برغم محاولات بعض الكتاب والسياسيين تبرير الصفقة النووية التي أبرمت بين الولاياتالمتحدةالامريكية والهند خلال زيارة الرئيس بوش الاخيرة لنيودلهي، فانها تعتبر خرقا واضحا لمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، وإضعافا لموقف الذين يضغطون علي ايران بخصوص مشروعها النووي السلمي. فالمعاهدة تنص علي عدم مساعدة اية دولة تسعي للحصول علي التكنولوجيا النووية الا اذا كان مشروعها لا يهدف لانتاج السلاح النووي علي الاطلاق. ونظرا لتشكيك الولاياتالمتحدة في نوايا طهران بخصوص مشروعها النووي، تواصلت الضغوط علي الجمهورية الاسلامية في الاعوام الثلاثة الاخيرة، واجبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي اتخاذ قرار باحالة ايران علي مجلس الامن الدولي. وفيما يتواصل التوتر بشأن المشروع النووي الايراني، جاءت زيارة الرئيس بوش للهند وتوقيع الاتفاقية لتؤكد ازدواجية السياسة الامريكية، ولتضعف الارضية التي تنطلق عليها جهود مواجهة المشروع الايراني. ولذلك فليس مستبعدا ان تواجه الاتفاقية التي أبرمها الرئيس بوش مع الهند معارضة قوية من قبل الكونغرس الامريكي عندما تعرض عليه للتصديق في وقت لاحق. الرئيس الامريكي ربما يسعي لتثبيت فكرة أساسية تمثل جانبا من الاستراتيجية الامريكية في عهد المحافظين الجدد، مفادها ان من يفتح ذراعيه وأبواب منزله للغرب، فبامكانه الحصول علي تسهيلات ومساعدات مادية، بالاضافة الي غض الطرف عن ممارساته واساليب حكمه. البعض يري ان الصفقة توفر نوعا من الاجابة علي تساؤل مهم ينتاب الساسة الغربيين: ما العمل مع الدول التي تمتلك سلاحا نوويا ولكنها لم توقع علي اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية؟ كما يري ان الصفقة حققت أمرا واحدا يعتبرونه مهما وهو موافقة الهند علي تصنيف 14 من بين 22 مفاعلا نوويا تمتلكها بانها مدنية بصورة دائمة لا رجعة فيها ، وسوف تخضع للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. اما المفاعلات الثمانية الباقية فسوف يتم اعتبارها منشآت عسكرية ولن تخضع للرقابة. وفي المقابل، سوف تحصل الهند علي تكنولوجيا نووية اضافية من الولاياتالمتحدة. وبذلك تستطيع الهند توسيع الجانب العسكري من مشروعها النووي لانها تمتلك من اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم ما يساعدها علي ذلك. ثمة تساؤلات حول طبيعة العلاقة المتجددة بين الهند والولاياتالمتحدةالامريكية. فحتي وقت قليل كانت الهند محسوبة علي خانة الدول التي لا تتمتع بصداقة حميمة مع الولاياتالمتحدة، وكانت أكثر ميلا للاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. وما تزال القوي اليسارية الهندية قوية وفاعلة، ورافضة للتطبيع مع واشنطن. فعندما تشكلت في العام 1998 حكومة بزعامة بهاراتيا جانانا وهو حزب الهندوس المتطرفين (بي جي بي) علي رأسها أتال بهاري فاجباي، قامت بسلسلة من التجارب النووية تحت الارض الامر الذي أزعج الرئيس الامريكي، بيل كلينتون، فقام بفرض مقاطعة اقتصادية للهند، علي اساس القانون الامريكي الذي صدر في 1994 المعروف ب قانون منع انتشار الاسلحة النووية . ولكن تصاعد التوتر بين الهند