حاولت كثير من الدول عربية وغير عربية اكتوت بنار الاستعمار تقديم نماذج سينمائية أو تلفزيونية من قصص كفاحها المسلح ضد الاستعمار وتقديم نفسها للعالم متجاوزة الكتب والنشرات الإخبارية والاحتفالات البرتوكولية والندوات وكل ما كتب داخليا وخارجيا عن أصعب فترات مرت بها في تاريخها والتضحيات التي قدمتها حتى نالت استقلالها و نهضت بقوة لتشق طريقها نحو المستقبل بفضل نضالات أبنائها, فثورة المليون شهيد على سبيل المثال في الجزائر, تجسدت في أكثر من فيلم سينمائي منها معركة الجزائر والذي قدم باللغة الايطالية وأنتجه المخرج الإيطالي الراحل جيلو بونتيكورفو عام 1966 بالأبيض والأسود، ويعتبر أضخم فيلم من ناحية التكلفة حيث كلف مليون جنيه استرليني، وحقق وقتها نجاحا كبيرا ولسنوات لاحقة رغم منع عرضه في فرنسا 40 سنة، كما جسدت السينما الجزائرية شخصية المجاهدتين سناء محيدلي وجميلة بوحيرد, وجاء مصطفى العقاد وبدعم من الرئيس الراحل معمر القذافي وجسد شخصية شيخ المجاهدين أو أسد الصحراء عمر المختار في فيلمه الشهير " عمر المختار " بنسختيه العربية والانجليزية لإبراز الثورة الليبية وكفاحها المسلح ضد الاستعمار الايطالي, وحاولت السينما الهندية عمل الشيء ذاته وإن بأفلام لم ترق إلى مستوى نضالها ضد الاستعمار باستثناء فيلم غاندي باللغة الانجليزية الذي أنتج في العام 1982 عن حياة ونضال المهاتما غاندي قائد مقاومة اللاعنف ضد حكم بريطانيا العظمى. وفي اليمن, ومع أنه لايوجد سينما لكن هناك سينمائيون ومسرحيون ومخرجون محترفون وإن بامكانات متواضعة, لكن التاريخ اليمني زاخر بالأحداث والنضالات والتضحيات ومن ذلك الكفاح المسلح في الجنوب ضد الاستعمار الانكليزي الذي أطلقت شرارة ثورته من جبال ردفان في 14 أكتوبر عام 1963بقيادة الثائر الكبير راجح بن لبوزة والتي سبقتها مظاهرات وإضرابات عمالية تجاوزت ال30 إضرابا في مارس من العام 1956م إضافة إلى الهجمات والكمائن ضد قوات المحتل والتي سبقت ثورة 14 أكتوبر وماتلاها من كفاح مسلح توج أخيرا بالاستقلال في 30 نوفمبر من العام 1967م. ولست هنا بصدد تقديم درس في التاريخ عن ال 30 من نوفمبر, بل أتساءل هل بالامكان أن يحرك اليمنيون ساكنا ويكون لهم طموح في التفكير بجدية وخاصة السياسيون والمثقفون والمؤرخون والعسكريون منهم على وجه خاص وأصحاب الشأن أو من يسمون بالمهتمين والمعنيين في تقديم تاريخنا النضالي لأجيالنا الحالية والقادمة في قالب سينمائي أوتلفزيوني يجسد ما عاناه اليمنيون خلال فترة الاستعمار ونضالهم ويعكس درجة وعيهم في التدرج في ذلك النضال من الإضراب والاحتجاج وتوزيع المنشورات المحرضة ضد المستعمر فيما كانت تسمى بالمحميات في الجنوب وحتى الكفاح المسلح وطرد المستعمر الأجنبي, هل يمكن أن نرى الثائر الشهير أسد ردفان راجح بن لبوزة وقد جُسد حيا أمام أنظار اليمنيين وأنظار العالم في فيلم سينمائي ضخم يرصد له ميزانية كبيرة تعادل ماتصرفه الحكومة سنويا لشراء سيارات صوالين يصور هذا المناضل الكبير ويهو يشعل أولى شرارات الثورة الأكتوبرية من جبال ردفان, وهل يمكن أن تتحول حياة المناضلة دعرة بنت سعيد إلى مسلسل تلفزيوني يحيي قصة حياة هذه المرأة المكافحة التي توفيت والبندقية جوارها بعد أن جعلت من النضال زوجا ورفيق حياة, هل يمكن أن يشاهد الناس الشهيد المناضل علي عبدالمغني أحد أبرز قادة ثورة 26سبتمبر أو الشهيد محمد محمود الزبيري أو اللقيه أو العلفي أو قصة حياة الزعيم الراحل المشير عبدالله السلال أو الشهيد علي ناصر القردعي , أو خليفة عبد الله خليفة الذي نفذ في 10 ديسمبر 1963 عملية فدائية بتفجير قنبلة في مطار عدن أصيب فيها المندوب السامي البريطاني تريفاسكس , وقتل نائبه جورج هندرسن, وأصيب 35 مسئولا بريطانيا, وذلك في أعمال سينمائية أو تلفزيونية تكتب سيناريوهاتها بحرفية وأمانة تاريخية منصفة للأحداث والشخوص. إن المكتبة اليمنية حتى الآن زاخرة بالأحداث والوقائع وإن لم تكن كافية لتعطش الباحث والسائل والمهتم عما دار أو ماذا تم, لكن أعتقد أنها ستكون جريمة في حق التاريخ وفي حق الشهداء والمناضلين اليمنيين لو أبقينا كثيرا من وقائع تاريخنا النضالي مغيبا لاتذكر إلا كأناشيد وطنية وأوبريتات غنائية أشبه ببيانات النعي أو ندوات جامدة أو احتفالات تقليدية باهتة أصبحت لدى اليمني روتينية الطابع مملة في التكرار والإعادة على سبيل التذكير وتخليص ذمة الحكومة من عيد احتفلنا به بهذه المناسبة أو تلك, كما أعتقد أن على وزارة الخارجية تقع مسئولية كبيرة في محاولة نبش الذاكرة البريطانية في الحصول على وثائق هامة من حقبة استعمارها لليمن ورفد المتاحف والمكتبات اليمنية بها في صورة كتب أو محرزات أو وثائق ومن هنا يمكن أن تكتمل الصورة ويبدأ وزير الثقافة أن يحرك كرسيه الدوار ويفكر في شيء كبير ومهم كما ذكرنا وهو الفيلم السينمائي الذي قد يفتح الباب واسعا لمستثمرين أن يلجوا هذا الباب بإنشاء شركات للإنتاج السينمائي والتلفزيوني أو تتبنى هذا المشروع الدولة, قبل أن يحنط تاريخنا وتغيب ذاكرة أجيالنا وتحرف الوقائع والأحداث عن مواضعها وقبل أن يتحول هذا الجيل من الشباب إلى مسخ متسمر أمام الانترنت وشاشات التلفزيون والسينما لا يعرف عن الثورة اليمنية " 26سبتمبر و14 أكتوبر " والكفاح المسلح في الجنوب و الشمال ضد الاستعمار والحكم الإمامي أكثر مما يعرفه عن أن النشرة الإخبارية الرئيسة في اليمن غالبا ما تأتي في تمام الساعة التاسعة مساء, بل وأقل مما يعرفه عن برشلونه وريال مدريد وقائد ثورة كرة القدم المناضل ميسي.