يقف مجلس النواب هذه الأيام موقفاً تاريخياً أمام معطيات و مخرجات الأزمة اليمنية التي تفجرت منذ عشرة أشهر ، و سيلعب دورا محورياً هاماً في الأيام القليلة القادمة ، لم و لن يتاح له مثل هذا الدور مرة أخرى ، و بيده الآن الانتقال باليمن و بحكومة الوفاق الوطني إلى حيز تنفيذ بنود المبادرة الخليجية وفق آليتها التنفيذية التي تم الاتفاق والتوقيع عليها من قبل الأطراف السياسية المعنية بها بسلاسة وانسيابية ، أو إدخال اليمن في صراعات شبيهة بل لعلها تكون أكثر عنفاً مما نراه في الشارع المصري . السبب بسيط و لكن التجاهل عنه ستكون له نتائج مروعة ، حكومة الوفاق الوطني التي تعتبر احد بنود المبادرة الخليجية والتي للأسف تجاهلت تفاصيل وشروط شخصيات هذه الحكومة ، بحيث لم ترد في نصوص بنود المبادرة الخليجية ولا آلية تنفيذها اي شروط أو التزامات معنوية على الطرفين فيما يتعلق باختيارهم للشخصيات التي ستتولى الحقائب الوزارية في هذه الحكومة سواء من طرف السلطة أو من طرف المعارضة . وبالتالي فالمجال مفتوح أمام هذه الأطراف السياسية لاختيار من تتفق عليه قياداتهم لتسليمهم الحقائب الوزارية بغض النظر عن ماهية هذه الشخصيات ودورها في الأزمة اليمنية وهل ستجد قبولاً لدى الشارع اليمني والطرف الآخر أو لا ، والمقصود بالشارع اليمني هنا ليس الشباب المعتصم فقط بل كل فئات المجتمع اليمني من مؤيدين ومعارضين وشباب معتصمين و فئة صامتة. و هذا المجال غير المقنن لا في بنود المبادرة ولا في آليتها التنفيذية والذي تُرك مفتوحاً على مصراعيه ، سيفتح الباب على مصراعيه أيضاً لصراعات كثيرة قد تحدث في الشارع اليمني تماماً كما يحدث الآن في الشارع المصري وذلك لاحتمال بروز أسماء ليس عليها إجماع أو على الأقل شبة إجماع على نزاهتها من إشكاليات الأزمة اليمنية و أضرارها والدماء التي سُفكت خلالها من أي طرف كان ، و بالتالي لن تكون مقبولة لدى جميع الأطراف الأمر الذي سيتسبب في نشوب صراعات على مستوى الشارع اليمني. و لهذا كنت أتمنى ومازلت على أطراف المبادرة الخليجية أن يتحروا في اختيار الشخصيات التي سيسلمونها حقائبهم الوزارية بحيث يعملوا على اختيار شخصيات تكون محل إجماع أو على الأقل شبه إجماع من مختلف فئات الشعب اليمني ولاسيما الطرف الآخر و أن يحيدوا الشخصيات النارية التي برزت خلال هذه الأزمة من باب حسن النوايا. من ناحية أخرى فإن دور مجلس النواب في تجنيب اليمن مثل هذه الصراعات منوط بحكمة وحنكة أعضاء مجلس النواب الذين لهم السلطة الكاملة في منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني المزمع تشكيلها في الأيام القليلة القادمة أوحجبها عنها. و من هنا أناشد كل عضو من أعضاء مجلس النواب أن يقف أمام الله أولا و أخيراً و أمام ضميره الإنساني والوطني والأخلاقي ويفكر ملياً قبل أن يمنح صوته وثقته لحكومة الوفاق الوطني القادمة ، يجب على أعضاء مجلس النواب والذين يمثلون إرادة