يبقى السيناريو الأفضل أن يبادر الرئيس اميل لحود الى الموافقة على التنحي، وكما أن القوى السياسية سلمت البطريرك نصرالله صفير ادارة التنحية يمكن الرئيس كذلك أن يعطي موافقته المبدئية الى البطريرك. في مثل هذه الحال لا تعود هناك مشكلة اسمها اسقاط لحود، بما تعنيه من اساءة للمنصب والمقام، أو لما يمثلان وللطائفة التي تعتبر الرئاسة شأناً خاصاً بها، وتريد «استعادتها» ممن صادرها. طبعاً، هذا السيناريو غير متوفر. لذلك يفضل البطريرك الانتظار والنصح. ينتظر اتفاقاً على بديل من الرئيس، وينصح باللجوء الى الوسائل الدستورية، ويمتنع في الوقت نفسه عن مجرد الايحاء بتأييده ل «بديل» معين، فقد لا يكون اختياره موفقاً في بلورة توافق وطني، وعندئذ تفقد مرجعيته حيادها ومصداقيتها. لكن البطريرك طوّر موقفه، فهو لم يعد يمانع أن يكون مصير الرئيس قيد التداول، بل انه بعد زيارة كوندوليزا رايس تلقى اشارة بأن ثمة ارادة دولية وراء الرغبة الداخلية في تغيير الرئيس. ولذلك لم يعد الانتظار مجدياً، خصوصاً أن الأمور تتحرك، وعليه أن يواكبها. هناك من يعتبر أن فتح ملف الرئاسة كان مفاجئاً في هذا التوقيت. لكن منطق الأحداث كان يفرض العودة اليه، إن لم يكن تفعيلاً لأحد بنود القرار 1559 فعلى الأقل لأن مجريات الصراع الداخلي والاقليمي تدفع في اتجاهه، وإن لم يكن من أجل تعزيز الحكم الخارج من الوصاية السورية فعلى الأقل لأن التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري تغيرت وتيرته ولم يعد ممكناً ربط الاستحقاقات الأخرى بنهايته التي كانت بدت وشيكة. فالجميع كان يعرف ان عمر حكومة فؤاد السنيورة رهن بعمر التحقيق، وكان متوقعاً ان ظهور «الحقيقة» سيشكل بداية مرحلة جديدة في لبنان بما يعنيه ذلك من تغييرات تحتمها تداعيات «الحقيقة» المنبثقة من التحقيق. في غضون ذلك، حصلت تطورات اقليمية مهمة بدت مترابطة ومرتبطة بالقوى الفاعلة، والمتصارعة في آن، على الساحة اللبنانية، وتتداخل مع الأزمة المحلية. فالمخاوف على النظام في سورية انعكست توتيراً في لبنان، والتصعيد في الملف النووي الايراني عزز تحالف سورية - ايران - حزب الله، والانقلاب الذي شكله فوز «حماس» في فلسطين قرئ على أنه يتناغم مع هذا التحالف، وحتى نتائج الانتخابات العراقية فهمت بأنها تصب أيضاً في المجرى الايراني... وهكذا كان لا بد من العودة الى الحلقة الأضعف، لبنان، لانتزاع ورقة من ذلك التحالف، عبر تغيير الرئيس الذي تقلصت فاعليته «اللبنانية» ولم يبق منها سوى التغطية التي يوفرها للتحالف بإرادته أو بحكم المنطبق الذي انحبس فيه. في السياق نفسه، يبدو أن الضغوط العربية والدولية توصلت موقتاً - موقتاً طبعاً - الى هدنة في مسلسل التفجير والاغتيالات، وعناصر هذه الهدنة معروفة، كذلك أسبابها. وسيتضح قريباً اذا كان في بنود الهدنة اتاحة تغيير الرئيس لحود، أو أقله عدم الاعتراض على تنحيته، لكن هذا يفترض بدوره أن لا يأتي الرئيس الجديد «معادياً لسورية»، ولا معتنقاً الاستراتيجية نفسها التي عمل بها الرئيس لحود. لعل تفاهم العماد ميشال عون - حزب الله جاء في هذا الاطار، لكن الحزب لن يؤيد في النهاية رئيساً غير معني بالإبقاء على سلاحه وعلى المقاومة التي يريد الاستمرار فيها. في المقابل يبدي عون، وهو المرشح الأقوى للرئاسة، ميولاً واشارات تنم عن «نهج لحودي» بل تذهب أبعد منه لأن عون كانت ولا تزال لديه مآخذ على اتفاق الطائف. واذا كان الأسلوب اللحودي انحصر في صراع شخصي مع الرئيس الراحل الحريري، فإن الاسلوب العوني سيختلف بكونه أكثر عمقاً واصراراً على «استعادة» كل الرئاسة مفهوماً وصلاحيات. هذه نواة الصراع المقبل في لبنان، طبعاً اذا أتاح له الصراع الاقليمي والدولي فرصة مراجعة شؤونه الداخلية.