ايّ كويت بعد الانتخابات الاخيرة وهي الرابعة في غضون ست سنوات؟ كانت الشكوى في الكويت من ان مجلس الامة السابق عطّل الحياة السياسية في البلد ولم يسمح للحكومة بالقيام بايّ عمل مفيد، اضافة الى تعطيله للمشاريع الكبيرة، حصل ذلك عن طريق المزايدات ورفع الشعارات التي تتحدث عن الفساد وما شابه ذلك، جاء تبديل حكومة الشيخ ناصر المحمد والاتيان بحكومة جديدة برئاسة الشيخ جابر المبارك تشرف على الانتخابات كمحاولة للخروج من المأزق المتمثل في الدوران في حلقة مقفلة حوّلت الحياة السياسية في الكويت الى ما يشبه مسرحية عنوانها "حوار الطرشان". فشل تبديل الحكومة في تحقيق اي تقدّم من اي نوع كان، تبيّن ان المشكلة ليست مرتبطة بالشيخ ناصر وشخصه بمقدار ما انها مشكلة نوّاب يعتقدون ان الوقت حان لتعديل الدستور والانتقال بالبلد الى نظام جديد مبني على توازنات مختلفة الغلبة فيها للاكثرية التي تسيطر على مجلس الامة. في عهد الحكومة الانتقالية التي اشرفت على الانتخابات برئاسة الشيخ جابر المبارك، بقي الوضع يراوح مكانه، لا مجال لاي تقدّم، لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً، على العكس من ذلك، بدأت تظهر اكثر فاكثر نتائج الضغوط التي يفرضها المتزمتون دينيا في كلّ المجالات، بما في ذلك الحفلات الموسيقية والطرب، هل هذه الكويت التي كانت رائدة في كل الميادين والتي كانت تعطي دروساً لجيرانها ولكل دول المنطقة في الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاعلامي في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي؟. جاءت الانتخابات الاخيرة لتؤكد ان المشكلة تتجاوز شخص رئيس الوزراء وان المطلوب اكثر من اي وقت، لدى بعضهم، اعادة النظر في النظام السياسي المعمول به، كانت نتائج الانتخابات بمثابة انقلاب حقيقي في اتجاه الانتقال بالكويت الى المجهول. للمرّة الاولى في تاريخ البلد، هناك اكثرية في مجلس الامة قد تطرح مشروعا تعتبره مؤسسة الحكم منتقصا من صلاحياتها. سبق لبعض من فاز في الانتخابات ان طرح سابقاً "حكومة شعبية"، على من يدعو الى مثل هذا الطرح ان ياخذ في الاعتبار ان في الامكان الحديث عن حكومة تنبثق عن الاكثرية في بلدان فيها حياة حزبية حقيقية، في مثل هذه البلدان، يخوض الحزب الانتخابات على اساس برنامج واضح يسعى الى تنفيذه، فيما تتولى المعارضة مراقبة العمل الحكومي ومحاسبة الوزراء. في الكويت، لا وجود لمثل هذه الاحزاب.. الاّ اذا استثنينا الاخوان المسلمين وبعض التنظيمات الشيعية التي هي اقرب الى ان تكون احزابا مذهبية. ما شهدته جلسات مجلس النواب في الماضي القريب، وصولا الى اقتحام المجلس في احد الايام، هو مناكفات ذات طابع شخصي في معظم الاحيان، حالت المناكفات دون اقدام الحكومات المتلاحقة على اي خطوة في اتجاه استعادة الكويت لعافيتها على الصعيد الداخلي وبعض من دورها الاقليمي، على سبيل المثال وليس الحصر، ينشغل النواب بالفصل بين الجنسين في الجامعات بدل البحث في كيفية تطوير البرامج التعليمية وبناء مؤسسات تعليمية متقدمة من منطلق ان الدول لا تتقدم من دون تعليم متطوّر. صار هناك نوع من الابتعاد عن اي بحث في القضايا الاساسية التي تؤثّر على مستقبل البلد وشبابه!. ادخلت نتائج الانتخابات النيابية التي اجريت في الكويت يوم الثاني من شباط/ فبراير الجاري البلد في المجهول، لدى الكويت ثروة كبيرة، انها احدى اغنى دول المنطقة، المؤسسات الديموقراطية في الكويت قديمة وراسخة، مؤسسة الحكم في الكويت هي مؤسسة ديموقراطية اقرب الى تعاقد اجتماعي بين اهل الكويت والاسرة الحاكمة، لكن ذلك كلّه لا يعني في اي شكل الاستهانة بالمخاطر المحدقة بالدولة في مرحلة بالغة الدقّة يمرّ بها الخليج كلّه. لعلّ اوّل ما يفترض عمله في مواجهة التحديات الجديدة التي جاءت بها نتائج الانتخابات اعادة التماسك والتلاحم بين افراد الاسرة الحاكمة، ان اكثر ما استفادت منه المعارضة التي سيطرت على مجلس الامة الجديد هو غياب هذا التماسك والتلاحم اللذين يؤمنان الخروج بحكومة قوية تمتلك برنامجا واضحا يستطيع الوزراء الدفاع عنه من منطلق الشفافية اولاً، ان الاستعانة بالكفاءات الحقيقية والشخصيات التي لا غبار عليها الطريق الاقصر لوضع حدّ لتهور عدد لا بأس به من النواب الذين لا يتقنون غير الصياح. اما بالنسبة الى المعارضين والمزايدين الذين على استعداد لاغراق الحكومة بالاستجوابات التي لا طائل منها، فانه يفترض بهؤلاء ان يتذكروا دائما ان الوضع في المنطقة كلّها غير طبيعي وانّ الاخطار المحدقة بالكويت لا يمكن الاستهانة بها، اما الشيء الاهم الذي يفترض بكل كويتي استعادته فهو يتمثل في مرحلة ما بعد الغزو العراقي، استعادت الكويت حريتها لانّ الكويتيين جميعاً رفضوا التعاطي مع المحتل من جهة ولانّ اسرة آل الصباح، على راسها الاميران الراحلان جابر الاحمد وسعد العبدالله والامير الحالي الشيخ صباح الاحمد، عرفت من جهة اخرى كيف تتعاطى مع العالم وجرّه الى تشكيل تحالف عربي ودولي اعاد الكويت الى الكويتيين. لا تحتاج الكويت، الدولة الصحراوية التي تعيش ربيعا عربيا دائما الى كلّ هذا الحراك السياسي الذي لا يصبّ الا في الفوضى والذي يعبّر عن قصر نظر لدى كثيرين, تحتاج الى بعض الهدوء وبعض الرؤية والتفكير مليا بما يدور في المنطقة, هل الكويت مستعدة على سبيل المثال لمواجهة احتمال اغلاق مضيق هرمز مثلا؟ صحيح ان هذا الاحتمال ضئيل، لكن الصحيح ايضاً ان اي دولة يمرّ كلها نفطها المصدّر عبرالمضيق لا تفكّر ببدائل استراتيجية في منطقة تقف على كفّ عفريت في ضوء الانفلات المخيف للغرائز المذهبية والطائفية بكلّ اشكالها.