كان الطريق منزلقاً مظلماً انتهى بمطب حاد لدى وصولي الى أرض العجائب، ومكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، حيث كان الرجل الشهير في انتظاري.كانت المناسبة دعوة وجهت لي على غداء خاص مع وزير الدفاع. وكنت أعلم أنه لم يدعني ليمنحني وسام شرف عسكري أو ليربت على كتفي. فالأعمدة الصحافية الأخيرة التي كتبتها عن حالة الجيش وإدارة الحرب في العراق لم تلاق الترحيب على أعلى مستويات في البنتاغون. وكانت المفاجأة أن أربعة رجال آخرين انضموا إلينا: رئيس قيادة الأركان المشتركة الجنرال بيتربيس، نائب رئيس الأركان، الجنرال ريتشارد كودي، مدير الأركان الجنرال والتر شارب ومساعد وزير الدفاع للشؤون العامة لاري ديريتا. جيد.. خمسة إلى واحد. كان رامسفيلد يعمل على مكتبه عندما دخلت. كان ودوداً مبتسماً وبقي كذلك طيلة اللقاء. أجرى حسبة سريعة ثم قال لي إن مجموع الرتب العسكرية للحاضرين يفوق رتبتي ب 11 نجمة. ثم بدأ الاشتباك في المعركة. قال رامسفيلد: »لست أسمع بشيء من قبيل الأشياء التي تكتب عنها«. أجبته بأنني استطيع القول من واقع خبرتي وتجاربي بأن المعلومات التي تجد طريقها إلى أعلى هرم القيادة لشخص بسمعة رامسفيلد لا تمثل على الأغلب الحقيقة كاملة. قال: "أعلم ذلك، لكنني اتحدث مع الكثير من الجنود طوال الوقت. ولقد أجريت أكثر من 600 لقاء في تاون هول، ويستطيع أي شخص أن يسألني عن أي شيء". الأمر كذلك اذن! أشار رامسفيلد إلى أن مصادري ربما يكونون جميعهم من الضباط المتقاعدين المنقطعين منذ زمن بعيد عن واقع ما يحدث اليوم. أخبرته ان نصف مصادري تقريبا هم من الضباط وضباط الصف العاملين في الخدمة الفعلية. رد قائلاً: "قد تكون النسبة 80 إلى 20 أو ربما 70 إلى 30؟ "قلت له كلا، هذا ليس صحيحاً. في الحقيقة ان الكثير منهم ليسوا فقط في الخدمة الفعلية، بل يعملون في البنتاغون أيضا وربما بعضهم يعمل حتى في مكتبه. قادنا النقاش إلى أسئلة عما اذا كان الجيش موهناً حقاً، أم لا؟. قال رامسفيلد ان الجيش، برأيه، "متقدم بسنوات ضوئية عما كان عليه قبل أربع سنوات". سألته ما اذا كان هناك أي منطق في استراتيجياتنا وتكتيكاتنا في العراق عندما لا نستطيع ايجاد أي طريقة أفضل من ارسال جنودنا المدربين أفضل تدريب في العالم إلى الشوارع نفسها في العراق ليلقوا حتفهم بقنابل المسلحين التي تتحسن يوماً بعد يوم. واننا بفعل ذلك نتيح للعدو استخدام أقوى أوراقه في هذه الحرب اللامتماثلة. وافق رامسفيلد تماماً على ما قلته.