تراجعت المشاريع الكبيرة الوطنية مؤقتا (الوحدة اليمنية)، المشاريع العربية الكبرى (القومية) والمشاريع الاصلاحية الفكرية التجديدية الاسلامية (الدينية)، حين أفلت وغابت الرؤى المعرفية والنظرية والفكرية السياسية الاستراتيجية وحين لم تستطع ان تفك اشتباكها وتماهيها مع الفكرة والممارسة الشموليين (كثقافة، وسياسة). وليس لأنها في حد ذاتها خطأ وفاشلة فدائماً المشاريع الاستراتيجية الكبرى ترتبط بشروط موضوعية تاريخية. بقدر ما ترتبط كذلك بقامات بحجمها، (جمال الدين الافغاني، الكواكبي، محمد عبده، خير الدين التونسي، عبدالله علي الحكمي، الزبيري، النعمان، عبدالناصر، عبدالله باذيب، علي عبدالمغني، قحطان، وفيصل الشعبي، وآخرون على المستوى اليمني، وحين نعود لتلخيص انتكاس وتراجع زخم وصوت المشاريع الكبيرة (الاسلامي، والوطني، القومي، والاشتراكي) وتعملق المشاريع الصغيرة والهويات القاتلة (القبلية، والعشائرية والمذهبية والانفصالية)، سنجد انفسنا امام جذر السؤال التاريخي وهو الشمولية، والاحادية، والواحدية، التي استبدت وهيمنت على جميع هذه المشاريع على عظمتها وحيويتها التاريخية... أي اننا سنجد انفسنا امام سؤال الآخر الغائب، والمغيب والمصادر.. غياب سؤال معرفة الآخر، والقبول به كما هو، والاهم سؤال حقه في الشراكة والمشاركة (سؤال المواطنة) سؤال حقه في السلطة والثروة، سؤال حقه في تجربة الديمقراطية وفي ان يكون ما يريد وفقاً للسؤال الشكسبيري العظيم «نكون او لا نكون) فحيثما توجهت بفكر وانت تعيد البحث عن المشاريع الكبرى (استراتيجيا) وطنيا، او قوميا، او اسلاميا، او اشتراكيا، ستجد نفسك امام وفي مواجهة سؤال الاعتراف بالآخر والقبول به، سؤال التسامح وسؤال التصالح والانسان كحاجة وطنية وتاريخية لتأسيس ثقافة العيش المشترك، وهو هنا سؤال أعرف نفسك، السؤال اليوناني الفلسفي القديم.. لأنك دون الآخر، ومعرفته، والقبول به، والاعتراف بحقه كاملا، لن تعرف نفسك ولن تتمكن من انتاج ما يفيدك انت قبل ان يفيد الآخر. لقد حفر وتعملق في جميع المشاريع الوطنية والعربية والاسلامية، سؤال العدل الاجتماعي في قلب سؤال «الملك العضوض» وغاب عنها جميعا سؤال الحرية، سؤال الديمقراطية، والتعددية وهو هنا سؤال الآخر، سؤال مشاركته وشراكته في كل شيء (السلطة، والثروة، المكانة الاجتماعية والسياسية) فحين يصادر او يغيب سؤال الحرية، والديمقراطية، تختل بنية الوضع والميزان في جميع الاشياء. ومن المهم اعادة انتاج سؤال الآخر، سؤال الحرية والتعددية، والديمقراطية بصورة جديدة الى قلب المعادلة ومن جديد، بعيداً عن ثقافة الاقصاء والاستئصال واحتكار الحقيقة (جمع الكل في واحد) ومن هنا زيف فكرة «المستبد العادل» وتناقضها مع السياسة الواقعية ومع التاريخ، ومن هنا كذلك أهمية إعادة إنتاج السؤال السياسي العربي القديم: «العدل اساس الملك» على قاعدة جديدة هي العدل، والملك، والحرية، حتى يستقيم الوزن، والايقاع، ويقف مثلث الحرية، والعدل، والملك على قدميه بعد ان بقي لقرون قائماً وواقعاً على رأسه فباسم قومية المعركة وشعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ولا صوت يعلو فوق صوت الحزب، وباسم فلسطين والعدالة الاجتماعية والامبريالية والاستعمار، صادرنا قضية الحرية ورحلنا الديمقراطية الى أجل غير مسمى وفي ختام المرحلة وجدنا أنفسنا أكثر امبريالية واستعمارية من الاستعمار الخارجي، بل وأوصلنا شعوبنا وبلداننا الى حالة جديدة من الاحتلال «العراق»، ولنكتشف أنفسنا اننا تابعون وملحقون بالمشروع الامبريالي الاستعماري وهنا المأساة والكارثة بعد مرحلة عناء وبحث نهبت منا حوالى خمسة عقود من أعمارنا فلا نحن واجهنا الامبريالية والاستعمار، ولا نحن حققنا الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة. ومع الثورة الشبابية الشعبية بدأنا نستعيد صورة ذلكم السؤال التاريخي المصادر، العدل، والملك، والحرية في آفاقها الديمقراطية الشاملة، وهي الثورة التي أتمنى ان لا نسمح باجهاضها أو التحايل عليها، أو سرقتها، بإعادة انتاج الاجابات القديمة، بجميع مفرداتها ومعطياتها الشمولية الاستبدادية (المشيخة القبلية، والعسكرية والمذهبية والدينية) باسم الثورة وهو ما قد ينذر بعواقب اشد قتامة مما شهده التاريخ السياسي العربي كله...