وباكستان في السنوات اللاحقة، وبروز ظاهرة الارهاب، كل ذلك وفر ظروفا مناسبة لتطوير العلاقات بين واشنطن ونيودلهي. والملاحظ ان تلك العلاقات لم تتطور الا في عهد حكومة الحزب الهندوسي المتطرف، الذي أدت سياساته لعهد دموي مع المسلمين. ففي 1992 قام المتطرفون الهندوس، بتحريض من الحزب، بتدمير المسجد البابري في مدينة أيوديا، ونجم عن ذلك مواجهات أدت الي قتل الآلاف من المسلمين. ونتيجة سياسات الحزب الهندوسي المتطرف تواصل التوتر بين الهندوس والمسلمين. ففي 2001 حدث هجوم علي البرلمان الهندي اتهمت باكستان بتدبيره، وتم حشد القوات علي جانبي الحدود، وكانت هناك خشية من وقوع حرب نووية بين الجانبين. وبعد تعرض قطار يحمل عمالا هندوسيين لهجوم ارهابي في شباط (فبراير) 2002 أدي الي مقتل 57 منهم، تعرضت منطقة كوجرات لاعمال ارهابية من قبل الهندوس ادت الي مقتل اكثر من الف من المسلمين. وتواصلت ردود الفعل السلبية تجاه الحزب الهندوسي المتطرف، حتي العام 2004 عندما هزم في الانتخابات وفاز التحالف التقدمي المتحد ليشكل حكومة ائتلافية يتصدرها حزب المؤتمر، وهو الحزب التقليدي الذي حكم الهند منذ استقلالها عن بريطانيا في 1947. وفي اطار هذا الحزب، تمكن المهندس المهاتما غاندي من قيادة شعبه في نضاله السلمي ضد الاحتلال البريطاني. يومها كان غاندي يتطلع لبلد ديمقراطي يتعايش فيه المسلم مع الهندوسي ويتمتع باستقلال سياسي كبير. وقد لعبت الهند في عهد جواهر لال نهرو، اول رئيس وزراء للهند دورا محوريا في حركة عدم الانحياز، داعمة قضايا شعوب العالم الثالث، ونضالها ضد الامبريالية. ولكن الحكومة الحالية استمرت علي نهج الحكومات التي تصدرها حزب بي جي بي، خصوصا في مجال تطوير العلاقات مع الولاياتالمتحدةالامريكية. وفي 18 تموز (يوليو) 2005 وقع رئيس الوزراء الهندي الحالي، مانموهان سينغ اتفاقية استراتيجية مع الرئيس جورج بوش، وبدأ الطرفان يعملان علي تنفيذها. زيارة الرئيس بوش الاخيرة للهند جاءت علي خلفية تلك الاتفاقية، وفتحت ملف العلاقات الهندية الامريكية في جوانبها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية. ومن الاعتبارات الاستراتيجية المهمة ثلاثة أبعاد. أولها يرتبط بالجغرافيا السياسية في جنوب آسيا. فالصين تمثل مصدر ازعاج غير قليل للولايات المتحدة لامور عديدة. من هذه الامور أولا التوسع الاقتصادي لهذا البلد الذي هو الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، وما يرافق ذلك من تطور تكنولوجي متواصل أصبح يمثل منافسة حقيقية للتكنولوجيا الغربية، ويسيطر علي الاسواق العالمية، ويضيق الخناق علي الصادرات الامريكية. وفي الاسبوع الماضي عبر السيد جيمس مندنهول، مدير مكتب التمثيل التجاري الامريكي، عن قلق حكومته ازاء السياسات الاقتصادية الصينية، متهما الصين بانها لم تتخذ اجراءات كافية في ما يتعلق بحماية الملكية الفكرية وبراءة الاختراع. وهدد الصين باتخاذ اجراءات ضدها لدي منظمة التجارة العالمية بدعوي ان الصين ما تزال تمارس سياسات حماية بوجه الصادرات الاجنبية، وتنتهك مباديء تحرير التجارة. وثانيا ان التقارب مع الهند اصبح ضرورة لمواجهة تمدد النفوذ الصيني. وكما يقول السيد جوزيف سيرينسيون، رئيس مشروع الحد من انتشار الاسلاحة النووية بمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي: ان الولاياتالمتحدة تعد لصراع واسع مع الصين وتبني تحالفا ضدها... ووفقا لهذا السيناريو، اصبحت الهند اكثر قيمة كقوة نووية منها كقوة غير نووية . وثالثا ان الولاياتالمتحدة تخطط لاستمرار صراعها مع الاسلام السياسي في اطار ما تسميه الحرب ضد ا لارهاب. ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة ان يستقبل الرئيس الامريكي علي الاراضي الهندية باحتجاجات واسعة من قبل المسلمين الهنود علي نطاق واسع، بالتحالف مع القوي اليسارية والشيوعية. ففي مدينة حيدر آباد التي زارها الرئيس بوش مثلا، أغلقت المحلات التي يملكها المسلمون ابوابها احتجاجا علي زيارة الرئيس الامريكي، كما نظمت مظاهرات احتجاجية حاشدة في العاصمة ومناطق اخري. واستقبل بوش بمسيرات رفع المشاركون في بعضها صور رموز تنظيم القاعدة في تحد مكشوف مع الولاياتالمتحدة. وتمثل الهند ثقلا مهما في هذا الصراع بسبب خلفية الصراعات الدينية لديها من جهة والمشكلة الكشميرية من جهة اخري والحساسية المفرطة في العلاقات مع باكستان من جهة ثالثة. فبرغم التقارب بين الهند وباكستان في العامين الاخيرين، فان انفجار الصراع وارد في أي وقت. رابعا ان الهند اصبحت قوة اقتصادية صاعدة، فمعدلات النمو الاقتصادي لديها عالية جدا، ويتوقع ان يصل في العام الحالي الي 8.1 بالمائة، وذلك بسبب نمو قطاعي الخدمات والصناعة بمعدل يزيد علي 5 بالمائة. هذا يعني ان الاقتصاد الهندي سوف يضغط علي السوق النفطية بشكل اكبر ويساهم في صعود اسعار النفط. ويبرر مسؤولو البيت الابيض الاتفاقية النووية مع الهند بانها احدي السبل لتخفيف الضغط علي السوق النفطية مستقبلا لان محطات الطاقة النووية ستوفر نسبة اكبر من احتياطات الهند. كما ان التقارب بين البلدين سوف يوفر لواشنطن وسائل ضغط علي الهند لحملها علي فتح اسواقها بشكل اكبر والالتزام بمباديء التجارة الحرة. ربما من السابق لأوانه القول بان الاتفاقية النووية التي وقعت بين الولاياتوالمتحدة تمثل تحالفا استراتيجيا بين البلدين. ولكن من الواضح ان واشنطن تتحرك بخطي سريعة للوصول الي ذلك التحالف. فاعلان واشنطن عن استعدادها لبيع اسلحة عسكرية متطورة للهند خطوة غير مسبوقة تعكس توجها امريكيا جادا علي طريق ذلك التحالف. ويمكن النظر الي ذلك من زوايا مختلفة. فالادارة الامريكية اعلنت انها مستعدة لبيع طائرات عسكرية متطورة للهند، وهو امر لا يحدث عادة الا مع الحلفاء المقربين جدا من واشنطن. وفي هذا الجانب قال تصريح رسمي صدر من البنتاغون في ضوء الزيارة: لقد أوضحنا نيتنا بمنح الهند طائرات من نوع لوكهيد مارتن اف 16 وبوينغ اف 18 هورنت، وكلاهما مجربتان عمليا في الحرب. وكلما دخلت امكانات اضافية الي قواتنا، سوف نعمل حكومة الهند لتزويدها بها... ويشمل اقتراحنا ايضا الاهتمام برغبة الهند في نقل التكنولوجيا والانتاج المحلي المشترك . هذه خطوات متسارعة تكشف مدي حرص واشنطن علي الامساك بالهند كحليف جديد في منطقة مليئة بالصعوبات والعداء للولايات المتحدة. * صحيفة القدس العربي