لم ننتظر طويلاً حتى نقف على موقف الكثير من قيادات أحزاب اللقاء المشترك، سواء في المحافظات أو داخل منظمات المجتمع المدني، من توجه بعض القيادات المتنفذة في تلك الأحزاب التي اندفعت في اتجاه تعطيل إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد. فقد جاء الرد من قبل العديد من المنتمين لأحزاب المشترك بأسرع مما كنا نتوقع، وبالصراحة والوضوح التي يتحلى بها كل وطني شريف حريص على مسارات الديمقراطية، والتي لا تكتمل إلاّ بانسياب الدورات الانتخابية في مواعيدها والالتزام باستحقاقاتها دون مواربة أو تسويف أو مماطلة. ولم يتوقف الأمر عند مسألة إعلان هذه الفعاليات الحزبية تأييدها لإجراء الاستحقاق الديمقراطي القادم في موعده المحدد، كونه استحقاقاً دستورياً وشعبياً ووطنياً واجب الإيفاء، ولا يجوز لأحد عرقلته أو النكوص عنه، بل أن هذه الفعاليات لم تخف دهشتها واستغرابها من تلك الجرأة والخفة التي تعاملت بها تلك القيادات المتنفذة مع موضوع كهذا، مع أن الأصل أن تكون أحزاب المعارضة في مقدمة من يحرص على إجراء الانتخابات في موعدها وليس العكس، ولا شك أن شطط تلك القيادات قد أسهم في تراجع درجة ومكانة أحزاب اللقاء المشترك بين صفوف الجماهير، التي تزداد ابتعاداً عن هذه الأحزاب بعد أن وجدت تلك الجماهير أن خطابها ومواقفها لم تعد تلامس همومها وتطلعاتها. إننا ونحن نستشهد بمثل هذه المواقف التي عبرت عنها فعاليات حزبية من داخل أحزاب اللقاء المشترك بكل وضوح، وظهرت الكثير منها في عدد من الوسائل الإعلامية، إنما أردنا بذلك الكشف عن حقيقة ربما ظلت غائبة عن البعض إزاء ما تمارسه تلك القيادات المتنفذة، من استخفاف بحق الشعب اليمني وبحق أحزابها بحيث صارت لا تراعي المهام المخولة لها كقيادات حزبية يفترض فيها الالتزام بقواعد العمل السياسي، على الأقل داخل أحزابها، واستطلاع آراء كوادرها الحزبية في كل قرار تتخذه حتى لا تفاجأ بمثل ذلك الرد الصاعق، على موقفها غير الحصيف وغير المسؤول من إجراء الاستحقاق الديمقراطي القادم في موعده. والسؤال إذا كانت هذه القيادات المتنفذة قد فرضت تسلطها على أحزابها، وصارت لا تسمع رأياً أو موقفاً من قياداتها الوسطية وتكويناتها المختلفة، فكيف لها أن تحترم موقف الآخر، أو تهتدي إلى الصواب، خاصة وقد استبدلت الدور الذي ينبغي أن تؤديه، بخطاب يغلب عليه طابع الشعارات التي تحاكي الغرائز والأهواء التي تستبد بها، بعد أن جردت ذلك الخطاب من كل معطيات العقل والمنطق. وليس من المصادفة أن ينصب اهتمام مكونات الشعب اليمني على إنجاح الانتخابات النيابية القادمة وعلى النحو الذي أكد عليه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية خلال لقائه يوم أمس بأعضاء اللجنة العليا للانتخابات المشكلة من القضاة من حيث النزاهة والشفافية، فذلك هو عهدنا بشعبنا دائماً، الذي نجده يصنع الانتصارات والتحولات في كل محطة من محطاته الوطنية دون أن يلتفت لأصحاب الرؤى المضطربة، والأفكار الغارقة في الشمولية، ومن يبنون مواقفهم على نظرية التعطيل والنزعة الفوضوية والعدمية، التي تختزل الوطن بحجم شخوصها دون وعي وإدراك أن الوطن أكبر من الجميع، وأكبر من أن يظل يراوح في مكانه إرضاء لمجموعة محدودة من الباحثين عن مصالحهم الذاتية، الذين لا يهمهم كيف يصلون إلى تلك المصالح، وكيف يؤمنون الطريق إليها، حتى ولو كان ذلك عبر الطرق الملتوية، ومخالفة الدستور والقوانين النافذة، وإشعال الحرائق والأزمات، وإقلاق السكينة العامة، وتشويه صورة الوطن. وعليه فإننا اليوم أمام حقيقة تؤكد أن تلك القيادات المتنفذة التي ظلت تعطي نفسها حجماً أكبر من حجمها، ودوراً يفوق قدرتها على إقناع المنتمين إلى أحزابها بصوابية ما تتخذه من المواقف، وخاصة موقفها المتصلب والفج من إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها، وتعمدها تعطيل الحوار، للإبقاء على هذه اليافطة كوسيلة للمناورة والالتفاف على هذا الاستحقاق الديمقراطي، بغية إيصال البلاد إلى فراغ دستوري يفضي بها إلى نتائج كارثية. والغريب والمستغرب أنه إذا كانت هذه القيادات المتنفذة تغرد خارج سرب أحزابها فعلى من تراهن؟ هل على عناصر التمرد والتخريب والخارجين على النظام والقانون؟.. أم على الغوغائيين الذين تحرضهم وتشجعهم على النهب والسلب والقتل؟.. أم أنها تراهن على أشياء أخرى؟ ومن ذلك نشر الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار؟ أم على مجموع هذه العوامل دون هدى أو استيعاب أن من يلعب بالنار هو أول من سيكتوي بها.. لأن الشعب اليمني لن يسمح لها ولا لغيرها بارتكاب هذه المغامرة، أو التأثير على العملية الانتخابية، أو استلاب إرادته الحرة في نيل هذا الاستحقاق الذي هو معني به وملك له أولاً وأخيراً.