تداعت فكرة العقلانية إلى ذهني، وتفكيري بإلحاح شديد، بعد قراءتي للعمود الذي يكتبه الكاتب القدير إسماعيل ديب بعنوان (ضاد) في صحيفة الاتحاد الإماراتية اليومية في عددها الصادر في الجمعة الأخيرة من الشهر الفضيل وكان العمود مركزاً حول كلمة (عقل) حاول فيه الكاتب أن يٌعرف العقل ويستدعي لإغناء موضوعه المركز عدداً من الأقوال والمأثورات والشواهد الشعرية والأهم بالنسبة لموضوعنا هنا هو قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم (العقل نور في القلب نفرق به بين الحق والباطل، وبالحق عرف الحلال والحرام، وعٌرفت شرائع الإسلام ومواقع الأحكام، وجعله الله نوراً في قلوب عباده يهديهم إلى هدى، ويصدهم عن ردى) وإن لم يكن هذا القول متواتراً فحسبه أنه دال وحكيم وعميق، كما ضمن الكاتب عموده حواراً اسطوريا بين أبينا آدم وعظيم الملائكة عليهما السلام جاء فيه ما يلي :(لما أهبط اللهُ آدم إلى الأرض أتاه جبريل وقال: يا آدم أن الله عز وجل قد حباك بثلاث خصال لتختار منها واحدة وتتخلى عن اثنتين. قال: وما هنّ؟؟ قال: الدين والعقل والحياء .. قال آدم: اخترت العقل .. فقال جبريل للحياة والدين ارتفعا، قالا: لن نرتفع .. قال جبريل: اتعصياني .. قالا: لا، ولكن أمرنا ألا نفارق العقل .. انتهت الحكاية ومن لحظة انتهائي من قراءة العمود وفكرة العقلانية والاحتكام إلى العقل تلح بالحقيقة الوجودية الساطعة التي تؤكد بأن العقل هو الخير كله، وأن تعطيل العقل هو سبب الشر وكل البلاء ويشتد ذلك عندما يترف بالجهل الذي هو أخطر أدواء العقل الإنساني وأيسر أدوات الشيطان في تنفيذ مآربه عبر كل مراحل التاريخ البشري .. ولا شك بأن أعظم ذخائر العقل وغذاء قوته هي المعرفة .. ذلك النور الساطع في قلب الإنسان والتي بها تتشكل يقظة ضميره الحي .. وتتكون إرادته الخيرة التي تقودهم إلى نصرة الحق .. والأعمال الصالحة والاعتصام بالصبر .. والتسلح بالإيمان الصحيح والخلق الكريم ومفتاحه الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح. ومن ينابيع العقل انبثقت العقلانية كثياب فلسفي .. وكمدرسة فكرية ونسق من النهج السياسي وكأسلوب حياة وطريق لمواجهة تحدياتها الكبيرة ومخاطرها التي قد لا تنتهي!! ولكن يتغلب عليها العقل والمعالجات العقلانية والتي نحن اليوم في أمس الحاجة إليها.. وأدعى لأن يتمسك بها كل ذوي الألباب!! نعم، إن أعظم ما ميز به الخالق عز وجل الإنسان عن كل مخلوقاته هو العقل، وليس مجرد استواء الخلق في أحسن تقويم.. لأن العقل هو السر الأعظم في قوة الإنسان وعنوان اقتداره في مواجهة التحديات.. بل وفي صنع المعجزات.. وهو المحرك لكل عناصر حياته الفاعلة والمؤثرة والمثمرة سواء في النظر.. والتأمل والتفكير والتخيل.. والابتكار والإبرام واتخاذ القرار وترتيب الشواهد وتنظيم النتائج وخوض كل صور التطبيقات في كافة ميادين العمل والجهاد والإنتاج وإعمار الحياة، وخوض كل أشكال الصراعات، حتى وصلت المسيرة البشرية إلى المستوى المعيش اليوم من التقدم الإنساني والرقي الحضاري،، وصارت شعوب وأمم في أعلى درجات الاستحقاق من ذلك، بينما تعطلت، بل وتخلفت شعوب وأمم أخرى برغم امتلاكها لكل المقومات والأسباب التي ينتصر بها العقل!! بما فيها العقل!.. لأنها تخلت عن العقلانية. الاثنين: نفوس تحاول تحقيق المستحيل بالعقل: كثيرون استطاعوا أن يحققوا ما لا يمكن إنجازه بيسر.. لأنهم بذلوا الجهود المستطاعة وجندوا لذلك الأعمال الخلاقة.. والأفعال الفذة متحصنين بإيمانهم أولاً.. وبقوة الإرادة الفولاذية.. والعزيمة الإنسانية الصلبة والمستقيمة التي لا يجيد بها الانحراف وبجوهر ما يدعو إليه العقل.. وينتصر به في كل الأحوال والظروف والأوقات، وفي مقدمة ذلك اتباع أسلوب الحكمة.. والتغلّب على المخاطر الواضحة والمرئية قبل الوقوع فيها كما هو الحال بالنسبة لتجاوز الفتنة المحدقة بالنسبة لبلادنا والحمد والشكر لله والتي ما زالت صور المعاناة منها ماثلة في العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.. ولا شك أنها تتطلب مواصلة السير في خوض ما يعتبره البعض من المستحيل.. وما ينظر إليه الشعب وبخاصة أولى الألباب بأنه قدر الحياة الحوارية الحرة في المرحلة الوفاقية الحقة ومسئولية العقلانية اليمنية المسيجة بالإيمان والمنتصرة بالحكمة!! بإذن الله.