وقال انه أصدر أوامره في يناير الماضي للقائد الأميركي في العراق الجنرال جورج كيسي للبدء في التحول عن التركيز على تسيير الدوريات والاتجاه إلى تركيز الجهود على بناء قوة دفاع عراقية فعالة. وان هذا ما يتم القيام به الآن. وقال رامسفيلد انه أخبر الزعماء العراقيين ان القوات الأميركية تحتاج للبدء في التراجع إلى الخلف لأن الخسائر المتزايدة في الأرواح بدأت تؤثر على التأييد الشعبي للحرب في أميركا و"ان الزعماء العراقيين يتفهمون هذا ويوافقون عليه". وعندما سألته لماذا يرسل الجيش جباة الفواتير لملاحقة الجنود الذين فقدوا أطرافهم في الحرب لأنهم لم يسجلوا أسلحتهم أو تجهيزاتهم في قوائم المستودعات الرسمية عند مغادرة العراق أو أفغانستان، أو لماذا يتم إزعاجهم بالإلحاح على مطالبتهم بالديون. أو بإيقاف مرتباتهم لأنهم تلقوا مكافآت إضافية زيادة عما يستحقونه قانونياً بطريق الخطأ. ورداً على هذا السؤال تحدث كودي ورامسفيلد عن نظام حاسوبي في البنتاغون يعمل بشكل تلقائي. وقالا إن أسابيع أو حتى أشهراً تمضي قبل أن يتم تعديل بيانات الجندي المصاب الذي ينقل إلى الولاياتالمتحدة لتلقي العلاج حيث لا يعود عندئذ مؤهلاً للحصول على التعويضات . والمكافآت التي تصرف مع مرتبات الجنود الذين يخدمون في ساحات القتال. وبعد ذلك يقوم النظام بشكل تلقائي باحتساب تلك المبالغ التي صرفت خطأ للجندي باعتبارها ديوناً مستحقة عليه أو يقوم باقتطاعها من مرتبه. وقال رامسفيلد إنه يوجد الآن أشخاص في مركز لاندشتول الطبي في ألمانيا ومستشفى والتر ريد العسكري ومستشفى بيثيدا البحري، مهمتهم إدخال بيانات أي جريح يصل لتلقي العلاج مباشرة إلى نظام الكمبيوتر بحيث تبقى السجلات دقيقة. قال بيس إنه يتفق كلياً مع ما جاء في عمود صحافي نشرته مؤخراً يشجب العودة إلى استخدام إحصاء عدد جثث المقاتلين الأعداء في العراق. وقال رامسفيلد بشكل واضح. "إننا لن نحصي أعداد جثثهم". فقلت له لكنكم تقومون بذلك فعلاً وتنشرون الأرقام، ومازلتم تقومون بذلك منذ سنة وبوتيرة متزايدة. إذا كنتم لا تريدون إحصاء جثث الأعداء، إذن توقفوا عن فعل ذلك.وطيلة النقاش، كان وزير الدفاع يدون ملاحظات عندما يسمع نقطة أو انتقاداً مشروعاً برأيه. وبعد حوالي ساعة ونيف وبينما كنت متجهاً إلى الباب أهم بالخروج، انعطف بي رامسفيلد إلى جناح مكاتبه. أراد ان يريني رسالة وجدها بين أشياء والده الراحل، ووضعها في إطار أنيق، كتب هذه الرسالة وزير الدفاع الأسبق جيمس فوريستال إلى رامسفيلد الأب، يشكره فيها على خدمته في الأسطول الأميركي وفي حرب المحيط الهادي. قال لي رامسفيلد: "ان والدي فوق السن القانونية، لكنه تطوع للخدمة في سلاح البحرية، وبعد سنة واحدة كان ضابطاً على متن حاملة طائرات تشارك في الحرب في المحيط الهادي". وقبل خروجي قال لي وزير الدفاع: "أريدك ان تعلم إني أحب الجنود وأهتم لأمرهم "والجميع هنا يبدون الشعور نفسه". أجبته إن هدفي الوحيد هو الاهتمام بالجنود ورفاهيتهم وسلامتهم و"إنني أنوي مواصلة مهاجمتك بشكل منتظم لأضمن ان تبقى مركزاً على ذلك الهدف". ابتسم ابتسامة عريضة وقال: "لا بأس. استطيع تحمل هذا". * صحيفة البيان: