حلت يوم الجمعة الماضية (التاسع عشر من رمضان المبارك) الذكرى السابعة لرحيل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –رحمه الله- مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يعود إليه الفضل بعد الله سبحانه وتعالى- في بناء وتأسيس دولة اتحادية متطورة ومتقدمة بكل المقاييس وجعلها في مصاف الدول الأكثر تقدما في العالم. كانت فكرة قيام اتحاد الإمارات هي الشغل الشاغل للمغفور له منذ وقت طويل، ولذلك ما أن أعلن البريطانيون رغبتهم في الانسحاب من منطقة الخليج بعد 150 عاماً من السيطرة التامة اغتنم الفرصة ليرسم بحكمته وذكائه المستقبل السياسي للمنطقة فأقنع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي حينها – رحمهما الله - بالإنضمام إليه في بناء دولة اتحادية من تسع إمارات هي ابوظبي، ودبي، وأم عجمان، والفجيرة، ورأس الخيمة، والشارقة، وأم القيوين، إضافة الى البحرين، وقطر، غير ان البحرين، وقطر فضلتا العمل للحصول على استقلالٍ كاملٍ مما دفع زايد الى مضاعفة جهوده لإقامة الاتحاد مع الإمارات المتبقية. بعد العديد من المشاورات والاتفاقات تمكن المغفور له من ترجمة حلمه الكبير إلى حقيقة واقعة فأقام دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر ديسمبر 1971م، ولم يتوقف يوماً عن أداء دوره الداعم للإمارات الأخرى بل انه بات يعتقد ان واجباته تجاه الدولة تفوق واجبات ومسؤوليات إخوانه حكام الإمارات الست مجتمعين فأرسى مفهوماً مهماً يقوم على استمرارية كل إمارة تعتمد بالدرجة الأولى على استمرار الاتحاد وان أي خلل في بنية الدولة الواحدة سينعكس سلباً على بناء كل إمارة. وفي مايو عام 1981م ترأس الشيخ أول قمة عربية أعلن فيها عن ميلاد مجلس التعاون الخليجي من دول الخليج العربية الست، كما اهتم بمساعدة دول مثل لبنان من خلال مبادرته بنزع الألغام التي خلفها الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وعلى نفقته الخاصة وكذلك اهتم بأن تقوم الإمارات بدور فاعل في عملية إعادة بناء لبنان بعد الحرب فقدمت الدولة المساعدات المالية والهبات والقروض للمشاريع الحيوية والتنموية، وكما في لبنان كان الأمر في اليمن والبوسنة، حيث شاركت القوات المسلحة في إطار القوات المتعددة الجنسيات، ولا ينسى أحد المبادرة الخاصة التي قام بها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في إعادة بناء مخيم جنين الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي على نفقته الخاصة أيضاً، وتشهد الشعوب أنفسها في مختلف الأقطار العربية والإسلامية لزايد بأن اهتمامه بتأمين الرفاهية لشعبه لم يشغله أبداً عن أمته العربية والاهتمام بأمورها وقضاياها فكان من أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول بأن قيام اتحاد دولة الإمارات كان ضرورة قومية وأصبحت تجربة وحدوية ناجحة في الوطن العربي ونموذجا يقتدى بها لأنها كانت عوناً وسنداً لجميع الأشقاء العرب على المستويين القطري والقومي .. فقد كانت رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تقوم على أساس التعاون والابتعاد عن الفردية وقد تجلت هذه الرؤية في إنجازاته التي لا تحصى في منطقة الخليج العربي لاسيما في إطار المساهمة في قيام مجلس التعاون الخليجي وفي الهيئات والمنظمات الإقتصادية والإنسانية والإجتماعية العربية والإسلامية. وعلى المستوى العالمي كسب المغفور له احترام قادة العالم ولم يتوقف يوماً عن دعوتهم لإقرار السلام والعدل ورفعهما فوق المصالح الضيقة. لقد أدخل المغفور له الشيخ زايد وعلى امتداد مسيرته الحافلة تغييرات جذرية وإيجابية على مستوى حياة الملايين سواء في دولة الإمارات أو خارجها ، ففيما يتعلق بدولة الإمارات فإن