الشعب قبل إرادة الأحزاب التابعين لها أن يتحملوا عبء مسؤوليتهم العظيمة لإخراج البلاد من دائرة الصراعات المحتملة القادمة ، مستذكرين عظم هذه المسؤولية أمام الله وأمام الناس وأمام دم الشهداء الذين سقطوا هنا وهناك من مواطنين وجنود وشباب معتصم ، وان لا يمنحوا ثقتهم لأي حكومة وفاق وطني تتضمن أسماء شخصيات ساهمت سواء بالقول أو الفعل أو التمويل أو التخطيط أو التأييد أو التحريض في سفك دماء أبناء الشعب اليمني وتدمير ممتلكاته ومعاناته المريرة طوال عشرة أشهر ، (كمن نادى بالزحف و اقتحام المؤسسات او من توعد باقتحام غرف النوم ، أو ذلك الذي سيحاكم كل من وقف مع الشرعية الدستورية و يعلق لهم المشانق ، او تلك التي اعتبرت كل انصار الشرعية الدستورية مجرد لصوص و مرتزقة و رأت أن رجال اليمن اصبحوا في يوم و ليلة (أنثى) ، او تلك العصابة التي قتلت و سفكت دماء اهلنا و اطفالنا في الحصبة و صوفان وتعز الحالمة ، او اؤلئك الذين عمدوا إلى قتل الشباب المعتصم في المسيرات السلمية ليتاجروا بدمائهم ، و اعتقلوا الشباب الحر والمستقل لإخراس أصواتهم ، وغيرها من الشخصيات التي عانا منها شعبنا اليمني العظيم معاناة مريرة طوال عشرة أشهر، و الذين مثلوا بحق خطراً حقيقياً على وحدة و أمن و استقرار اليمن أرضا و إنساناً. و لهذا فانا أناشد اعضاء مجلس النواب أن يتمعنوا في الشخصيات المكونة لحكومة الوفاق الوطني سواء من جانب السلطة او من جانب المعارضة و ان يتحروا طهارة أيادي هذه الشخصيات من دماء شهدائنا بالدرجة الأولى قبل ان يعطوهم اصواتهم ، فلا يرضي الله و لا رسوله ولا أي ضمير حي ان نرى القتلة الملوثة أياديهم بدماء أبنائنا ومن تسببوا في الخراب والتدمير والقتل متربعين على كراسي الوزارات و كأننا نكافئهم على إجرامهم ، حتى ولو كانت هذه الحكومة مؤقتة ، خاصة وان الهدف الأساسي لحكومة الوفاق الوطني هو البناء وتوحيد الصفوف ولملمة الجراح و رأب الصدع والتخفيف من معاناة هذا الشعب ، وبالتأكيد من كانت اطروحاته وأجندته وأفعاله طوال عشرة أشهر هي الهدم والقتل و تعليق المشانق و تجريم أبناء الشعب لرأيهم و اعتبارهم مجرد لصوص و مرتزقه لأنهم يخالفونه الرأي ، وزرع الشقاق والخلاف والنزاع بين أبناء الشعب الواحد والتحريض الإعلامي وتزييف الحقائق بهدف دفع اليمن لهاوية الحروب ، بالتأكيد من كانت اطروحاتاهم بتلك السطحية وبذلك السواد لن يكونوا فاعلين ولن يكونوا نافعين ولن يدفعوا لتحقيق هدف حكومة الوفاق الوطني ، بل لن يُقبل التعامل والتعاطي معهم من أي طرف ، سواء من قبل شباب الساحات أو من قبل المؤيدين أو من قبل الفئة الصامتة. وأؤكد أن كل من يظن أو يعتقد أو يفكر مجرد التفكير أن الشعب اليمني بحُكم ما قد عاناه طوال عشرة أشهر يمكن أن يقبل أو يوافق على ان يرى مثل هذه الشخصيات التي أشرت إليها متربعاً على كراسي الوزارة دون أن يحرك ساكناً فهو واهم و لا يعرف مع من يتعامل. [email protected]