لا حمداً في كريهة.. إلاّ إذا ما كانت من الله سبحانه، من لا نسأله رد القضاء.. بل اللطف فيه، إذ لا راد لما قضاه، فحمداً لله على ما قضاه، وقبل أن أعزي نفسي بفقد الصديق العزيز توفيق عبدالرحيم مطهر رجل الأعمال الخيِّر، أعزي أصدقائي من أبنائه النبلاء، وقبل عزائي لمدينة أحلامي وذكرياتي تعز الحالمة الجميلة، بخسارة أحد أبنائها ورجال أعمالها البارزين، هذا هو عزائي لليمن قاطبة بما فقدته برحيل توفيق. إن خسارة الاقتصاد الوطني بأحد أركانه وركائزه، تتساوى مع خسارة البؤساء والفقراء والمساكين الذين كانت تصلهم -دون من- مكرمات توفيق، رجل الأعمال العصامي الآتي من بسطاء الناس وهمومهم ومعاناتهم التي لم ينسها، بل كانت من دوافع تواصله معهم بعطف الإحساس بالمعاناة.. توفيق -رحمه الله- لم يكن متعالياً، أو مبتعداً عن هموم وطنه، أو بخيلاً بما هو أعز وأغلى من المال، وهو تقاسم الأجر والخير عند الله سبحانه، ولا أقول هذا عن سماع أو رواية، بل عن تجربة وتعامل، فأنا أحد أصدقائه الذين إذا ما سمعوا.. أو وقفوا على حالة تستحق من يمد إليها يد المساعدة والعون، أو لجأ إليهم من يشكو ضائقة أو معاناة -خاصة في المجال الصحي- وأبلغوا بذلك توفيق عبدالرحيم أو عرضوا الأمر عليه بغرض طلب مساعدة محتاج إلى يد تمتد لفك ضائقته، أو جلاءهمه، فإنه لا يتردد في تقديم ما هو مُجزٍ ونافع.. فنتقاسم معه الأجر والثواب عملاً بالحديث الشريف «الساعي في الخير كفاعله».. لن أنسى للمرحوم توفيق ذلك، كما لم أنْس أول لقاء جمعني به ولمعرفته المسبقة أني ممن يكتبون الشعر والأعمال الغنائية -خاصة الوطنية منها- فقد أثار استغرابي وإعجابي بما سرده عليّ من قصائد غنائية وطنية يحفظها عن ظهر قلب وخاصة ما كُتب ولُحن في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وقلت لنفسي: اتحتفظ ذاكرته بكل تلك الأعمال، وهو المهموم بمشكال رجل أعمال في اليمن.. التي لا حدود لما يعانيه رجال الأعمال والمستثمرون فيها.. كان توفيق كثير الدعابة والمرح -رغم مشاكله وهمومه التي يعانيها لو لم يكن إلاّ من فوضى التقطعات ونهب الباحثين عن المزيد وغيره- فكان رحمه الله لا يهاتفني من تعز، أو من صنعاء إلاّ ويبدأ حديثه بمقطع كامل أو بأكثر من نصف غنائية من الغنائيات الوطنية، التي كتبتها وتغنى بها المبدع أيوب طارش في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.. مثل: «دمت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضالِ» «ثورة تمضي بإيمان على درب المعالي.. الخ» أو «عن طريقٍ شقه ذو يزن... وآهمٌ من ظنَّ انا ننثني» أو «وهبناك الدمَ الغالي... وهل يغلى عليك دَمُ»... إلخ. وهكذا كنت أحس أن صديقي ليس رجل أعمال ومستثمر فقط، بل متابع ومتذوق، ومحب للإبداع الجميل.. وأتذكر أنه عند صدور أحد دواويني الشعرية، قد طلب مني أن أزوده بالكمية المطلوبة لشرائها وتوزيعها على العاملين لديه وعلى أصدقائه.. فبعثت إليه بمأتي نسخة بالسعر التشجيعي ألفي ريال للنسخة.. وبعد وصول الكمية اتصل بي من تعز مستهلاً حديثه -هذه المرة- بشطر من بيت ورد في أغنية لأيوب طارب -من شعر الفضول- يقول يا عباس: «ماظر لو كنت أغليت» فضحكت وعرفت أنه يقصد لماذا أرخصت سعر النسخ، ولماذا لا أضاعف الثمن حتى استفيد، ولأن الديوان يستحق أكثر من ذلك فرديت عليه ببيت لأبي الطيب المتنبي يقول: «كفاني منك الود، فالمال زائلٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ» أجابني: صدق كل ما فوق التراب يعود تراب، ولا تبق إلاّ المودة والمحبة بين الأصدقاء والناس عموماً. اختتم هذه الخاطرة عن الصديق العزيز توفيق عبدالرحيم مطهر بجملة وردت في خبر نعيه بصحيفة الشارع اليومية تقول «وجرت مراسم التشييع وسط حزن كبير خيّم على مدينة تعز التي يعد توفيق عبدالرحيم من أهم رجال الأعمال فيها، وأكثرهم تواضعاً وانفاقاً على مساعدة المحتاجين».. رحم الله توفيق والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وعزائي لنفسي ولأولاده ومحبيه.