مقارنة بصرية بسيطة لصور ما كانت عليه قبل قيام الإتحاد وما أصبحت عليه اليوم تؤكد أنها ما كانت ستحظى بما حظيت به لولا وجود هذه الرؤية الثاقبة له كحاكم وقائد وسياسي محنك ، فقد استطاع المغفور له بإذن الله تعالى أن يضع بلاده على الخريطتين العالمية والإقليمية وأن يكرس اسمه كقائد عربي فريد تمتع باحترام العالم أجمع، وإذا ما أردنا الحديث في هذه العجالة عن العلاقات اليمنية– الإماراتية لابد من التأكيد على الاهتمام الذي أبداه المغفور له بهذه العلاقات مع بداية قيام الإتحاد منطلقاً في ذلك من الأواصر التاريخية القوية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين ما جعل اليمن من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع دولة الإمارات في العام 1971م، حيث كان المغفور له يرى في هذه العلاقات بأنها "علاقات حسب ونسب". وكان لتطور هذه العلاقات نتائج إيجابية عكست نفسها على مستوى التعاون الثقافي والإقتصادي والأمني وغيرها والذي بدأ بالتوقيع على أول اتفاقية بين البلدين للتعاون الثقافي والتربوي في نهاية شهر يوليو 1972م وأكدت الأحداث والتطورات مدى قوة العلاقات القائمة بين البلدين، إذ لم يكن مستغربا أن تكون دولة الإمارات من أوائل الدول التي رحبت بالوحدة اليمنية منذ ميلادها في العام 1990م واعتبرها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان –رحمه الله– "حدثاً فرح به كل عربي مؤمن بأمته وعروبته" وأكد "أن الوحدة اليمنية تمثل دعما للإستقرار في المنطقة وإضافة إلى رصيد القوة العربية".. وهو ذات الموقف الذي أكده وما يزال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بحرص دولة الإمارات على دعم التنمية في اليمن والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره، فالدعم الذي قدمته وتقدمه دولة الإمارات لليمن شمل كافة المجالات التنموية والإنسانية.. لعل أبرزه قبل إعادة الوحدة اليمنية بناء سد مأرب التاريخي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وتمويل بناء طريق (صنعاء–مأرب) بالإضافة إلى توقيع أول قرض تنموي في أكتوبر 1974م لتمويل مشروع مياه صنعاء الأول، وقد استمر هذا الدعم بعد إعادة تحقيق الوحدة المباركة في مجالات عديدة أهمها تمويل إنشاء مستشفى الشيخ زايد للأمومة والطفولة بصنعاء.. وبناء ألف مسكن للمتضررين من الفيضانات التي اجتاحت محافظتي حضرموت والمهرة في أواخر عام 2008م باَلإضافة إلى تقديم المساعدات الطبية والإنسانية وبناء مخيم متكامل للنازحين من حرب صعده مطلع العام الماضي.. بالإضافة إلى موقف الإمارات الداعم لليمن في اجتماعات مجموعة أصدقاء اليمن ومساهمتها السخية في اجتماع المانحين في العاصمة البريطانية أواخر عام 2006م لصالح التنمية في اليمن ومواقفها من الأزمة الراهنة التي تعيشها اليمن منذ أكثر من ستة أشهر وتأكيدها على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وتقديمها مساعدات للشعب اليمني تخفيفا لمعاناته من تداعيات الأزمة والتي تمثلت في إهدائها شحنات من المشتقات النفطية وغيرها. ولعله من المهم هنا ونحن بصدد الحديث عن ذكرى رحيل هذا القائد العربي الأصيل أن نشير إلى مدى ما يحظى به المغفور له الشيخ زايد من حب وتقدير لدى اليمنيين -قيادة وحكومة وشعباً- وفاء لما قدمه لليمن من دعم سخي منذ انطلاقة إتحاد الإمارات وحتى وفاته – رحمه الله – واستمرار هذا الدعم من بعده في العهد الزاهر الذي تعيشه الإمارات حالياً بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والذي أكد على الاستمرار على نهج- المغفور له- والده لاستكمال مسيرة الخير والعطاء فنال ما ناله المغفور له من حب وتقدير واحترام أبناء اليمن والشعوب العربية والإسلامية كافة.