من المؤكد أننا نعيش اليوم مرحلة دقيقة وحسّاسة تقتضي من جميع اليمنيين التراص والتكاتف والتلاحم والتعاون والعمل بروح الفريق الواحد، في مواجهة تداعيات الأزمة التي مرّ بها الوطن خلال الأشهر الماضية، وتجاوز انعكاساتها السلبية على مجريات حياتنا المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادرية والتنموية والثقافية والاجتماعية. وتزداد حاجتنا أكثر لمثل هذا التلاحم في هذه اللحظات التي انتقلت فيها الأطراف الحزبية من الخلافات السياسية إلى الشراكة الوطنية، وذلك من أجل إنجاز العديد من المهام الملحة، التي لا يمكن إنجازها بدون تعاضدٍ وعمل جماعي ونوايا صادقة من كافة الأطراف ودون استثناء. ومن هذه المهام غير القابلة للتأجيل عودة الأمن والاستقرار وإزالة كل المظاهر التي تقلق السكينة العامة، وتشوه نقاء وصفاء العاصمة صنعاء وبعض المدن الأخرى، حيث وأن مهمة كهذه لا يمكن أن تضطلع بها لجنة الشؤون العسكرية وإعادة الأمن والاستقرار وحدها وبدون تعاون كل الأطراف التي يتعين عليها أن تنتصر لقيم السلام والوفاق وتطلعات المواطنين، الذين لا شك وأنهم عاشوا في الفترة الماضية ظروفاً صعبة وأياماً ولياليَ اتسمت بالمعاناة والخوف والترقب، إلى درجة أن من كان يصبح على يوم جديد لا يثق بمجىء المساء ويمسي غير آمل في طلوع شمس اليوم التالي، حتى قيل أن سكان العاصمة صنعاء أو مدينة تعز أو غيرهم من المواطنين قد انحبس تفكيرهم عند مسألة عودة الأمن والاستقرار والطمأنينة إلى نفوسهم، بصرف النظر عن مقومات الحياة الأخرى من كهرباء وغاز وبنزين وديزل ومأكل ومشرب وتعليم وصحة. وطالما أن الأمن والأمان ضرورة حياتية لا تستقيم أوضاع الناس إلاّ بهما لارتباطهما بالبعد التنموي والاقتصادي، مصداقاً لقوله تعالى: "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" فإن الواجب أن نقف جميعا إلى جانب لجنة الشؤون العسكرية التي ستبدأ اعتباراً مِنْ صباح اليوم في إزالة كل المتاريس والحواجز والخنادق التي استباحت شوارعنا وطرقاتنا وأحياءنا وأزقتنا، وإنهاء كل المظاهر المسلحة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل يناير الماضي. إذْ أنّ نجاح اللجنة العسكرية في إنجاز هذه المهمة سينعكس إيجابياً على كل الخطوات الأخرى المتصلة باستحقاقات المرحلة الانتقالية، المبينة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمَّنة. وعلى من يراهنون على غير ذلك أن يدركوا أن من الصعب إعادة اليمن إلى براثن الأزمة، لأن أخلاقيات اليمنيين لا تسمح لهم بالسقوط في مستنقع الفتن والفوضى والحروب والاقتتال الداخلي. وربما أن من يراهنون على الاستمرار في خلط الأوراق من خلال بعض الحماقات كتفجير أنابيب النفط من جديد كما حدث يوم أمس، والتقطع للناقلات المحمّلة بالمشتقات النفطية ومنعها من الوصول إلى صنعاء لتلبية احتياجات الناس من هذه المادة الحيوية، يجهلون حقيقة واقعية تطبع بها مجتمعنا وتميز بها عن مجتمعات كثيرة هي أن هذا المجتمع لم يستفحل فيه مرض ضياع الذات الحضارية كما حصل لبعض المجتمعات. كما أنه يتمتع بسمات التصالح مع نفسه وأفراده، متسلحاً بروح التسامح التي تساعده على الدوام على تجاوز المصاعب والعقبات، مقتدياً بهدي القرآن الكريم ومتمثلاً قوله سبحانه وتعالى "ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". إنّنا أمام هّبة وطنية تُغَلّبُ فيها مصلحة اليمن العليا على مصالح الأفراد والأحزاب والأشخاص والجماعات، وتلك هي الإرادة الحقّة لإغلاق كل المنافذ التي تتسرب منها نزعات الدس الرخيص، الذي يسعى إلى تدمير نسيجنا الاجتماعي المتلاحم والمتماسك، ومقومات هويتنا الجمعية، وعُرى وحدتنا الوطنية. ومن الأفْيَدِ لنا جميعاً أن نتعامل مع استحقاقات المرحلة بفكر ينحاز لقيم السلام والوفاق، وأن نتعاطى مع مهام هذه المرحلة بعمق ورويَّة، خاصة وأن هذه المرحلة ستشهد الكثير من التحولات التي ينبغي أن تكون مواقفنا منها نابعة من مسؤولية وضمير وطني يملك قوة الإقناع والمنطق والحجة.