اليوم.. ليس الأمس، والغد.. ليس اليوم، وما كنا عليه قبل عامين من أوضاع وظروف سياسية وعسكرية وأمنية استثنائية كانت في مجملها بالغة الخطورة والتعقيد، وكانت تحمل نذر كارثة صراعات وحروب لا تنتهي قد تجاوزناها بالنجاحات الكبيرة على طريق انجاز التسوية السياسية للمبادرة الخليجية، لاسيما تلك المحرزة على صعيد النجاح الكامل لمؤتمر الحوار الوطني في الخروج بمنظومة حكم رشيد يرتكز على عقد اجتماعي جديد يشكل أساساً لبناء دولة مدنية ديمقراطية مؤسسية حديثة قادرة على تلبية تطلعات اليمنيين في العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وسيادة القانون الذي يتساوى أمامه الجميع في الحقوق والواجبات. هذه المعاني القوية والمضامين المستقبلية حملتها كلمة الأخ المناضل عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية في حفل الافطار الذي أقامه لهيئة رئاسة وأعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل الأحد الماضي في القصر الجمهوري وفيه خاطبهم بأن الشعب اليمني كله يتطلع إليهم بآمال عريضة من أجل المستقبل الجديد المتجاوز للماضي بكل ما له وما عليه، وأن الوطن منذ قيام ثورته (سبتمبر وأكتوبر) يعاني من ويلات الأزمات والمشاكل، وحان الوقت لوضع حدٍ لها بحلول ومعالجات لا تمنع تكرارها ليس ذلك فحسب، بل تنتقل باليمن واليمنيين إلى مرحلة جديدة لا مجال فيها للعودة إلى الوراء، وفي هذا المنحى ينبغي على أولئك الذين يعتقدون بأنهم قادرون على إعاقة وتعثير مسار العملية السياسية وعرقلة سير أعمال مؤتمر الحوار الوطني أن يعوا أنهم لا يمكن أن يقفوا في وجه حركة التاريخ لأن عواصف المتغيرات والتحولات التي شهدها ويشهدها وطننا ومحيطه الإقليمي وقضاؤه الدولي أقوى وأكبر بما لا يقاس من أية قوة أو جماعة أو فئة مهما ارتكبت من حماقات وفجور بحق شعبنا اليمني الذي بات يعرف الطرق والأساليب والممارسات الارهابية المرتبطة بمصالح ضيقة لأولئك المتنفذين الذين اعتادوا تجاوز النظام والقانون على حساب مصالح الوطن وحقوق المواطنين. هذا هو السياق الذي يجب أن يكون مستوعباً بعمق من كل القوى والأطراف في الساحة اليمنية ليتمكنوا من فهم أن لهم مصلحة حقيقية في إخراج اليمن من نفق الماضي المظلم ودوامة الصراعات العبثية والعدمية إلى المستقبل الآمن والمستقر المحقق لطموحات الجيل الشاب في الحاضر وأجيال شعبنا القادمة، خاصة وأن الشباب هم النسبة العليا في مجتمعنا، ولا رهان إلاَّ عليهم، وعلى توفير كل الأسباب والعوامل التي تمكنهم من تفجير طاقاتهم وقدراتهم الواعدة بالخير والعطاء إذا ما استطعنا إيجاد الظروف والمناخات الطبيعية الملائمة، ولابد أن نستطيع.. فلا خيار إلاَّ في المضي في خط السير الذي نحن فيه حتى نبلغ نهايته التي بها نغلق طريق العودة إلى الخلف، ونفتح آفاقاً رحبة وواسعة أمام شعبنا الحضاري العريق والعظيم الذي أثبت قديماً ويثبت حديثاً أنه قادر على اجتراح المآثر وصنع المعجزات والتغلب على التحديات مهما عظمت.. والفرصة سانحة الآن أمامه، وعلى القوى الحيِّة الخيِّرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن تكون في مستوى المسؤولية التي تتطلب منها الابتعاد عن التباينات الحادة والخلافات لصالح الاتفاق والتوافق المؤدي إلى شراكة بين كل اليمنيين، وعلى قدم المساواة في السلطة والثروة المرتكزة على قاعدة راسخة من العدل والحرية الواعية لحقائق متطلبات استحقاقات نهوض اليمن وبناء صروح نمائه وتطوره وتقدمه وازدهاره بسواعد كل أبنائه.. هذا سبيلنا لبناء غدٍ مشرقٍ وسعيد ولا سبيل لنا غيره.