أصبحت صنعاء المعروفة بتاريخها الضارب في أعماق الزمن مدينة للعبث ، والفوضى ، ولعب (العيال) أصبحت منطقة لتراكم (العاصر البشرية) التي ارتضت التخلي عن ما ميزها الله به عن سائر مخلوقاته واعتقدت يقيناً أن الناس طبقات مختلفة ، عبيدٌ يخدمون السادة ، وسادةٌ يفسدون في الأرض ولا يبغون صلاحاً ولا عيشاً كريماً متساوياً لجميع الناس ، أصبحت مرتعاً لكل من هبَّ ودبَّ من الأشخاص والأفكار والمعتقدات !. صنعاء تعج بالمسلحين ذوي والعقول التي لا تقل وساخة عن ما يلبس أصحابها ، وإن حاولوا الاختفاء خلف متارسهم ، ووراء ترقبهم المفزع وتلهفهم المخيف لانفجار الأوضاع التي قد تفيدهم وتضر بشعبٍ بالملايين ، لقد أضحت منطقة عسكرية مغلقة ، معسكرات بالجملة داخل المدينة وفي المناطق السكنية ، (بدرومات) واسعة تمتلئ بالرصاص والبارود ، والإمدادات لا تزال متواصلة ! صنعاء لا تزال وضفين ، لم تتحد بعد مع بعضها البعض ، ولم تتخلص من آثار ما حصل مؤخراً ، ضفة للرئيس السابق وأتباعه وأنصاره والمستفيدين من نظامه والأميين...والحرس الجمهوري ، وضفة لآل الأحمر وأتباعهم وأنصارهم وطالبي الحرية .. وبينهما ضاع الوطن الأكبر الذي يسمى ... «يمن»، وإن كان أحدهما يسعى إليه غير أنه لم يصل إليه بعد ! صنعاء أضحت منطقة (آمنة) لتصفية الحسابات ، وليست آمنة للعيش فيها مِن مَن لا يمتلكون مرافقين وسيارات وهنجمة و(نخيط) على الناس ، وضع أمني منفلت ، محاولات اغتيال بالجملة ، استعراض للقوة وحمل للسلاح أمام مرأى ومسمع اللجنة العسكرية التي أرى – غالباً – ، لا تسمع ، لا ترى ، لا تتكلم ... إلا فيما ندر ، والنادر لا حكم له ، ، وفي ذات الوقت ترى الجميع ينفذ رغباته وشهواته فيها ....(بالصميل) وعلى عين من يتحدث عن النظام والقانون !. صنعاء تلف بين جناحيها كل ما يمكن أن يشكل عاصمة للدولة ،، وزارات ، مبانيٍ حكومية ضخمة ، سفارات وقنصليات ، إدارات عامة ، مراكز للقيادة والتحكم ، هيئات لا نهاية لها ، ولجاناً وطنية لا يمكن حصرها ، والكثير والكثير ، لكن كل مكونات العاصمة التي ذكرناها هي مجرد (مبانٍ) زائفة لا تؤدي (جوهر) واجبها ، بل تكتفي ب(المظهر) ، صنعاء تمسي على جرح ، وتصبح على وجع ، تتخلص من (شيخ) لتفاجأ بآخر (ألعن) منه ، تنام على دموع ، وتصحو على أنين وبكاء ، لا تشتم فيها رائحة العود والبخور المعتادة منذ زمن ، بل تشتم روائح للبارود ، وللأجساد المتفحمة جراء الاغتيالات الممنهجة والمخطط لها بعناية ، ترتسم ابتسامات (صفراء) على مُحيا طرفي النزاع فيها ، كل واحد منهما يتربص بالآخر الدوائر ، ويتحين الفرص للانقضاض عليه .. بينما هم جميعاً ينقضون على صنعاء ومن خلفها الوطن أجمع ، مع الفارق – طبعاً – بين أهداف الطرفين !. صنعاء أصبحت في لحظةً غادرة (صعدة) جديدة بشكل جديد وعبوة اقتصادية وسعر أقل ، أتباع (السيدي) ينتشرون فيها كانتشار سم الأفعى في الجسد ذي المقاومة الضعيفة ، وعشاق (الدي في دي) يكثرون فيها الفساد ، مخطط خبيث ذاك الذي يرسمه هؤلاء (الدُخلاء) على صنعاء ، عمل يجري بوتيرة عالية ، استقطابات للناس من كافة الأطياف ، إغراءات مالية ، غزو فكري ، دعم مادي مهول ، تعاون وتنسيق مشترك مع أطراف لم تعد (خفية) كما كانت ، شعارات براقة تخفي وراءها أهدافاً مظلمة ، عمل إعلامي قوي ، تعبئة واستنفار وحالة (طوارئ) غير معلنة ، استهداف واقتحام ونهب لأحصن ما يمكن أن يكون فيها بعد دار الرئاسة وهي (السفارة الأمريكية)...الخ ، وبقية المصائب ستأتي تتابعاً إن لم تستفق صنعاء وأبناؤها من غفوتهم ، وغفلتهم ، وسكرتهم التي تجعلهم يتوهمون بأن مدينتهم ستظل عاصمة مهما جرى ، وهذا بالتأكيد سيكون أمراً مطروحاً للنقاش في حال لم تستطع (العاصمة) غير المعصومة أن تعصم نفسها وأبناءها من طوفان المخططات الخبيثة الذي يمضي الآن بهدوء وخفة ومكر نحو تحقيق ما يريد . صنعاء عاصمة لا تعصم أحداً من مياه الفوضى ، وطوفان المخططات الخبيثة.