق هنا، على أن التباري في هذا الميدان ينبغي أن يظل محكوماً باحترام الدستور والقوانين النافذة والتقاليد والمفاهيم الناظمة للعملية الديمقراطية، فمن فقدوا حماسهم أو آثروا الانزواء والبيات الشتوي فذلك شأن يخصهم، ولكن في المقابل عليهم أن يحترموا قناعة الآخرين وحقهم في ممارسة حقوقهم السياسية والديمقراطية والدستورية وأن يبرهنوا على إيمانهم بأن لا حق لأحد أن يفرض رأيه وتوجهاته وأهواءه ورغباته على الآخرين، باعتبار أنه ليس من شروط الديمقراطية أن تفرض مجموعة محدودة من الأحزاب على الغالبية من قوى وشرائح المجتمع لكي تتخلى عن حق لها أو أن تجاري تلك الأحزاب فيما ذهبت إليه، لأن الأساس في الحياة الديمقراطية هي حرية الإرادة، وليس بالضرورة أن تلتقي الرؤى على خيار واحد أو أن تكون مواقف الجميع نسخة واحدة وإلاّ لما كان هناك تعدد ولما كانت هناك ديمقراطية- أصلاً- ولما كانت هناك أغلبية وأقلية وسلطة ومعارضة. تلك مسلمات وبديهيات ليس بوسع أحد إغفالها أو التنكر لها، ومن يتنكر لها إنما يتنكر للديمقراطية نفسها القائمة على مرتكزات التعدد في الرؤى والاجتهادات والمواقف، وهذا التعدد وإن كان يزداد حيوية أكبر في ظل التوافق، فإن التباين في وجهات النظر ومقاطعة طرف لأي من الاستحقاقات الديمقراطية لا ينتقص من الجوهر الأصيل لهذه الديمقراطية المستندة على محدد ثابت هو الاحتكام للشعب والامتثال لإرادته الحرة في صناديق الاقتراع. والحال أن أحزاب "اللقاء المشترك" عليها ألا تنتظر أن يدلها أحد على مصلحتها، فهي المعنية بدرجة أساسية باتخاذ القرار الصائب بعيداً عمَّنْ يبيعون ويشترون في الكلام الذين غرقوا في ثقافة الماضي الشمولية ويسعون إلى إغراقها معهم حتى تشاركهم هذه الأحزاب ما أضحوا فيه من عزلة عن الشعب وانقطاع عن العصر والواقع الجديد الذي يعيشه المجتمع اليمني وحجم التحولات التي شهدها هذا الواقع في ظل ثورته ووحدته ونهجه الديمقراطي. وبمعنى أدق، فإن أحزاب "اللقاء المشترك" مُطالبة بنيل رضى وثقة الشعب قبل إرضاء بعض قياداتها المتعصبة التي تعيش خارج إيقاعات العصر، كما أن هذه الأحزاب معنية قبل غيرها بمراجعة حساباتها قبل أن تسقط السقوط الأخير في حبائل المتاجرين ببضاعة الكلام الذين يسعون لجرها إلى خنادقهم المظلمة لتصبح مجرد سلعة يتاجرون بها في سوق النخاسة، في وقت صارت فيه هذه السلعة مِنْ السلع الكاسدة والبائرة التي لا تغري أحداً. ومن الأحرى والأجدى لهذه الأحزاب ان تحسن تقدير الموقف وأن تفهم أن "نعم للديمقراطية" هي أفضل لها ألف مرة من كل العبارات المتشحة ب"اللاءات" ولمجرد الرفض ليس إلاّ وأن تتذكر أنها أمام خيارين: إما أن تكون مع الشعب اليمني في استحقاقه الديمقراطي القادم، وإما أن تعزل نفسها وتكون خارج الملعب السياسي لمجرد إرضاء من غادروا هذا الملعب بعد أن لفظهم هذا الشعب بثقافتهم البائسة وتفكيرهم المتخلف وسجلهم المثخن بالدماء والويلات والمآسي، إلى مزبلة التاريخ جزاء لما اقترفوه بحقه من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم. والعاقل من اتعظ من تجارب غيره. ??