لطالما كان لاعب وسط الميدان على مر عصور كرة القدم هو محرك البحث، هو من تدور حوله كل الأسئلة وبجانبه تمر كافة الإجابات، ان كان محركا مميزا يأتي بالفرص للمهاجمين دون النظر إلى سرعة النت او زحفه كالسلحفاء، يضع زملائه أمام مرمى الخصوم دون جهد او تعب، وبحركة واحدة يكون المنافسون في خبر كان، وأن كان محرك بحث مجرد صورة في سوق شراء التطبيقات او مجرد رقم في عدد ال11 لاعبا ربما يخرج بعد مباريات قليلة من الباب الخلفي لكرة القدم! خلف مرمى شعب إب كان يلعب كرة القدم صبيا، لا يعرف من كرة القدم إلا العنيد ولم يعجب بلاعبين آخرين من خارج مدينة إب, قص شريط حياته مع كرة القدم في ذلك المكان الذي خرج منه عباقرة كرة القدم اليمنية, عشق مهنة صانع السعادة منذ نعومة أظافره, فكان يصنع أهدافا لأصدقائه على شكل هدايا أعياد الميلاد, يفرحون بها ويضعون تلك الهدايا في مرمى الخصوم, ربما مر الوقت سريعا ولم يدري ان الوقت يذهب مع كل حلم نحققه, فوجد نفسه في تشكيلة شعب إب, يقف بجانب إبراهيم الصباح يرفع رأسه قليلا فيجد أمامه محمد السحراني, يا الله على وضع لا يحسد يمر به, يلف رأسه 180 درجه يرمق رشيد النزيلي وخلفه الحارس العملاق خالد دهمان الذي كان يخاف يوما من وكزاته التي ترعب الاطفال الذين يلعبون دوما خلف مرمى شعب إب, يلتفت الى جهة اليمن مع ارتفاع نظرة الى الأعلى ليرى حناجر تتقاذف الكلمات منها بطريقة ترعب اصحاب القلوب الضعيفة, تجاوز هذا اليوم بعد أن تلقى الدعم من اللاعبين أصحاب الخبرة, لينطلق من يومها عبدالسلام الغرباني لاعب وسط جمع بين اللعب التقليدي واللعب الحديث! الأنفاس محتبسة والقلوب تتراقص دقاتها خوفا من الخاتمة غير المتوقعة وفقدان الامل, معلب المريسي تتحرك مدرجاته كأنها نار مشتعلة، ذهب عبدالسلام الغرباني إلى أسفل المدرجات وطالبهم بالصبر والتشجيع واخبرهم ان الهدف قادم لا محالة, منتخب الامارات فاز على منتخب الهند وتساوى بالنقاط مع منتخبنا, التأهل بيد منتخب الإمارات ولم يعد بيد منتخبنا, كان الجمهور يصمت عندما تصل الكرة الى اللاعب رقم 8, ربما ثقة منهم في أن الهدف سيأتي من قدميه, او لأن هذا اللاعب كان نجم منتخبنا في التصفيات, بل كان نجم المجموعة في جميع المباريات, والخطر على مرمى الخصوم قادم منه بهدف قاتل او تمريره حاسمة, منتخب بروناي متكتل في مناطقه هم يرغبون في الخروج بنقطة لتحسين تصنيفهم الدولي, محاولات من هنا واختراقات من هناك, خط هجومنا مشلول وحاجز اسمنتي بين الهجوم الوسط, الكرة تتناقل في بين العمقي والكهالي والعرومي وتعود الى الغرباني, وهكذا كأنها دائرة مكتملة دون فائدة في نقلهم الى ثنائي الهجوم, السالمي يصراع مدافع شتمه في بداية المباراة, عادل فهم تلك الشتيمة, وعلي النونو كان يومها نائما بجانب إحدى قوائم المرمى, عبدالسلام الغرباني تقمص دور المنقذ وفي الحقيقة لقد كان المنقذ والمخلص, وصلت الكرة الى قدمه رمق شباك تهتز خلف حارس ساحر تلاعب بالمهاجمين وجعلهم ينامون بطريقة مغناطيسية، هي لحظته تلك, لحظة الالماز الذي يشع نوره في كل أرجاء العاصمة، المريسي يصمت وكأن ملاكا نزل من السماء, تحسس الكرة بقدمه ورفع رجله قليلا الى الخلف وسدد, ركنها بطريقة عجيبة في الشباك الشمالية للملعب, تهتز المدرجات طربا ويتأجل حسم المجموعة الى موعد اخر كان لعبدالسلام الغرباني شرف تحديد الموعد !في ملعب القطارة بمدينة العين مشهد سينمائي بامتياز, نبحث عن نتيجة التعادل او الفوز, الجمهور اليمني يزاحم الجمهور الاماراتي في المدرجات كالعادة, التكتيك عالٍ جداً الرقابة لصيقة والحصار رجل لرجل, إلا المنقذ كان يعزف منفردا في منتصف الملعب, كان يحاول صياغة السيناريو المنتظر للمباراة, مع دقات خفيفة كأنها بداية معزوفة بيتهوفن الشهيرة عن الحرب العالمية, تنطفئ الموسيقى والصخب وسيمفونيات بيتهوفن جمعيها ويحل الهدوء بعدها, وتنطلق أصوات أخرى غريبة من جهة جمهور المنتخب الاماراتي, على الأرجح كانت صافرات استهجان من نوع آخر وتساؤلات متعددة أبرزها لماذا الغرباني يتجاوز المدافعين بتلك البساطة والسهولة؟, اين العرقلة التكتيكية؟ يستلم الكرة من خارج منطقة الجزاء يروغ كمايسترو يراقص فرقته, يذهب يمينا والمدافع يتجه شمالا, وعندما يذهب شمالا كان المدافع يذهب يمينا, اجمل مراوغة في تاريخ الكرة اليمنية, فقد تخلص منهم ووضعها بلمح البصر في الشباك, النتيجة ثلاثة مقابل واحد لمنتخب الامارات, الامال بدأت تتكسر ولكن المنقذ لم ييأس حاول مرات عديدة, الكرة الآن في قدمه رمق قميصا اخضر في وضع قريب من المرمى, علي النونو هناك قريبا من الشباك فرصة للتسجيل غمز المنقذ الكرة بطريقة مذهلة, سدد النونو هدفا ثانيا وقلص منتخبنا النتيجة ليعود الامل إلينا, نحتاج الى التعادل لكي نتأهل هدف واحد يضعنا في الدور الثاني للتصفيات, فجأة ودون مقدمات يسقط المنقذ على الارض مصابا يسقط عبدالسلام الغرباني, وضع الجمهور اليمني ايديهم على رؤوسهم لانتهاء الحلم بمغادرة الالماز مصابا لنخرج من التصفيات بفارق هدف وفارق لاعب اصيب كان الاهم في تشكيلة المنتخب اليمني في هذه التصفيات, ولاعب اسطوري في تاريخ شعب إب!