عشنا سنوات عجاف، وشهور شاقة، من الزمن الصعب والمرير لحظة بلحظة.. وواكبنا، شعباً ووطناً، مخاضات عسيرة من النار والعذاب والدم والنضال، وانهيارات متلاحقة من الحزن والبؤس اكتنفت جوانب حياتنا..! وفي خضم التقلبات والتناقضات المدوية.. وتسارع الأحداث الساخنة المذهلة.. كنا نقول، بإيمان عميق وإرادة صلبة وأمل لا ينضب له معين: الوطنية لا تيأس.. الوطنية حتماً منتصرة..! ثمة أصابع «شيطانية» مدنسة باللعنات وطاعون الأحقاد والانتقام تنبش في الجسد الجريح، بل ثمة «ثعابين» احترفت إلتهام الأرواح والأعصاب والأجساد، تنخر في الأرض أقبية مظلمة، وتجعلها حقولاً مزروعة بالألغام والقنابل الموقوتة، تنبعث منها سموم الفتنة وسرطان الانشقاق.. لنصحوا، على حين غرة وفي كل مرة، على لحظة رعب شاملة وفجيعة شاملة، وإبادة شاملة..! وظلت عصابة الجلادين -ولا تزال-, تدفعنا دفعاً إلى مقصلة الأحزان والحرائق والمذابح والأهوال.. إلى ليل دام..! وظل ولا يزال الهم والحزن يحاصراننا، والخيانة تتسلل بيننا وتهددنا.. وتصنع تحصيناتها من أجسادنا، وتنصب مشانق الترهيب والترغيب، وزنازين التأويل والتفخيخ والتعذيب..! الغالبية اليوم تبحث عن مبرر لهذه الصورة المتأججة سواداً.. لهذا المناخ الملفوف بعباءة مظلمة تستر خلفها جرائم بشعة..! والجميع «إلاَّ القليل» لا يجدون مبرراً ما فيتوهون في سراب الدهشة والحزن والحيرة معاً..! وهل يخطر ببال أحد أن وطناً قرّر أهله تدميره وتشليحه وتفكيكه وتمزيقه إرباً إرباً..؟! وأمام كل ذلك.. الشيء العجيب الوحيد الذي لا يزال قائماً وفاعلاً كفعل السحر، هو الشعور العام بعدم الرضا، الذي يصل حد الرفض الغاضب..! شعور وطنيَّ عام ظل قائماً وفاعلاً ..! وكان العقل الوطني، كما هو, مستيقظاً وحذراً وحاسماً..! نعم.. شعور عام متحفز، وعقل نابه متيقظ , واصطفاف عام.. فكيف لأحد منَّا أن يخرج من جلده وقومه وهمّه الوطني.؟! هذا المخزون الهائل من الغضب الشعبي المتدفق بالأمل والإيمان، هو سر التريّث والصبر، انتظاراً قلقاً، لعودة السكينة إلى وطن مضطرب، تتنازعه مخالب الشياطين..! لم نكن نعلم ما يخبئه القدر، ولم نكن نحلم بما هو خارج بطون القدر.. نحن لا نعلم ولا نتوهم.. ولكننا نحلم ونؤمن..! نؤمن بعدالة قضيتنا الوطنية.. لأنها قضية وطن وشعب.. ونحلم ونؤمن بحتمية انتصارها..! ومهما كانت التحديات.. ومهما كانت الصعوبات.. ومهما فعل الإرهابيون القتلة.. مهما.. ومهما.. فإن العبور بالوطن إلى أن يحتفل بعرسه الكبير هو عودة الروح حقاً.. وهو شهادة كالشمس على أن أياً كان من خفافيش الظلام هو أصغر من أن ينال من كبرياء هذا الوطن العظيم..! مقارنة صارخة ..! لاشك كان شعوراً مؤلماً ونحن نشاهد الحفل الخطابي والعرض العسكري الذي أقيم صباح عيد الوحدة ونكتشف تخلًف وغياب بعض الأطراف السياسية والعسكرية عن حضور حفل وطنيّ كهذا بما له من دلالة عظيمة ورمزية متعددة !! ففي الوقت الذي كان يقف فيه الرئيس عبدربه منصور هادي شامخاً غير آبه يحيي العرض العسكري المهيب لرجال القوات المسلحة والأمن البواسل ومعه بعض المسؤولين والقيادات العسكرية والسفراء والملحقين العسكريين الأشقاء والأصدقاء.. كان الآخرون يتخندقون في متارسهم وأقبيتهم قابضين على زناد البندقية وأزرار المتفجرات لحماية أنفسهم فقط وقد تخلّوا ببجاحة وموت ضمير عن الوطن حتى في يوم أغلى أعراسه وأقدس أيام ميلاده..! وبرزت في الذهن مقارنة صارخة مدويّة.. بين من جعلوا الوطن في حدقات عيونهم .. يعطونه الأولوية على نفوسهم وأرواحهم.. وبين من جعلوا ذواتهم فوق الوطن.. يعطون الأولوية لأنفسهم قبل الوطن وعلى حساب الوطن وفرحته وعافيته واستقراره..!. أيها الشعب الأبي!! إنك اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة.. وإن عليك اليوم أن تفرز وتغربل الأزلام.. ويكفيك خداعاً وتضليلاً.. يكفيك سنوات الضياع.. أما آن لك أن تحذر وتستيقظ .؟!